السبت 29 مارس 2025
كتاب الرأي

منتصر لوكيلي: جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي وزارة الثقافة في قاعة الانتظار

منتصر لوكيلي: جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي وزارة الثقافة في قاعة الانتظار منتصر لوكيلي
في قاعات الإنتظار لدى الطبيب ينكب الجميع على هواتفهم يستنطقونها، فلا ترى إلا وجوههم وقد غطاها جزئيا اللون الأزرق. فيما مضى أي قبل عصر الهواتف الذكية، كان الإنتظار مملًّا، خصوصا وأننا نعيش في مجتمع يزهد أبناؤه في المطالعة، لكن ومع الهاتف والحمد لله، صار بالإمكان محاربة الضجر في انتظار الدور بالنسبة للسواد الأعظم. 
 
قبل أن أفتح الكتاب تكريسا لعادة ووفاء بوعد قطعته على نفسي منذ عقود، تلقيت اتصالا هاتفيا يطلب مني صاحبه أن أطلع على مراسلات "الواتساب"، وفي غمرة تلك المراسلات، كانت هناك عدة جدالات في مجموعة تحمل اسم "مجموعة مفتوحة لجميع موظفي وموظفات قطاع الثقافة للنقاش حول وضعية جمعية الأعمال الاجتماعية"... وهي المجموعة التي أتابع نقاشا دائرا بها منذ أيام، وفي كل مرة يتم التحجج بالقانون الأساسي لهذه الجمعية. 
 
وبدل الكتاب الموعود الذي كنت سأقضي به وقتي لدى الطبيب لقتل الملل، وجدتني أفتح هذا القانون الأساسي لجمعية الأعمال الاجتماعية، وضحكت في سريرتي حتى لا يراني المرضى فيعتقدون أن بي مسّا من الجنون، وشرعت في قراءة مواد القانون، وكان كما وصفه لي أحد الأصدقاء "متاهة حقيقية". 
القانون يحمل ختما بالمصادقة في صفحته الأخيرة مذيلا بتاريخ 13 فبراير 2015 ومرفقا باسم رئيسه الكامل. 
جاء في المادة الأولى ما نصه: 
 
"تكونت بين الأشخاص الذين صادقوا على هذا القانون، جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي وزارة الثقافة".
ومن خلال منطوق النص، فالجمعية تعني فقط الأشخاص الذين صادقوا على هذا القانون، أما من لم يحضر ومن لم يصادق فلا يبدو أنه معني. 
وكان الأحرى أن ينص على ما يلي: 
طبقا لمقتضيات ظهير 1/58/376 الصادر في 3 جمادى الأولى عام 1378 الموافق 15 نونبر 1958 (وكذا للنصوص المتممة أو المعدلة له)، تُحدث جمعية تحمل اسم جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي وزارة الثقافة مخصصة لتقديم المساعدة الاجتماعية لجميع موظفي هذا القطاع.
سيقول قائل: إنك تسبق الأحداث، فلا بد أن هذه الأمور يشار إليها في العضوية وفي الأهداف. 
من يقرأ لائحة الأهداف، فسيجد الكثير إلا الهدف الحقيقي: تقديم خدمات اجتماعية لموظفي القطاع... حقيقة أن هناك هدفا ينص على: توسيع الخدمات، لكن هل سيتم توسيع شيئا لم يتم إحداثه أصلا؟ 
من يقرأ المادة 5 المتعلقة بالعضوية فلن يجد أن الجمعية تضم في عضويتها كل موظفي قطاع الثقافة، وإنما سيجد لخبطة مفادها أن هناك رؤساء شرفيون أولهم وزير الثقافة، (وبالمناسبة خصصت له مادة اسمها المادة 7 جاءت بعد المادة 5، أي أنها قفزت على المادة 6 قفزا)، ثم سيلعن محرر القانون الشيطان وسيتحدث في المادة 6 عن الأعضاء، لكن حديثه لن يستهل بكون الأعضاء هم من موظفي القطاع، بل سيعمد إلى البدء بالتفاصيل: 
الأعضاء العاملون، لاكتساب هذه الصفة، يجب على المرشح تقديم طلبه إلى المجلس الإداري، والالتزام بانخراطه السنوي والانضباط لقرارات الجموع العامة، وبالمناسبة لا نجد له ذكرا ضمن الهياكل، أي أننا نقدم ترشيحنا لمجلس غير وارد الذكر ضمن الهياكل.
وهي من المرات القلائل في هذا القانون - المتاهة التي سيتم ذكر شيء اسمه الجموع العامة، إذ أنه غير وارد الذكر إطلاقا ضمن الهياكل، وبالتالي واستنادا إلى منطوق النص، فيمكن لشخص من خارج الوزارة أن يصبح عضوا بالجمعية بمجرد تقديم ترشيحه للمجلس الإداري، بينما يمكن أن يعتبر موظف القطاع خارجها، والحال أن الموظف بوزارة الثقافة عضو بالقوة، فإذا أدى انخراطه صار عضوا بالفعل.
 
بالنسبة لهياكل الجمعية، فقد قسمتها المادة الثامنة إلى: 
- المجلس الوطني
- اللجنة الإدارية
- المكتب المركزي
- الجمع العام الجهوي
- المكاتب الجهوية
إذن فالقانون لا يضم جمعا عاما عاديا ولا حتى استثنائيا، هو يحيل على المجلس الوطني ويصفه بكونه أعلى سلطة تقريرية، ويبدو أن لائحة حضوره مقننة هي الأخرى، فهو يتكون من اعضاء المكتب المركزي المكاتب الجهوية واللجان الوظيفية المختصة، وتمثيلية الفعاليات الادارية بنسبة 10%، وتمثيلية النساء بنسبة 10%. 
خصص القانون الأساسي موادا استفاض فيها عن اللجنة الإدارية والمكتب المركزي وحتى المكاتب الجهوي، لكن اللجان الوظيفية لم تُعَرَّف، ولا يدري القارئ ما المقصود بها؟ وكذلك الأمر بالنسبة للفعاليات الإدارية والنساء. فما المقصود؟ هل الفعاليات الإدارية هي الموظفون؟ وبالتالي سيخصص 10% من مجموع موظفي الوزارة للحضور وتكوين المجلس الوطني، أي إذ كان عدد الموظفين ألفا، فبإمكان مائة منهم الحضور وتكوين المجلس، ثم المقصود بالنساء؟ هل موظفات القطاع؟ أم تلك اللواتي قدمن ترشحهن إلى المجلس الإداري؟ 
سيتولى المجلس الوطني انتخاب اللجنة الإدارية عبر اللائحة، وهي التي ستتولى انتخاب المكتب المركزي والذي سيتولى تنفيذ مقررات الجمع العام... ولنا أن نتساءل عن أي جمع عام يتحدث هذا القانون - المتاهة؟ 
المكتب المركزي هو الكل. ورئيسه هو الكل في ذلك الكل، والمكاتب الجهوية والجموع الجهوية تبدو كومبارسا حقيقيا غير ممثلة في المكتب المركزي ولن تستطيع يوما الوصول إليه. 
ما الذي كان سيخسره المجتمعون في الرباط لو حرروا في القانون الأساسي أن لكل موظف بالوزارة حق العضوية بهذه الجمعية؟ ماذا كانوا سيخسرون لو قرروا أن تكون الهيكلة بسيطة وواضحة وشفافة؟ جمع عام عادي وجمع عام استثنائي. لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
أظن أني سأضطر إلى التوقف عن الكتابة، فقد جاء دوري لولوج قاعة التمريض... وداعا يا قاعة الانتظار.