الجمعة 18 إبريل 2025
سياسة

المغرب وفلسطين.. شجرتان فـي قلب الملك محمد السادس

المغرب وفلسطين.. شجرتان فـي قلب الملك محمد السادس
في‭ ‬وقت‭ ‬يخفت‭ ‬فيه‭ ‬صوت‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬متروكون‭ ‬لمواجهة‭ ‬الموت‭ ‬بأياد‭ ‬عزلاء‭ ‬وصدور‭ ‬عارية؛‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬بلغت‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائلية،‭ ‬بعد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬وحشيتها‭ ‬بالمضي‭ ‬قدما،‭ ‬ودون‭ ‬رادع‭ ‬إنساني‭ ‬أو‭ ‬حقوقي،‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬إبادة‭ ‬شعب‭ ‬بكامله‭ ‬(أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬قتيل)،‭ ‬تحرك‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بسرعة‭ ‬وحزم،‭ ‬ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان،‭ ‬لإغاثة‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬المحاصرين‭ ‬بنيران‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يضرب‭ ‬عليهم‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬طوقا‭ ‬عسكريا‭ ‬كبيرا،‭ ‬جوا‭ ‬وبرا‭ ‬وبحرا‭. ‬

ففي‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ومع‭ ‬تساقط‭ ‬القذائف‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬قال‭ ‬الملك‭ ‬‭"‬المغرب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬موقف‭ ‬المتفرج‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬المأساة"‭. ‬وكان‭ ‬أمرًا‭ ‬ملكيًا‭ ‬إلى‭ ‬الحكومة‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬أي‭ ‬تأخير،‭ ‬ولا‭ ‬يقبل‭ ‬أي‭ ‬تسويف،‭ ‬إذ‭ ‬تحركت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المغربية،‭ ‬وجهزت‭ ‬طائرات‭ ‬الإغاثة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬المغرب‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬مساعداتها‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭.‬
 
لم‭ ‬يكن‭ ‬التحرك‭ ‬الملكي،‭ ‬إذن،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬بيانا‭ ‬تضامني‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬مباشر‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬الفوري‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬لوصول‭ ‬الإغاثة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الإعلان‭ ‬الصريح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المنتديات‭ ‬الدولية،‭ ‬وعبر‭ ‬آلياته‭ ‬الديبلوماسية،‭  ‬عن‭ ‬التزامه‭ ‬القوي‭ ‬والراسخ‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ودعمه‭ ‬لحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وللقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لفلسطين‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬مرافعة‭ ‬ممثل‭ ‬المغرب‭ ‬بلاهاي‭ ‬السفير‭ ‬محمد‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬الاستماع‭ ‬التي‭ ‬عقدتها‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬والتي‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬كرسها‭ ‬"نداء‭ ‬القدس"‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬الثلاثين‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬بين‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬والبابا‭ ‬فرانسيس‭. ‬إذ‭ ‬جددت‭ ‬المغرب‭ ‬«التزامه‭ ‬الفاعل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والنهوض‭ ‬بالسلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬والذي‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬وشامل‭ ‬ودائم،‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الدولتين»‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬يونيو‭ ‬1967،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬تعيش‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬وأمن،‭ ‬طبقا‭ ‬للشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬ولقرارات‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وامتدادا‭ ‬لمبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية»‭.‬
 
وتؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬الهامة،‭ ‬بالخصوص،‭ ‬على‭ ‬«أهمية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬الشريف،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تراثا‭ ‬مشتركا‭ ‬للإنسانية،‭ ‬وبوصفها،‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أرضا‭ ‬للقاء‭ ‬ورمزا‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأتباع‭ ‬الديانات‭ ‬التوحيدية‭ ‬الثلاث،‭ ‬ومركزا‭ ‬لقيم‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والحوار‭. ‬ولهذه‭ ‬الغاية،‭ ‬تنبغي‭ ‬صيانة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الطابع‭ ‬الخاص‭ ‬للقدس‭ ‬الشريف‭ ‬كمدينة‭ ‬متعددة‭ ‬الأديان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬بعدها‭ ‬الروحي‭ ‬وهويتها‭ ‬الفريدة‭. ‬لذا،‭ ‬فإننا‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تكفل‭ ‬داخل‭ ‬المدينة‭ ‬المقدسة‭ ‬حرية‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬المقدسة،‭ ‬لفائدة‭ ‬أتباع‭ ‬الديانات‭ ‬التوحيدية‭ ‬الثلاث،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬شعائرهم‭ ‬الخاصة‭ ‬فيها،‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬القدس‭ ‬الشريف‭ ‬تصدح‭ ‬بدعاء‭ ‬جميع‭ ‬المؤمنين‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬خالق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬يعم‭ ‬فيه‭ ‬السلام‭ ‬والأخوة‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة»‭.‬
 
المرافعة‭  ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬تسوية‭ ‬النزاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬–‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاوض‭ ‬تظل‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سلام‭ ‬واستقرار‭ ‬دائمين‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط"‭ ‬كما‭  ‬تطرقت‭ ‬إلى‭ ‬"توافق‭ ‬المجموعة‭ ‬الدولية‭ ‬حول‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬للمستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فوق‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية»،‭ ‬وأن‭ ‬المستوطنات‭ ‬«تشكل‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬السلام‭ ‬وتهدد‭ ‬بجعل‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬مستحيلا»‭.‬
 
ويتجسد‭ ‬هذا‭ ‬هذا‭ ‬الالتزام،‭ ‬أيضا،‭ ‬عبر‭ ‬دعم‭ ‬سياسي‭ ‬وديبلوماسي‭ ‬وإنساني‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬وثابت‭ ‬ومستمر،‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬منه‭ ‬التقلبات‭ ‬أو‭ ‬الحسابات‭ ‬الجيو-‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬الجيو-‭ ‬استراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يفرضها‭ ‬الصراع‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬على‭ ‬المغرب‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬عليه‭ ‬خطاب‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬الذكرى‭ ‬25‭ ‬لعيد‭ ‬العرش‭ ‬(2024)،‭ ‬خاصة‭ ‬ثبات‭ ‬الموقف‭ ‬المغربي‭ ‬المؤمن‭ ‬بعدالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والمسؤولية‭ ‬التاريخية‭ ‬للمملكة‭ ‬التي‭ ‬تؤهلها‭ ‬لأن‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬«الوسيط‭ ‬الموثوق»‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭. ‬وتحدث‭  ‬الخطاب‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يواصل‭ ‬«دعم‭ ‬المبادرات‭ ‬البناءة،‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬عملية،‭ ‬لتحقيق‭ ‬وقف‭ ‬ملموس‭ ‬ودائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الوضع‭ ‬الإنساني‭.‬»،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رؤيته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬«أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أولوية‭ ‬عاجلة،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بموازاة‭ ‬مع‭ ‬فتح‭ ‬أفق‭ ‬سياسي؛‭ ‬كفيل‭ ‬بإقرار‭ ‬سلام‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬في‭ ‬المنطقة»‭. ‬و«لن‭ ‬يكتمل‭ ‬الحل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬غزة‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية»‭.‬
 
إن‭ ‬تجديد‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الثابت‭ ‬يؤكد،‭ ‬لمن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬للمزايدات‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬الرباط‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأنها‭ ‬اختيار‭ ‬استراتيجي‭ ‬ومبدئي‭ ‬وعقدي‭ ‬منحاز‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬أفق‭ ‬لحل‭ ‬سياسي‭ ‬دائم‭ ‬يمهّد‭ ‬الطريق‭ ‬لقيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬بضفتها‭ ‬وقطاعها‭ ‬وقدسها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ظلت‭ ‬تترجمه‭ ‬كل‭ ‬المواقف‭ ‬الملكية منذ‭ ‬1999،‭ ‬كما‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬وجهها‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬2022،‭ ‬بمناسبة‭ ‬تخليد‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للتضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والتي‭ ‬أكدت:‭ ‬«بقدر‭ ‬ما‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الانسداد‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬السلام‭ ‬الذي‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يسود‭ ‬المنطقة،‭ ‬نشجع‭ ‬الإشارات‭ ‬الإيجابية‭ ‬والمبادرات‭ ‬المحمودة‭ ‬المبذولة‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بهدف‭ ‬إطلاق‭ ‬مفاوضات‭ ‬جادة‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬وشامل‭ ‬ودائم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وفق‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬باعتباره‭ ‬خيارا‭ ‬واقعيا»‭.‬
 
ويتضح‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الملك،‭ ‬ومنذ‭ ‬اعتلائه‭ ‬العرش‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭  ‬قاد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬والمبادرات‭ ‬بصفته‭ ‬رئيسا‭ ‬للدولة‭ ‬المغربية،‭ ‬وأيضا‭ ‬بصفته‭ ‬رئيسًا‭ ‬للجنة‭ ‬القدس،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يُغفل‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬لإعادة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬التزام‭ ‬المغرب‭ ‬بمساندة‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬ففي‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬قمة‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬المنعقدة‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬بتركيا‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2017،‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬ترامب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬اعتبر‭ ‬الملك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬«خرق‭ ‬سافر‭ ‬للشرعية‭ ‬الدولية»،‭ ‬داعيًا‭ ‬إلى‭ ‬تحرك‭ ‬عاجل‭ ‬لحماية‭ ‬الطابع‭ ‬القانوني‭ ‬للمدينة‭. ‬وفي‭ ‬2021،‭ ‬خلال‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وجّه‭ ‬العاهل‭ ‬المغربي‭ ‬أوامر‭ ‬بإرسال‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬عاجلة‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬بلغ‭ ‬وزنها‭ ‬40‭ ‬طنا،‭ ‬ووُزعت‭ ‬عبر‭ ‬طائرات‭ ‬عسكرية‭ ‬مغربية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تزامن‭ ‬مع‭ ‬دعوات‭ ‬صريحة‭ ‬من‭ ‬الرباط‭ ‬لوقف‭ ‬التصعيد‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬أكد‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي،‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية،‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬«لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه،‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬للملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬الذي‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬قضية‭ ‬الوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمملكة»‭.‬
 
والجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬استئناف‭ ‬المغرب‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2020،‭ ‬ضمن‭ ‬اتفاق‭ ‬ثلاثي‭ ‬رعته‭ ‬واشنطن‭ ‬وانتهى‭ ‬بالاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬لم‭ ‬يتراجع‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬بل‭ ‬سارع‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬إلى‭ ‬الاتصال‭ ‬بالرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬محمود‭ ‬عباس،‭ ‬بعد‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬الاتفاق،‭ ‬ليؤكد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬«المغرب‭ ‬يضع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية»،‭ ‬وذلك‭ ‬تفاديا‭ ‬لخلط‭ ‬الملفات،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬لاستمرار‭ ‬دعم‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفق‭ ‬موقف‭ ‬ثابت‭ ‬لا‭ ‬يتغير‭. ‬ومنا‭ ‬هنا،‭  ‬فإن‭ ‬فلسطين،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الاتفاق‭ ‬الثلاثي،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬القضية‭ ‬الأم،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُختزل‭ ‬في‭ ‬اتفاقات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬مرحلية،‭ ‬لأنها‭ ‬أولا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ملف‭ ‬دبلوماسي،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬العزة‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬عربي،‭ ‬وصرخة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الظلم‭ ‬العالمي‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للسلام‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إصرار‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬ابتلاع‭ ‬الأرض‭ ‬والإنسان؟
 
إن‭ ‬فلسطين‭ ‬ليست‭ ‬ورقة‭ ‬يمكن‭ ‬بيعها‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬سياسي،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬مقايضتها‭ ‬بمصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬أمنية‭ ‬تصيب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬كما‭ ‬يردد‭ ‬أعداء‭ ‬وحدتنا‭ ‬الترابية‭. ‬هي‭ ‬وطن‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الأمة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التنازل‭ ‬عنه‭. ‬وما‭ ‬المسيرات‭ ‬المليونية‭ ‬التي‭ ‬تحوب‭ ‬الشوارع‭ ‬المغربية،‭ ‬والتي‭ ‬تتم‭ ‬موافقة‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية،‭ ‬إلا‭ ‬دليلا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬متحيز،‭ ‬ملكا‭ ‬وشعبا،‭ ‬لدماء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ضد‭ ‬آلة‭ ‬القتل‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬وكما‭ ‬وضح‭ ‬بيان‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬فلسطين‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬القضايا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ورقة‭ ‬سياسية‭ ‬يمكن‭ ‬بيعها‭ ‬أو‭ ‬مقايضتها‭. ‬إنها‭ ‬قضية‭ ‬حقوقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬قضية‭ ‬تتعلق‭ ‬بحق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بسلام‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬وحماية‭ ‬مقدساتها‭.‬
 
إن‭ ‬التزام‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬لمنطق‭ ‬الموقف‭ ‬السياسي‭ ‬العابر‭ ‬أو‭ ‬البلاغات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العابرة،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬الفعل‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفعيل‭ ‬دورة‭ ‬كرئيس‭ ‬للجنة‭ ‬القدس،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انخراط‭ ‬مؤسساتي‭ ‬مستمر،‭ ‬يترجمه‭ ‬الحضور‭ ‬الميداني‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬القدس،‭ ‬والمواقف‭ ‬السياسية‭ ‬المتوازنة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬للمغرب‭ ‬إمكانية‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الحرجة‭. ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬استهدفت‭ ‬تخفيف‭ ‬معاناة‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬والمصابين،‭ ‬بعد‭ ‬الهجوم‭ ‬الغاشم‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وتجويع‭ ‬شعبها،‭ ‬وتقتيل‭ ‬النساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬والأطفال‭. ‬فكان‭ ‬المغرب‭ ‬بذلك‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬تُدخل‭ ‬المساعدات‭ ‬عبر‭ ‬معبر‭ ‬رفح،‭ ‬وذلك‭ ‬بتعليمات‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬الملك،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬عن‭ ‬إرسال‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬عاجلة‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬تم‭ ‬نقلها‭ ‬جوًا‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬العريش‭ ‬المصري،‭ ‬ثم‭ ‬إدخالها‭ ‬عبر‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬الحدودي،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬لاقت‭ ‬إشادة‭ ‬من‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومنظمات‭ ‬دولية‭. ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬المساعدات:‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬طناً‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الأساسية؛‭ ‬أدوية‭ ‬ومعدات‭ ‬طبية‭ ‬عاجلة،‭ ‬خاصة‭ ‬لمستشفيات‭ ‬الجنوب؛‭ ‬حليب‭ ‬الأطفال‭ ‬ومستلزمات‭ ‬النظافة‭ ‬لفائدة‭ ‬العائلات‭ ‬المتضررة‭.‬
 
ومن‭ ‬أوجه‭ ‬التدخلات‭ ‬الملكية‭ ‬لتخفيف‭ ‬المعاناة‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬تدخل‭ ‬الملك‭ ‬سخصيا‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لحل‭ ‬أزمة‭ ‬الاموال‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتجزة‭ ‬لدى‭ ‬اسرائيل،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬صرف‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬المستحقات‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬اتجاه‭ ‬موظفي‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭.‬
 
إن‭ ‬التزام‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬شعار‭ ‬يُرفع‭ ‬للاستهلاك‭ ‬السياسوي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حضور‭ ‬دائم‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وأفعال‭ ‬ملموسة‭ ‬تتنقل‭ ‬بين‭ ‬شوارع‭ ‬القدس‭ ‬ومرافقها‭. ‬ولذلك‭ ‬يظل‭ ‬المغرب‭ ‬ثابتًا‭ ‬في‭ ‬قناعاته،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬مواقفه‭ ‬بالتغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭.‬

تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"