لازالت جماعة مكناس تعيش على وقع " الزلزال السياسي " الذي أحدثته الأحكام القضائية القاضية بعزل 3 مستشارين بينهم نائبان للرئيس وكاتب المجلس وما أفرزته من تداعيات أفضت الى استقالة عضوين ضمن الأغلبية ضمنهما الحاج ساسيوي المفوض له التعمير وعبد الإله الدجالي عن حزب الأصالة والمعاصرة ، وبعد " البلوكاج " الذي عاشته جماعة مكناس لفترة طويلة والذي أفضى في نهاية المطاف الى توقيع ملتمس يقضي بإقالة الرئيس السابق جواد باحجي (التجمع الوطني للأحرار) هاهي جماعة مكناس تعود لمعايشة نفس السيناريو بصيغة أخرى جراء استناد الرئيس الجديد عباس المغاري ( الاتحاد الدستوري) على أغلبية ضعيفة ومشتتة وتفتقد للانسجام الضروري وتنتمي في معظمها لأحزاب صغيرة وغير مسنودة من هيئاتها الحزبية وتفتقد للتكوين والامتداد الشعبي، مما جعلها تدخل مرة أخرى الى نفق التجاذبات السياسية، وهي التجاذبات التي لا تقتصر على الأغلبية والمعارضة المكونة من أحزاب وازنة في المشهد السياسي والحزبي بل تطال الحلقة الضيقة للأغلبية المسيرة والتي تظل مجسدة في " حرب الترضيات " بغية الحصول على التفويضات والتي تحركها نوازع شخصية أكثر من نوازع المصلحة العامة بحسب عدد من المنتخبين الذين تواصلت معهم جريدة " أنفاس بريس " .
وتضم الأغلبية المسيرة لمجلس جماعة مكناس بقيادة عباس المغاري 26 عضوا من أصل 61 في ظل المتغيرات الجديدة مما يضع المكتب الجديد لمجلس جماعة مكناس في وضع تنظيمي لا يحسد عليها ويهدد بانفراط حبات " التحالف المصلحي الضيق " في كل لحظة وحين، في حين تضم المعارضة أحزاب وازنة : حزب الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الحزب الاشتراكي الموحد، فيدرالية اليسار الديمقراطي، في الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات من هنا وهناك مطالبة بضرورة تدخل السلطات المحلية لتفعيل أحكام القانون في حق كل من تبث تقصيره أو تورط في اختلالات تتعلق بتدبير الشأن المحلي وتخليص مدينة مكناس من حالة " البلوكاج " التي ظلت جاثمة على تدبير الشأن المحلي لسنوات طويلة والتي كانت لها تداعيات وخيمة على تنمية المدينة، مما أعطى صورة " قاتمة " عن مدينة تاريخية كانت مركز إشعاع حضاري على مدى قرون طويلة، مما جعلها تنال حظوة التحول الى عاصمة للدولة المغربية في عهد السلطان المولى اسماعيل لعقود من الزمن، قبل أن يتم تكريس هذه المكانة الحضارية والتاريخية باعتراف اليونسكو بمكناس كتراث عالمي .
في هذا السياق تفاعلت جريدة " أنفاس بريس " مع عدد من المنتخبين والفعاليات المدنية والسياسية بمكناس وضمنهم هشام طنيبو، الكاتب الإقليمي للتجمع الوطني للأحرار الذي أشار أن حزبه اتخذ قرارا برفع دعاوى قضائية ضد المستشارين الذين تمردوا على قراره بالالتحاق بصفوف المعارضة، مضيفا بأن عدم الانضباط والامتثال لقرارات وتوجيهات الحزب من الطبيعي أن يعرض أي عضو بالحزب للمساءلة من طرف القانون، بعد أن كانت للحزب الشجاعة والجرأة للتخلي عن رئاسة مجلس جماعة مكناس حفاظا على مصلحة المدينة، كما أنه قدم اعتذارا لساكنة مدينة مكناس التي منحت أصواتها لفائدة مرشحي الحزب، مضيفا بأن هناك منتخبون تحركهم المصلحة الخاصة أكثر من المصلحة العامة، بينما المناضل الحقيقي يضع انتمائه الحزبي فوق كل اعتبار.
وأضاف طنيبو إن حزبه عبر بوضوح عن موقفه تجاه الرئيس السابق جواد باحجي الذي كان يدبر شؤون الجماعة بشكل انفرادي في غياب التواصل والانفتاح ودون استحضار انتظارات وانشغالات ساكنة مدينة مكناس، مشيرا بأن تحمل حزب التجمع الوطني للأحرار مسؤولية رئاسة مجلس جماعة مكناس لا معنى له دون تلبية انتظارات المواطنين المشروعة، مضيفا بأن العمل الذي تقوم به المعارضة اليوم هو عمل جيد ومن شأنه إصلاح الهفوات والأخطاء التي تشوب تدبير الشأن المحلي.
كما تطرق محاورنا الى إشكالية وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية بمجلس جماعة مكناس والذي يجعل تدبير شؤون المجلس يطبعه الكثير من الاختلاف في وجهات النظر، كما لم يفته التطرق الى إشكالية غياب التداول على المناصب والمسؤوليات داخل الأحزاب السياسية وما يتسبب فيه ذلك من إقصاء للكفاءات من مناصب المسؤولية سواء داخل الأحزاب أو داخل المجالس المنتخبة وتمييع الحياة الحزبية والمشهد السياسي، داعيا في الأخير من جميع القوى الحية في المدينة الى تغليب المصلحة العامة من أجل التقدم الى الأمام، علما أن حالة اللا استقرار التي تطبع عمل مجلس جماعة مكناس تعطل التنمية ومصالح المواطنين، مؤكدا بأن دور المجلس الجماعي يتجاوز الأمور اليومية وما هو إداري الى أدوار كبرى تتعلق أساسا بتوفير بنيات تحتية قوية وجلب المشاريع ونسج العلاقات مع رجال الأعمال والمستثمرين خارج مكناس من أجل استقطاب المشاريع الكفيلة بفتح الآفاق للشباب والخريجين .
وحسب يوسف بلحوجي، الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فإن ما نعيشه في مكناس ليس وليد اليوم فالأمر يتعلق بتراكم من سيء الى أسوأ ، علما أن هناك أشخاص عمروا طويلا بمجلس جماعة مكناس وهم من يتحمل القسط الوافر من التردي الذي تعيشه المدينة على عدة المستويات، مضيفا بأن من يدبرون الشأن المحلي اليوم كانوا منذ سنة 1992 وبينهم من يدبر الشأن المحلي منذ 2003 على الأقل . وتساءل بلحوجي في تصريحه لجريدة " أنفاس بريس " : كيف يقبل رئيس جماعة مكناس على نفسه أن يسير ويدبر شؤون المدينة في غياب الأحزاب الوازنة التي تمتلك أطر وكفاءات تجمع بين الخبرة والكفاءة والتي من شأنها إعطاء قيمة مضافة للمدينة، مع العلم أن هناك مستشارون في الأغلبية الحالية غير منضبطون مع توجهاتهم الحزبية، بل متمردون على قرارات الأحزاب التي ترشحوا باسمها ؟ مضيفا بأن قبول الرئيس الحالي بهذا الوضع يعني الضرب بعرض الحائط التعاقد الذي أبرمه المرشح باسم الحزب الذي ترشح باسمه مع الناخبين، والمساهمة في تشويه وإفساد المشهد السياسي والحزبي، مضيفا بأن اللجوء الى القضاء لتجريد أعضاء من المسؤولية داخل جماعة مكناس يعد شيئا محمودا ودرس للهيئات السياسية في الانتخابات المقبلة لكي تحسن اختيار مرشحيها، كما سيساهم في تخليق المشهد السياسي والحياة الحزبية .
كما أبدى بلحوجي أسفه على الوضع الذي تعيشه المدينة على كافة المستويات سواء من ناحية البنيات التحتية أو من ناحية أبسط المقومات : الطرق متهالكة، الإنارة منعدمة، الحدائق منعدمة بالمرة رغم كون المجلس متعاقد مع شركة لصيانة المناطق الخضراء، كما أن التدبير المفوض لقطاعي النظافة والنقل الحضري لا يرقى للمستوى المطلوب في المدينة.
كما تطرق الى تراخي السلطة في تفعيل القانون، محملا إياها مسؤولية الوضع الذي يعيشه مجلس جماعة مكناس، علما أن بعض الأعضاء وجهوا اتهامات مباشرة للأغلبية سواء في ظل المجلس السابق أو الحالي في دورات رسمية سواء تعلق الأمر بالحصول على رخص البناء أو رخص المطابقة، فضلا عن تفشي منطق الترضيات سواء تعلق الأمر بالتوظيفات أو إسناد المسؤوليات.
ولم يفته أيضا التطرق الى حالة الجمود التي تعاني منها مدينة مكناس في ظل غياب المشاريع الكفيلة بخلق فرص الشغل والتسويق للمدينة، باستثناء المعرض الدولي للفلاحة وموسم المولد النبوي، علما أن الأمر يتعلق بمدينة مصنفة كتراث عالمي من طرف اليونسكو يستوجب إقامة تظاهرات ومهرجانات دولية من مستوى عال من أجل التسويق لمقوماتها وتراثها المادي واللا مادي، وغياب رؤية للنهوض بالصناعات الغذائية من طرف الجماعات الترابية بعمالة مكناس رغم تدشين منطقة " أكروبوليس " منذ 2008 من طرف الملك محمد السادس.
عصام عبار (فاعل مدني وسياسي) أوضح من جهته أن ما تعيشه جماعة مكناس اليوم من حالة عدم الاستقرار الترابي يعد امتدادا لمسلسل التعثرات التي طالت تجربتها الجماعية منذ انتخابات 2021، والذي يتجسد في شلل المؤسسة الانتخابية وعدم القدرة على تلبية مطالب الساكنة الأساسية : إنارة عمومية غير لائقة، طرق متدهورة وتجهيزات ناقصة للأحياء، تعثر مشاريع كبرى (شارع محمد السادس، المحطة الطرقية ..)، تدهور النقل العمومي وضعف تحصيل الجبايات، تفشي احتلال الملك العام وغياب تصور لتفعيل التهيئة الحضرية، مشيرا بأن الأزمة الحالية التي يتخبط فيها مجلس جماعة مكناس تعود الى التفتت الحزبي ( تعدد الأحزاب داخل الأغلبية والمعارضة والذي أفرز مجلسا مشلولا ) مبني على أساس " الريع " و " الولاءات " والمصالح الفردية (ترقيات، سيارات خدمة) بدلا من الكفاءة أو التحالف على أساس برنامج أو مشروع تنموي ، مما نتج عنه بروز صراعات حول التفويضات في قطاعات حساسة ( النظافة، التعمير) ، بالإضافة الى إشكالية ضعف تأهيل المنتخبين : هيمنة أعضاء غير مؤهلين أكاديميا وسياسيا، والاستفراد بالقرار نتيجة استحضار الخلافات الشخصية والحزبية التاريخية داخل مجلس جماعة مكناس، وافتقاد المجلس الى رؤية جماعية للتنسيق أو الترافع فيما يتعلق بشؤون مجلس المدينة .
ويبقى المخرج من هذه الأزمة بحسب فعاليات مكناس التي حاورتها جريدة " أنفاس بريس " هو إعادة تشكيل الأغلبية المسيرة لمجلس جماعة مكناس على أساس تعاقدي وتوقيع ميثاق شرف سياسي يركز على الأولويات التنموية ومراجعة الشراكات والصفقات وإخضاع جميع العقود لمراجعة فنية وقانونية وتوزيع التفويضات بحسب الكفاءة والقطع مع منطق الولاء وإشراك المعارضة في الملفات الاستراتيجية وإدماج الكفاءات التقنية في الملفات الجوهرية ( النقل، النظافة) وإشراك الخبراء المحليين والمجتمع المدني في صياغة رؤية تنموية وإعداد برنامج تشاركي بأولويات قابلة للتنفيذ، وتفعيل دور لجان المراقبة المالية والتقنية.