كانت جريدة "أنفاس بريس" شاهدة على انبعاث “الفنيق” من رماده بقبيلة أحمر بإقليم اليوسفية، حيث رفرفت أرواح الأجداد الطاهرة لتحرس تربة الأرض الطيبة، وحلقت بجانبها أسراب الطيور المهاجرة من فضاء سبخة زيمة البهيّة؛ موزعة على أجنحة السّلام زغاريد الفرح والإنتشاء، ابتهاجا بقدوم فصل الربيع، مُحمّلا بعبق أريج البساتين والحقول المكسوة بمختلف الأزهار والنباتات، رافعة قبعة التحية والترحيب بضيوف “رْجَالْ لَبْلَادْ” على صهوة الخيول الأصيلة من سلالة “مَرْﮜدْ تُرْبَةْ الْوَطَنْ”.
هنا والآن بالقصبة الإسماعيلية، لعلع “بَارُودْ لَمْكَاحَلْ” على “ﮜصَاصْ الْخَيْلْ”، في سماء مدينة الشماعية معلنا استرجاع شريط الذّاكرة وترميمها بإصرار في أفق ترتيب وترسيم حدود وتفاصيل عشق تراثنا اللامادي المحصن تاريخيا وحضاريا، من أجل تعزيز أواصر اللحمة الوطنية تحت سقف “خَيْمَةْ لَمَّةْ لَحْبَابْ”
هنا والآن، امتزج صهيل الخيل، بزغاريد النساء الحمريات “حَمْرَاتْ لَـػـْصَاصْ”، وأمهات الفرسان وهتافات الجمهور، اعترافا بأنامل وأياد فُرساننا الشُّجعان وهم يقبضون على زناد “مْكَاحَلْ التّْبَوْرِيدَةْ” بقيادة “عَلَّامْ الْخَيْلْ”، رفقة خيولهم الجامحة التي تحنّ لإسطبلاتها ومرابطها التاريخية بمدرسة الأمراء العلويين بالشماعية، والتي تشتاق لنسائم ظلال شجرة مدرسة الرّماية الشعبية على الطريقة الناصرية الممتدة من هنا إلى جنوب الجنوب.
شركاء وخلايا ولجن...من أجل الرّقي بفن التبوريدة
طيلة شهر رمضان، ومع انطلاق عقارب العد العكسي لاحتضان إقصائيات جهة مراكش أسفي بمدينة الشماعية، تجندت خلايا ولجن الاتحاد الإقليمي للفروسية باليوسفية لإعداد هندسة مساحات وفضاءات ومرافق “مَحْرَكْ التّْبَوْرِيدَةْ”، تحت إشراف وبتنسيق وتشاور مع عمالة إقليم اليوسفية، وموقع إنتاج الكنتور ـ قطاع الفوسفاط ـ إلى جانب الشركة الملكية المغربية لتشجيع الفرس والجامعة الملكية المغربية للفروسية، والجمعية الوطنية لفن التبوريدة، والسلطات الأمنية والإدارية الإقليمية والمحلية، فضلا عن الجماعة الترابية للشماعية، وشركة النظافة، وفعاليات المجتمع المدني، حيث تمكّنت استراتيجية ورؤيا المنظمين والشركاء من تحويل فضاء استقبال “سَرْبَاتْ الْخَيْلْ” والضيوف والجمهور، إلى حلبة ذات قيمة إضافية أشاد بهندسة أجنحتها ومرافقها كل المسؤولين وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، وبشهادة الجميع.
عند نقطة الصفر، لم يترك المنظمون مجالا للخطأ، حيث كانت كل تفاصيل هندسة “مَحْرَكْ التّْبَوْرِيدَةْ” مُحكمَة، من خلال دقّة بنيتها الإستقبالية، بدءا من أرضية المحرك الممتازة، وممرات الخيول، ومرابطها، وجمالية تصفيف خيم الفرسان، والمرافق الصحية والبيئية، وأماكن الحراسة والمراقبة الأمنية، وفضاء خاصة بالصحة والوقاية المدنية، إلى مدرجات الجمهور الغفير، وفضاء نساء ورجال الإعلام والمصورين وصناع المحتوى.
القصبة الإسماعيلية تفتح ذراعيها لاحتضان فرسان وخيول التبوريدة
احتضان إقليم اليوسفية لهذا العرس التراثي/ الحدث الوطني في سياق إقصائيات التبوريدة المؤدية لإقصائيات ما بين الجهات نهاية شهر أبريل من السنة الجارية التي ستقام بمدينة بوزنيقة، حَوَّلَ مدينة الشماعية إلى سوق "عكاظ" لتسويق منتوج تراثنا اللامادي، حجَّ إليه مْقَادِيمْ وفُرْسَانْ كل من إقليم إنزكان، وإقليم تحناوت، ثم إقليم مراكش، وإقليم قلعة السراغنة، علاوة عن إقليم الرحامنة، وإقليم أسفي، إلى جانب إقليم اليوسفية، بما مجموعه 42 سربة متنافسة من فئة الكبار والشبان، ضمّت أكثر من 714 فارسا وحصانا، جلهم كانوا مدثرين بأبهى وأجود مستلزمات ومقومات فن التبوريدة التي أبدعتها أنامل الصانع والحرفي التقليدي، حرصا من الجميع على تثمين وتحصين منتوج الصناعة التقليدية ذات الصلة، على اعتبار أن هذا الجانب أضحى يشكل اهتماما بالغ الأهمية على مستوى التتويج بجائزة أحسن “سَرْبَاتْ الْخَيْلْ” من خلال اللباس التقليدي والبنادق والخناجر والسكاكين و "السْنَاحَاتْ" الأصيلة التي تحترم تاريخ تراث مجموعة من المجالات الجغرافية بربوع المملكة المغربية.
سوق “عكاظ” التراثي يخلق رواجا تجاريا بفعل السياحة الداخلية
في هذا السياق، استقطبت تداريب سربات كل الأقاليم الوافدة على القصبة الإسماعيلية ومدرسة الأمراء وسبخة زيمة...طيلة الأيام التي سبقت التنافس الرسمي يومي 12 و13 أبريل 2025، جمهورا غفيرا من كل مدن المغرب وعلى الخصوص من الأقاليم التي قدمت منها “سَرْبَاتْ الْخَيْلْ” المشاركة في الإقصائيات بمدينة الشماعية، التي عرفت رواجا تجاريا وسياحيا منقطع النظير، حيث طوابير الناس على المحلات التجارية، وتجمعات المواطنات والمواطنين رفقة أطفالهم على طاولات المقاهي، وعلى موائد فضاءات تقديم وجبات الشواء والطواجن المغربية، وصَوَانِي كؤوس الشاي بالنعناع لمعاشي. أما الحديث عن اكتظاظ بَّارْكِينَاتْ توقف جحافل السيارات والمركبات والدراجات النارية فذلك شأن آخر، لا يتمكن من تقديم تفاصيله إلا عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة الذين قدموا خدمات جليلة لكل الوافدين وضيوف فن التبوريدة.
حفل تكريم ينعش ذاكرة فرسان فن التبوريدة
كانت ليلة الجمعة 11 أبريل 2025، استثنائية بكل المقاييس تحت سقف قاعة “المركز الفلاحي” بمدينة الشماعية، بحدثها المتميز المرتبط بحفل عشاء وتكريم 13 شخصية من عالم فن التبوريدة، فكانت ثقافة الاعتراف حاضرة بقوة مع تكريم صانع الفرجة "أبَّا التْهَامِي" صاحب نظرية ثلاثية "الماء والطين والنار" التي تجدد ولادة الحياة بظعم الفرح.
لقد امتد إشعاع هذا التكريم إلى “عَلَّامَةْ الْخَيْلْ” الذين بصموا مشوارهم وخلدوا مسارهم التراثي على صهوة الخيل، بأروع الملاحم والذكريات التاريخية، فكان منهم القادم من سوس العالمة، ومن منطقة دكالة رمز العطاء ولمة الخير بسبت سايس، وكذلك من أسفي وقبيلة عبدة البهية بمنطقة سبت جزولة، ولبحيرات بسيدي بوكدرة، وشيشاوة سيد المختار أولاد بن السبع حيث الروابط مع الأقاليم الصحراوية، ثم من حوز/ مراكش سبعة رجال، وأيضا من قلعة السراغنة، ومن تربة أرض أحمر والكنتور الشامخة بفرسانها الأشاوس من رواد الطريقة الناصرية.
استحضار روح المقاوم الفقيد الفارس الحسين بن يحيى النُّوسْ
إن القاسم المشترك بين هؤلاء المكرمين، كان نبشا تراثيا وحديثا تاريخيا عن الفقيد المقاوم الحسين بن يحيى النُّوسْ، الذي اختار درب المقاومة ضد المستعمر الغاشم على صهوة جواده بمنطقة أيت باعمران، وبصمته مع رفاق دربه في المقاومة بمدينة الدار البيضاء، وعودته للإستقرار بمدينة إنزكان لينجز بعد سنوات أول مركب سياحي بالمغرب لعروض فن التبوريدة سنة 1982، من أجل التعريف بهذا التراث المغربي الأصيل، حيث سيرث سر فن التبوريدة من بعده، أبنه الفارس والمقدم حمزة النُّوسْ الذي كُرِّم بدوره في هذا المحفل التواصلي والثقافي والتراثي.
الإقصائيات فرصة لإنعاش وترميم الذاكرة التراثية
أعلنت نتائج مباراة سربات الأقاليم المتنافسة على المركزين الأول والثاني عن فئة الكبار والشبان، من طرف الحكام، وتم تتويج الفائزين عن جدارة واستحقاق يومي السبت والأحد 12 و 13 أبريل من السنة الجارية بحضور كل المؤسسات والإدارات والشركاء المعنيين، وصفق الجمهور لـ “عَلَّامَةْ عَلْفَاتْ الْخَيْلْ” الذين حققوا النّصر، والإنتصار للموروث الثقافي الشعبي في شق فن التبوريدة وتاريخها التليد، وتحدث الجميع بانبهار عن كيفيات وحركات مدارس وطُرُق ركوب الخيل التي أبهرت المتلقي.
ضرِبَ الجميع موعدا جديدا لتاريخ إقصائيات ما بين الجهات والتي ستقام بمدينة بوزنيقة، لانتقاء أبطال المغرب برسم سنة 2025 للتنافس مجددا على جائزة الحسن الثاني بدار السلام بالرباط، والجائزة الكبرى للملك محمد السادس بمعرض الفرس للجديدة.
إليكم نتائج الإقصائيات بمدينة الشماعية:
عن عمالة إنزكان:
1 ـ سربة المقدم الحسين أكراض
عن عمالة مراكش:
1 ـ سربة المقدم المهدي أنجار
2 ـ سربة المقدم محمد كيسن
عن عمالة قلعة السراغنة والرحامنة:
1 ـ سربة المقدم أحمد اليمني
2 ـ سربة المقدم صالح الكراطعي
عن عمالة أسفي:
1 ـ سربة المقدم شرف البحراوي
2 ـ سربة المقدم عبد الرحيم العويني
عن عمالة اليوسفية:
1 ـ سربة المقدم امحمد بلقاضي
2 ـ سربة المقدم عبد الإله الخادي