“كان المغفور له الملك الحسن الثاني قد أمر الفنان والمبدع المسرحي الأستاذ الطيب الصديقي بإنجاز كتاب يوثق فيه جميع الصنائع التقليدية، وهو أمر وجب الشروع فيه. كما كان رحمه الله لا يستسيغ إدخال التقنية في الصناعة التقليدية.”
تباشير الخير ورياح التغيير قادمة
بفعل التراكمات الإيجابية المحققة في حقل الفروسية التقليدية، والإنكباب على تقويم وتصحيح الأخطاء السابقة على جميع المستويات منذ تسجيل وتوثيق فن التبوريدة ضمن التراث غير المادي بمنظمة اليونيسكو، اجتاز المغرب بفضل الجامعة الملكية المغربية للفروسية والشركة الملكية لتشجيع الفرس والجمعية الوطنية لفن التبوريدة، وعدة قطاعات ومؤسسات وطنية شريكة، ـ اجتاز المغرب ـ عقبة بعض المشاكل الفنية والتقنية، حيث بدأنا نلاحظ تقدما ملموسا ومهما على مستوى الانضباط للقوانين والإجراءات ذات الصلة بالخيل والبارود من أجل رد الاعتبار لـ "الفرس" و "الفارس" ومستلزمات فن التبوريدة على مستوى الصناعة التقليدية الأصيلة.
في الحاجة إلى تجويد والرّقي بتراثنا المادي واللامادي
في اعتقادي أن كل المؤشرات والإجراءات ذات الصّلة برُقي وتجويد تراثنا اللامادي المتعلق بفن التّْبَوْرِيدَةْ وما إليها من مستلزمات الفروسية التقليدية، بالنظر إلى تركيز لجن التحكيم خلال مراحل الإقصائيات الإقليمية والجهوية وما بين الجهات المؤدية لجائزة الملك الحسن الثاني بدار السلام بالرباط، والجائزة الكبرى للملك محمد السادس بمعرض الفرس للجديدة، ـ تركيز الحكّام ـ على كل أجزاء "سْنَحَاتْ الْخَيْلْ" و "الَمْكَاحَلْ" و "الْخَنَاجِرْ" و "السَّكاكين" و "دليلْ الْخَيْرَاتْ" و "التّْمَاﮜْ" في سبيل رد الاعتبار للصناعة التقليدية ذات الصلة.
كنوز “خَيْرْ لَبْلَادْ” محفوظة وموثقة
في نفس السياق يتم التركيز خلال الإقصائيات من طرف اللجنة المختصة التي تراقب وتضبط كيفية وطريقة الِّلباس التقليدي المرتبط بكنوز "خَيْرْ لَبْلَادْ" في علاقة وطيدة مع منتوجات الصّانع والحرفي التقليدي المتميز، سواء كان الأمر يتعلق بالزَّي واللباس المغربي الأصيل الذي له علاقة بمنتوج "الجَلَّابَةْ" و "السَّلْهَامْ" و "الَعْمَامَةْ" أو "الْحَيْكْ" و "الْقَفْطَانْ"، حسب خصوصيات المناطق ومدارس سنابك الخيل والبارود عبر ربوع المملكة المغربية.
“جْدِيدْ لِيهْ جَدَّة وَالْبَالِي لَا تْفَرَّطْ فِيهْ”
كل هذه التفاصيل وأخرى، أضحت اليوم محفوظة وموثقة وفق إجراءات وضوابط قانونية تم تسطيرها من طرف الجهات المختصة، حسب المثل المغربي القائل: "جْدِيدْ لِيهْ جَدَّةْ وَالْبَالِي لَا تْفَرَّطْ فِيهْ"، حيث يلزم مْقَدَّمْ سَرْبَةْ الْخَيْلَ والفرسان الإلتزام بها وتطبيقها دون زيادة أو نقصان، في أفق رد الإعتبار للصناعة التقليدية والاهتمام بالصانع التقليدي، ومحاربة كل التشوهات التي طالت مجموعة من مكونات "سْنَحَاتْ" الخيل وزينة الفرسان المتأصلة أبا عن جد، بعيدا عن سَرْجْ “الْمَاكِينَةْ” وقماش “الشِّينْوَةْ” الذي يشوه اللباس التقليدي.
لماذا إحداث جائزة أحسن سَرْبَاتْ الْخَيْلْ؟
من المعلوم أن الجهات الوصية والشركاء الفعليين، قد أحدثوا لجنة خاصة للإشراف على عملية تنقيط وانتقاء أحسن السَّرْبَاتْ خلال مختلف الإقصائيات، باعتماد معايير تقنية تشمل عُدَّة ومستلزمات الحصان مثل "السّرْجْ" و "الْمُكَحْلَةْ" مع التركيز على جودة وأناقة لباس المقدم والفرسان، على اعتبار أن تنظيم جائزة أحسن السَّرْبَاتْ يأتي في إطار التعاون مع الجامعة الملكية المغربية للفروسية، وتفعيلا لمقتضيات اتفاقية الشراكة المتعلقة بتثمين منظومة "فن التبوريدة" الموقعة بتاريخ 3 فبراير 2025، بين الجامعة الملكية للفروسية، وكتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والشركة الملكية لتشجيع الفرس والجمعية الوطنية لفنون الفروسية التقليدية التبوريدة.
“مَّالِينْ الْخَيْلْ” بين مطرقة الأصالة وسندان سَرْجْ الْمَاكِينَةْ و قماش “الشينوة”
وحتى نكون منصفين وواضحين مع من يعنيهم الأمر، فكل هذه الإجراءات تخدم بقوة تراثنا اللامادي وتحصّنه وتثمنه وترتقي به نحو الأجود والأرقى تراثيا. لكن دعونا نناقش بعض الصعوبات المرتبطة بالقدرة المادية لـ "مَّالِينْ الْخَيْلْ" في العالم القروي، حيث يصعب عليهم توفير "سْنَحَاتْ" بَلْدِيَّةْ وأصيلة يشتغل عليها الصّانع التقليدي المغربي بحرفية جيدة، والتي تتطلب منه الوقت والجهد والتأني والإتقان، "زِيدْ الْمَا زِيدْ الدْقِيقْ"، مع العلم أن هناك اختراقا ممنهجا وسط سوق الصناعة التقليدية المغربية، حيث يسهل على "الْبَّارْدِيَّةْ" استعمال معدّات ومستلزمات معلومة من صنع "الشِّينْوَةْ" المستنسخ من قماش لا يليق باللباس والزي التقليدي، فضلا عن سيطرة "الآلة/ الْمَكِينَةْ"، في صناعة مختلف أجزاء السَّرج نظرا لثمنها المتواضع، وهذا هو واقع الحال للأسف.
أسئلة آنية للحكومة المغربية؟
كيف يمكن محاربة الإختراق والتشوهات التي طالت كل أجزاء السّرج المغربي الأصيل؟ وما هو السبيل لرد الإعتبار لـ "التّْبَوْرِيدَةْ" ولزينة الخيل والفرسان؟ وكيف يمكننا المحافظة على قطاع الصناعة التقليدية وتشجيع الصناع والحرفيين، وتحفيز “مَّالِينْ الْخَيْلْ” حتى نضمن استمرارية المنتوج المغربي الأصيل ومحاربة كل أشكال القرصنة والاستنساخ باستعمال “الْمَكِينَةْ” بدل النهوض بحرف الخياطة والطرز بيد “لَمْعَلَّمْ” الصانع التقليدي؟
لماذا لا ندعم الصانع التقليدي إسوة بمستوردي الأغنام؟
اعتقد أن الحل يوجد لدى الحكومة المغربية وقطاعاتها الوزارية الملزمة والمعنية بجودة ورقي مستلزمات الخيل والفرسان، ويتمثل هذا الحل في ضرورة تشريع قوانين من أجل تخصيص ميزانية خاصة واستثنائية لدعم قطاع الصناعة التقليدية ذات الصلة بفنون التبوريدة، لإنعاش الحركة الاقتصادية بالمدن المغربية المعروفة بهذا النوع من الحرف التقليدية التي تجد نفسها بين مطرقة التشويه وسندان التحريف، وضمان أيضا لقمة عيش الصانع والحرفي المغربي، إسوة بما سطّرته وأقرته الحكومة بخصوص قطاع استيراد الأغنام الذي عرف دعما ماليا مهما، مازال صداه يتردد في مختلف الأوساط الاجتماعية.
من أجل ترسيخ شعار: “التبوريدة من العالم القروي إلى العالمية”
أظن أنه لتخفيف العبء على عاتق سَرْبَاتْ فرسان التبوريدة، وضمن ـ رؤية 2030 ـ يمكن أن تخصص الحكومة ميزانية خاصة، لدعم الصانع التقليدي المتخصص في صناعة عُدَّة ومستلزمات الخيل المغربية الأصيلة والألبسة الْبَلْدِيَةْ للفرسان، من "سُرُوجْ" و "مْكَاحَلْ" و "خَنَاجِرْ"...وتضبط بموجب القوانين دفتر تحملات يتضمن كل تفاصيل نوع المنتوجات الحرفية التي تليق بأصالة وهوية تراث فن التبوريدة والتي تتوخى دعمها بنسبة معينة ـ مثلا يمكن أن تخصّص الوزارة المعنية بالصناعة التقليدية نسبة مائوية معينة مباشرة من مجموع نفقات تجهيز وتَسْنِيحْ الفارس والحصان ـ طبعا لفائدة الصانع التقليدي حتى تحقق هدف رد الاعتبار للمنتوج الحرفي الذي يشتغل عليه الصانع التقليدي بجهد جهيد يتطلب دقة الإبرة والخيط، والوقت والتأني والصبر. ومن تمة يقتنيه لَمْقَدَّمْ/الفارس بثمن موضوعي يراعي القدرة الشرائية لـ “الْبَّارْدِيَّةْ” المنحدرين من العالم القروي، لتحقيق شعار: “التبوريدة المغربية من العالم القروي إلى العالمية”
مطلب الباحث عبد العالي بلقايد
في هذا السياق أكد الباحث عبد العالي بلقايد المهتم بالتراث المغربي لجريدة “أنفاس بريس” على أن “الصناعة التقليدية باعتبارها رافعة للكثير من تراثنا المادي وجب الترافع في شأنها لإبعاد التقنية في عملية انتاجها”. وشدد على أن “السرعة والإنبهار بالآخر، جعل الصّانع التقليدي منفتحا بشكل غير محسوب على القادم من الشمال، دون دراسة أو تمحيص، مما يؤثر على الكثير من الصَّنَائِع”.
وأورد عبد العالي بلقايد مثالا بجمالية ورونق الصناعة التقليدية المرتبطة بـ "الْجِبْصْ" حيث لم نعد نشاهد الإهتمام بـ “الْمَرْبُوعْ” الذي يؤثث الكثير من المآثر التاريخية المغربية، “وأصبح (الصّْنَايْعِيَّةْ) المتخصّصين في هذا الصنف الحرفي في تناقص كبير، أو يفضلون الهجرة إلى الخارج حيث ظروف التعامل معهم أحسن وخاصة على المستوى المادي”.
وطالب نفس المتحدث في هذا الصدد بضرورة “التفكير في آليات للترافع، قصد تثمين المنتوج الوطني عبر ندوات وإصدار توصيات لكي تعمل المؤسسات ذات الصلة على بناء مخطط مع شركاء معنيين ومهتمين، لكي نصون هذا التراث المادي الذي هو أساس وينبوع إلهام التراث اللامادي الذي بدونه لا يمكن أن ننتج معاني ودلالات نخلق بها تفردنا وتميزنا عالميا وجهويا”.