أكدت عائشة ماء العينين، عضو مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بحركة صحراويون من أجل السلام، أن تصنيف جبهة البوليساريو تنظيماً إرهابياً، سيكون له تداعيات كبيرة على الجزائر التي تعتبر الراعية والداعمة الأولى لهذا التنظيم، حيث سيؤدي إلى عزلة دبلوماسية واقتصادية للجزائر.
وأضافت ماء العينين التي قضت جزء كبيرا من طفولتها بمخيمات تندوف على الأراضي الجزائرية، قبل أن تعود أسرتها إلى أرض الوطن، في حوار مصور مع جريدة "أنفاس بريس"، أن ملف ضحايا البوليساريو يجب أن يُرفع إلى المنتظم الدولي لمحاسبة المسؤولين، وخصوصاً الدولة الجزائرية التي تتحمل المسؤولية القانونية والسياسية عن الانتهاكات التي تحدث على أراضيها.
وبشكل عام، ترى عائشة ماء العينين أن تصنيف البوليساريو تنظيماً إرهابياً سيضع الجزائر في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، ويزيد من عزلة النظام الجزائري دبلوماسياً واقتصادياً، خاصة في ظل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الذي يركز على منع الجماعات الإرهابية من إيجاد ملاذات آمنة.
وحول أسس تصنيف البوليساريو تنظيماً إرهابياً، قالت ماء العينين، أن هناك تقارير استخباراتية كن دول كبرى، ضبطت هذه العلاقات بين هذا التنظيم وتنظيمات أخرى، كما يأتي في ظل اعترافات صريحة من قادة الجبهة بأعمال ترقى للإرهاب مثل قصف معبر الكركرات الدولي عام 2021، واستهداف مدنيين في مدينة السمارة، وتصريحات أدت إلى توصيف نشاطات الجبهة كإرهابية وفق القانون الدولي.
كما أبرزت ماء العينين أن البوليساريو تعتمد على ثلاث ركائز رئيسية: المال من شبكات التهريب والجريمة المنظمة في الساحل، البعد الإرهابي المرتبط بإيران وحزب الله وتنظيمات أخرى، والملاذ الآمن الذي توفره الجزائر.
وسلطت عائشة ماء العينين الضوء أيضاً على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل مخيمات تندوف، وخاصة في سجن الرشيد الذي شهد اعتقالات وتعذيباً خاصة للنساء الصحراويات، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات لم تحظَ بالاهتمام الإعلامي والدولي الكافي. وذكرت حالات الاختطاف القسري والموت الغامض، إضافة إلى سياسة التهجير التي طالت نساء المخيمات، مما أدى إلى فقدانهن الانتماء الحقيقي إلى المكان والزمان، داعية المنظمات الحقوقية إلى التدخل الجدي لإخراج النساء المحتجزات من هذه الظروف وضمان حقوقهن.. وكلها ممارسات تعكس موقفاً حازماً تجاه البوليساريو وداعميها، وتدعو إلى تحرك دولي حاسم لوقف ما تعتبره نشاطات إرهابية وانتهاكات حقوقية في المنطقة.
وبالعودة إلى سؤال تأثير وتداعيات هذا التصنيف على الجزائر، أكدت عائشة ماء العينين، أن تصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي سيؤثر بشكل كبير وسلبي على موقف الجزائر الدبلوماسي على عدة مستويات:
عزلة دبلوماسية متزايدة: فالجزائر، الداعم الرئيسي للبوليساريو، ستواجه ضغوطاً دولية متزايدة لقطع علاقاتها مع الجبهة، مما سيضعف موقفها في المحافل الدولية ويحد من قدرتها على التأثير في القضايا الإقليمية والدولية. هذا التصنيف سيؤدي إلى عزلة دبلوماسية للجزائر، إذ سيُنظر إليها كدولة تدعم تنظيماً إرهابياً، ما يضر بسمعتها ويحد من تحركاتها الدبلوماسية.
ضغط على الجزائر لتغيير سياساتها: ستُجبر الجزائر على إعادة النظر في دعمها للبوليساريو، وربما تضغط عليها دولياً لقبول حلول سياسية بديلة مثل الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، مما قد يضعف نفوذها في النزاع.
تداعيات اقتصادية: قد تتعرض الجزائر لعقوبات دولية تشمل تجميد الأصول وفرض قيود على التمويل والدعم اللوجستي للبوليساريو، ما سيؤثر على اقتصادها خاصة في ظل اعتمادها على صادرات الطاقة، ويزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الداخلية.
تأثيرات أمنية وعسكرية: التصنيف سيعزز التعاون الأمني بين المغرب والدول الغربية في مكافحة الإرهاب، مما قد يزيد من التوترات على الحدود ويضع الجزائر تحت مراقبة دولية مشددة. كما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري أو توتر في المنطقة بسبب رد فعل الجزائر الرسمي وغير الرسمي.
تأثير داخلي سياسي: سيواجه النظام الجزائري انتقادات داخلية حادة بسبب دعمه لجبهة مصنفة إرهابية، مما قد يؤدي إلى احتجاجات سياسية ويضعف شرعية الحكومة ويزيد من حالة عدم الاستقرار.
كما أن تصنيف البوليساريو تنظيما إرهابيا سيضعف من "شرعيتها" المزعومة، وسيقطع أي علاقات تفاوض مستقبلية معها، ويجعلها منبوذة دولياً، مما يضعف موقف الجزائر الداعم لها ويجعلها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.
لتخلص المتحدثة إلى أن تصنيف البوليساريو تنظيماً إرهابياً سيشكل نقطة تحول في الصراع الإقليمي، حيث سيضع الجزائر أمام تحديات دبلوماسية، اقتصادية، أمنية وسياسية كبيرة، ويجعلها أكثر عزلة على الساحة الدولية، كما سيضغط عليها لتغيير موقفها من النزاع في الصحراء المغربية.
وبخصوص توقعاتها حول رد فعل الجزائر المحتمل على تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، قالت ماء العينين، الرد قد يكون متنوعاً ومتصاعداً، ويتوقع أن ترفض الجزائر بشدة هذا التصنيف، معتبرة إياه قراراً سياسياً يستهدف دعم "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، وستستخدم دبلوماسيتها للدفاع عن البوليساريو في المحافل الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، وستعمل على حشد دعم من حلفائها التقليديين مثل جنوب إفريقيا وبعض الدول الإفريقية الأخرى.
كما ستطلق الجزائر حملة إعلامية مكثفة لتشويه صورة القرار، واتهام المغرب والولايات المتحدة بمحاولة فرض أجندات سياسية على المنطقة، وستبرز دعمها للبوليساريو كقضية وطنية ومشروع تحرري ضد ما تصفه بالاستعمار.
ورغم الضغوط الدولية، من المتوقع أن تستمر الجزائر في تقديم الدعم العسكري واللوجستي للبوليساريو، وربما تزيد من هذا الدعم في محاولة للحفاظ على نفوذها في النزاع، مع احتمال تصعيد عسكري محدود في المنطقة، خاصة على الحدود مع الصحراء المغربية.
بالمقابل، مع تصاعد العزلة الدولية للبوليساريو، قد تضغط الجزائر على الجبهة لقبول حلول سياسية بديلة مثل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وذلك لتفادي المزيد من العزلة والضغوط الاقتصادية والسياسية.
وحسب المتحدثة، تصنيف جبهة البوليساريو تنظيماً إرهابياً سيحدث انعكاسات جوهرية على ملف الصحراء المغربية.. هذا التصنيف سيدعم الطرح المغربي القائم على سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، ويقوي موقفها في المحافل الدولية، خاصة أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة التي تعتبر حليفا استراتيجيا للمغرب. كما سيعزز الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء ويدفع المزيد من الدول لفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما يرسخ المقاربة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي واقعي للنزاع.
كما من المتوقع أن يكون دخول القرار الأمريكي المحتمل بتصنيف البوليساريو كجماعة إرهابية، إعادة رسم التحالفات في منطقة الساحل والصحراء، حيث ستتزايد الشراكات الأمنية بين المغرب والدول الغربية لمواجهة الإرهاب، مما يقلص نفوذ الجزائر ويعزز الاستقرار الإقليمي، مما سيزيد من جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة ويحد من قدرة البوليساريو على استغلال الوضع الأمني الهش في الصحراء والساحل لتمرير أجنداتها.
وثمنت عائشة ماء العينين، الناشطة الحقوقية، قرار السلطات السورية بإغلاق مقرات جبهة البوليساريو في دمشق، معتبرة أن هذا القرار يعكس توجه سوريا نحو الديمقراطية والتعددية الحزبية واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يتعارض مع وجود البوليساريو التي تصفها بأنها تنظيم إرهابي غير مستقر أمنياً ويدعم أنشطة إرهابية.
وكانت السلطات السورية، بحضور وفد مغربي رسمي، أكدت إغلاق المقرات التي كانت تشغلها جبهة البوليساريو في دمشق، وذلك ضمن إطار زيارة بعثة تقنية مغربية مكلفة بالتحضير لإعادة فتح سفارة المغرب في سوريا بعد انقطاع دام منذ 2012.
وأضافت ماء العينين، أن هذا الإغلاق جاء تأكيداً من سوريا على احترام سيادة المغرب ووحدته الترابية ورفض أي دعم للكيانات الانفصالية، ويعكس إرادة سوريا في تعزيز التعاون الثنائي مع المغرب وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وأشارت عائشة ماء العينين إلى أن وجود البوليساريو في سوريا كان مرتبطاً بدعم نظام بشار الأسد السابق، وأن إغلاق المقرات يعكس التغيرات السياسية التي تشهدها سوريا حالياً، خصوصاً بعد نجاح الثورة السورية التي أطاحت بالنظام السابق، مما يجعل استمرار دعم البوليساريو يتعارض مع مصالح سوريا الجديدة التي تسعى إلى الحرية والمساواة الاجتماعية.
حوار مع عائشة ماء العينين حول تقاطع حركة "صحراويون من أجل السلام" والمغرب حول الحكم الذاتي في الصحراء يبرز أهمية هذا التقاطع في إعادة تشكيل المشهد السياسي لقضية الصحراء، خاصة في ظل ظهور أصوات صحراوية جديدة تدعم الحل السياسي الواقعي.
وترى عائشة ماء العينين أن حركة "صحراويون من أجل السلام" تمثل تحولا نوعيا في الخطاب الصحراوي، حيث تضم مناضلين سابقين في البوليساريو اختاروا طريق التوافق والمصالحة بعيداً عن خطاب الانفصال، وتؤمن هذه الحركة بأن مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب عام 2007 هو الأساس القابل للتطبيق لإنهاء النزاع وتحقيق السلام والتنمية في المنطقة.
كما أكدت أن هذه الحركة تقدم بديلاً سياسياً يعكس تعددية الرؤى داخل المجتمع الصحراوي، مما يضع حداً للاحتكار التقليدي لجبهة البوليساريو في تمثيل الصحراويين، ويعزز من شرعية الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي، وهو ما يلقى دعماً متزايداً على المستوى الدولي من دول كبرى ومنظمات عالمية.
ومع قبول حركة "صحراويون من أجل السلام" كعضو مراقب في الأممية الاشتراكية، ترى ماء العينين، أن ذلك يمثل اختراقاً دبلوماسياً مهماً يعكس تحولا في توازنات الصراع، ويؤكد على بزوغ فجر جديد من التعددية السياسية والحوار البناء في قضية الصحراء، مما يفتح آفاقاً جديدة للحل السلمي بعيداً عن منطق الإقصاء والتفرد.
من وجهة نظرها، تقاطع موقف المغرب مع حركة "صحراويون من أجل السلام" يشكل فرصة لتعزيز الحل السياسي الواقعي الذي يحفظ كرامة الصحراويين ويضمن حقوقهم، ويعكس نضج التجربة المغربية في تقديم نموذج الحكم الذاتي كحل متقدم وفعال للنزاع.