
شكلت قضية طرد العائلات ذات الأصل المغربي من الجزائر سنة 1975 من خلال روايات ومؤلفات أبناء وأحفاد المرحلين قسرا والذين عاشوا هذه المأساة ووثقوها في كتبهم التي قدمت نماذج منها خلال لقاء بإحدى القاعات الكبرى للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، ضمن البرنامج الثقافي لمجلس الجالية المغربية بالخارج في اطار فعاليات الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط المنظم ما بين 17 و27 من الشهر الجاري.
وتحت عنوان " سرد قصة مغاربة الجزائر " استحضر، كلا من محمد الشرفاوي صاحب مؤلف " المسيرة الكحلة" وفتيحة السعيدي في كتابها " النمل المفترس " والشاعر والقاص الهاشمي الصالحي، خلال هذا اللقاء الذي تميز بحضور وازن لفعاليات ثقافية وحقوقية وفنية وإعلامية، وقائع وأحداث الطرد التعسفي الذي تعرضت لها أسر وعائلات من أصول مغربية، في ظروف لا إنسانية.
وباسم المكتب التنفيذي للتجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر سنة 1975، توقف عبد الرزاق الحنوشي نائب رئيس التجمع في مستهل هذا اللقاء عن السياق الذي تندرج ضمنه هذه الندوة والهادف إلى حفظ ذاكرة الضحايا و مقاومة النسيان ، وان هذه المبادرة تندرج أيضا في اطار البرنامج العام الذي سطره التجمع، بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، الهادف الى جعل هذه القضية الحقوقية والإنسانية حية ، ولا يطالها النسيان مؤكداأن التجمع الدولي، آل على نفسه أن يترافع عن ضحايا مأساة طرد مغاربة الجزائر لدى المنظمات والهيئات الدولية الحقوقية، واعداد برنامج متنوع خاص بمناسبة حلول الذكرى ال50 لهذه الاحداث الاليمة.
وفي معرض حديثهم من مأساة طرد المغاربة من الجزائر في دجنبر 1975 في فصل الشتاء البارد والممطر، أشار المتدخلون خلال هذا اللقاء الذى تميز بحضور مكثف لفعاليات أكاديمية وحقوقية وجمعوية وإعلامية إلى أنه بناء على القرار الذي اتخذته الدولة الجزائرية بتهجيرهم قسرا سنة 1975 صبيحة عيد الأضحى الشعيرة الدينية التي ترمز الى قداسة الانسان وحرمة إراقة دمه. وأكدوا على أن النظام الجزائري على الرغم من مرور زهاء نصف قرن على هذه الواقعة البشعة والمأساوية، لم يعترف لحد الآن بمسؤوليته المباشرة عن هذه الإنتهاكات الجسيمة التي تصنف ضمن دائرة الجرائم ضد الإنسانية، مواصلا محاولات التعتيم والتضليل حول مسؤوليته المباشرة عن هذا الترحيل القسري الذي لم يسلم من قسوته حتى الأطفال والشيوخ والأشخاص في وضعية إعاقة والمرضى. وأوضح محمد الشرفاوي الذي كان رفقة أفراد أسرته عند ترحيلها وفتيحة السعيدي التي طردت جدتها وجدها والهاشمي الصالحي الذي طردت أسرته وحينها كان بالخارج، أن الدولة الجزائرية، عمدت بشكل تعسفي وبدون سابق إنذار، على طرد ما يناهز45 ألف عائلة مغربية من الجزائر، وكلهم من المواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين بصفة شرعية فوق التراب الجزائري منذ عدة عقود، وأسس عدد كبير منهم أسرا مختلطة جزائرية مغربية، ومنهم من شارك في حرب التحرير الجزائرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وهو ما لم يشفع لهم ليتم التعامل معهم بهذا الأسلوب الأرعن و التعسفي والمهين الذي يخرق أبسط القواعد الإنسانية التي تضمنها المواثيق والأعراف الدولية.
وفي شهادات حية استرجع المتدخلون، اللحظات التي رافقت عمليات الطرد والترحيل بوسائل الترهيب، ذكروا بأن العائلات من أصول مغربية ومنها من لم تطأ قدماه الأراضي المغربية سابقا، وجدوا أنفسهم في رمشة عين وفي ظل ظروف مناخية قاسية، خارج ديارها، ومعاناة نفسية، وظلت دوما تعيش تحت وقع هذه الصدمة وهول الفاجعة. كما حرمتهم الدولة الجزائرية من كافة حقوقهم وممتلكاتهم، مع اقتياد آلاف النساء والرجال والأطفال والمسنين في اتجاه الحدود المغربية الجزائرية مجردين من أبسط أغراضهم الشخصية.
وبعدما أكدوا المسؤولية المباشرة لسلطات قصر المرادية، في طرد المغاربة وفي التسبب في هذه المأساة الإنسانية، التي خرقت أخلاقيات حسن الجوار، وسهرت على تنفيذها قوات الأمن والمصالح التابعة للدولة الجزائرية المسؤولة حصريا على هذه المأساة التي لها ارتباط وثيق بحقوق الإنسان، مسجلين أن هذا التصرف لم يكن حادثًا معزولًا، بل جزءًا من مسلسل التعتيم والتضليل حول هذه الأحداث المأساوية التي جرت في منتصف سبعينات من القرن الماضي.
وناشد المتدخلون إلى الاستفادة من كافة الوسائل لإثارة الانتباه، ومنها مجالات الكتاة الإبداعية في اثارة مزيد من الانتباه إلى قضية المطرودين من الجزائر مع العمل على تيسير لم شمل العائلات المغربية مع تلك التي لازالت مستقرة بالجزائر، وذلك وفق ما يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وآليات حقوق الإنسان ذات الصلة.
من بين الأفكار التي طرحت خلال هذا اللقاء الذي فتح خلاله باب النقاش، بعد المداخلات، ادراج قضية المغاربة المطرودين من الجزائر المطالبة بترتيب الآثار القانونية على هذه التصرفات اللاإنسانية التي طالت المغاربة المطرودين من الحزائر سنة 1975 مع العمل على رد الاعتبار للضحايا، وصيانة ذاكرتهم المشتركة ومقاومة النسيان والإهمال وهي ما يراهن عليه النظام الجزائري بهدف محو أثار هذه الجريمة النكراء التي اقترفها في حق الأسر من اصول مغربية.
وحتى تظل هذه المأساة حاضرة في الوجدان شدد المتدخلون على ضرورة تعبئة الرأي العام الدولي والمؤسسات والمنظمات الدولية، واثارة انتباه المجتمع الدولي إلى مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر سنة 1975، والضغط على الدولة الجزائرية للاعتراف بمسؤوليتها المباشرة والحصرية عن هذه المأساة التي استهدفت ليس فقط المواطنات والمواطنين من أصول مغربية بل ايضا الجزائريات والجزائرين من أسر مختلطة مغربية وجزائرية بالإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها سنة 1975 ضد المغاربة المقيمين منذ عقود على ترابها، مع تقديم الاعتذار الرسمي و جبر الأضرار الفردية والجماعية للعائلات المطرودة.
