Monday 16 June 2025
جرائم

هشام بلاوي: تتبع وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ليست إجراء قانونيا بل استراتيجية لمكافحة الفساد المالي

هشام بلاوي: تتبع وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ليست إجراء قانونيا بل استراتيجية لمكافحة الفساد المالي هشام بلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
أكد هشام بلاوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة بالمملكة المغربية على أن عملية تتبع، وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ومصادرتها واستردادها لم تعد مجرد إجراء قانوني، بل أصبحت مكونا استراتيجيا في مجال مكافحة جرائم الفساد المالي و جريمتي غسل الأموال  وتمويل الإرهاب، و مؤشرا دالا على نجاعة إجراءات مكافحة الجرائم المذكورة، كما ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى فعالية ونجاعة الأبحاث المالية وقدرتها على ربط المتحصلات المشتبه فيها بالجريمة الأصلية وجردها وحصرها، وهو الأمر الذي  يقتضي تعزيز التنسيق بين  مختلف  أجهزة إنفاذ القانون و وحدات التحريات المالية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون القضائي الدولي  في إطار المساعدة القانونية المتبادلة و التعاون غير الرسمي، باعتباره مكملا للتعاون الرسمي، بالنظر لما يوفره من سرعة ومرونة في تنسيق إجراءات استرداد الأصول والمساعدة في بناء جسور التعاون خاصة في القضايا العابرة للحدود، و ذلك من أجل تجاوز التحديات التي يطرحها التعامل مع الترتيبات المالية المعقدة لا سيما في ظل استخدام التكنولوجيا الرقمية والعملات المشفرة. 

جاء ذلك في كلمة له بمناسبة افتتاح أشغال الورشة الإقليمية المنظمة حول موضوع " تتبع وحجز ومصادرة الأصول الإجرامية" بالرباط في الفترة من 16 إلى 18 يونيو 2025 .

وأضاف هشام بلاوي أن رئاسة النيابة العامة في العديد من المبادرات الوطنية والدولية المرتبطة  بموضوع تتبع و تجميد و حجز الأصول الاجرامية و مصادرتها و استردادها، وعيا منها بأهمية هذه الإجراءات في حرمان المجرمين من الاستفادة من متحصلات الجرائم وفي إرجاع الأموال المنهوبة لفائدة خزينة الدولة وتعويض الضحايا،  مما يعكس رؤيتها الاستراتيجية في هذا المجال، و من بينها انخراطها في مشروع إنشاء الشبكة الإقليمية لاسترداد الأصول بشمال افريقيا والشرق الأوسط (مينا ارين MENA ARIN)، و المساهمة في مبادرة إحداث منتدى للممارسين في مجال استرداد الموجودات بإفريقيا التي أطلقها المجلس الاستشاري للاتحاد الإفريقي لمحاربة الفساد وقطاع الشؤون السياسية والسلام والامن للاتحاد الافريقي بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي،  بالإضافة إلى المساهمة في إطلاق المشروع التجريبي لإنشاء نشرة جديدة فضية  مخصصة لتعقب واسترداد الأموال ذات الطبيعة الإجرامية من طرف المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (انتربول)، فضلا عن الانخراط في عملية تقييم المنظومة الوطنية لبلادنا من طرف مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية مجلس أوروبا بشأن غسل الأموال وتجميد وحجز ومصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة وبشأن تمويل الإرهاب عدد 198 التي صادقت عليها بلادنا سنة 2022.

وأضاف بأن تنظيم  هذه الورشة يعكس الاهتمام المتزايد الذي يحظى به موضوع تتبع وتجميد وحجز الأصول الإجرامية ومصادرتها واستردادها، كما يعبر عن الإلتزام المشترك من اجل مكافحة الجريمة المنظمة بكافة أشكالها وتعزيز قيم النزاهة والشفافية بالموازاة مع تنامي ارتفاع عائدات غسل الأموال، فلا يخفى على حضراتكم أن الجريمة المنظمة و العابرة للحدود لم تعد تقتصر على الجريمة العادية و البسيطة، بل تمتد إلى شبكات معقدة تستثمر  الأموال غير المشروعة في اقتصاديات  الدول  بما يهدد الأمن المالي والاستقرار الاجتماعي حيث تشير تقديرات  صندوق النقد الدولي إلى أن حجم الأموال المتحصلة من جريمة غسل الأموال تتجاوز في بعض الأحيان 02 تريليون دولار سنويا أي ما يعادل 2 إلى  5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأمام هذه المخاطر والتحديات، يوضح المتحدث ذاته، فقد أصبحت الحاجة ملحة إلى فهمٍ دقيق للإطار التشريعي والآليات الإجرائية والعملية المتعلقة بتتبع الأموال غير المشروعة وحجزها وتجميدها في أفق مصادرتها، بالإضافة إلى كيفية استردادها في حالات غسل الأموال وجرائم الفساد المالي والجريمة المنظمة، باعتبارها آليات أساسية لتعزيز قيم الشفافية وتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد وحماية الاقتصاد الوطني والدولي من التهديدات المالية المتزايدة.

وقال في هذا الصدد:"تقوم السياسة الجنائية ببلادنا في مجال مكافحة غسل الأموال على مبدأي الاستمرارية والاستدامة، وفق نهج يروم الملاءمة مع المعايير والتوصيات الدولية ذات الصلة، وذلك انطلاقا من قناعتنا الراسخة بكون هذه العملية ليست عملية ظرفية مرتبطة بتنزيل خطة عمل أو تنفيذ توصيات معينة، بل هي استراتيجية وطنية مستدامة تقتضي تحصين المكتسبات وتطوير آليات ومناهج العمل بشكل مستمر لمواجهة التحديات المستجدة وفق مقاربة تشاركية مع كافة المؤسسات والهيئات الوطنية المعنية، مشيرا إلى أن هذه المجهودات مُجْتَمِعَةً أسفرت عن خروج المغرب من عملية المتابعة المُعزَّزة خلال سنة 2023، كما تميزت سنة 2024 باستكمال ملاءمة منظومتنا الوطنية مع توصيات مجموعة العمل المالي و ذلك عقب الإشادة بالمجهودات المبذولة من طرف المملكة المغربية في هذا الصدد، لاسيما فيما يتعلق بتنزيل التوصية الثامنة و الثلاثون (38) المتعلقة بالمساعدة القانونية المتبادلة التي سبق لرئاسة النيابة العامة أن أصدرت بشأنها  الدورية عدد 15/ ر ن ع /س 2023  بتاريخ فاتح غشت 2023  حثت من خلالها النيابات العامة  على  وجوب التنفيذ الأمثل للتدابير والإجراءات ذات الصلة بالتعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة غسل الأموال  و الجرائم الأصلية و تمويل الإرهاب  من خلال ضرورة  تنسيق إجراءات الحجز و التجميد و المصادرة مع السلطات الأجنبية و التفاعل الفوري مع الطلبات المقدمة من طرفها بهذا الخصوص، و السهر على التفاعل مع طلبات تبادل المعلومات  بشأن المستفيدين الفعليين.