من المنتظر في العشرين من شهر أبريل 2025 أن يتسلّح القبايليون، الذين سيحجون بكثرة إلى مدينة مونتريال الكندية، بأوجاعهم التي تراكمت عليهم بفعل القمع الوحشي للطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، والتي سيحملونها بين أذرعهم المتشابكة، في مسيرة احتجاجية عارمة تضيء جانبا الوقائع المؤلمة التي تعرض لها الشعب القبايلي، منذ الستينيات (1963)، وبلغت ذروتها في الثمانينيات (1980). وسيفتح المحتجون، بكل الصراخ الممكن، أبواب محنتهم، ليرى العالم "الغسيل الوسخ" الذي يحجبه سادة قصر المرادية عن الأنظار.
يوم 20 أبريل 2025، لا أحد سيعترض مسيرة نشطاء حركة «ماك» «حركة تقرير مصير منطقة القبايل»، ووقوفهم أمام مقر منظمة العفو الدولية بشارع سانت كاترين بمونتريال. لن يوهنهم الخوف من أحذية العسكر، ولن ترتجف عظامهم، ولن تتضور حناجرهم جوعا للكلام، ولن يلبسهم أحد أردية الهلاك، ولن تنزل على رؤوسهم أبغض اللعنات ليلا ونهارا، لأنهم تجرأوا علنا على كشف حقيقة وجود شعب آخر في الجزائر، يتم إخفاؤه بالحديد والنار. إنه شعب القبايل الذي قاطع الانتخابات الجزائرية التي جرت في شتنبر 2024 بنسبة (99.20%)، وأثبت غير ما مرة أن شنقريحة وتابعَه تبون، فَشَلا فَشَلاً ذريعا في ربط منطقة القبايل بسلطة العسكر، إذ «ظلت مكاتب الاقتراع فارغة، رغم الإغراءات المالية، ورغم التهديدات وأعمال الترهيب لإجبارهم على التصويت»، بحسب ما أكده فرحات مهني، رئيس حركة «ماك». وتعتبر المقاطعة، لهذا السبب، استفتاء شعبيا ضد الضم القسري لبلاد القبائل إلى سلطة العسكر الجزائري.
ومن المنتظر، حسب ما حمله بيان التنسيقية الكندية لحركة «الماك» أن تكون تظاهرة 20 أبريل بمونتريال مناسبة لإحياء الذكرى الـ 45 للربيع الأمازيغي لعام 1980، والذكرى الـ 24 للربيع الأسود لعام 2001، حيث سيتم تنظيم تجمع يوم الأحد 20 أبريل 2025 على الساعة الواحدة بعد الزوال في ساحة إميلي جاميلان، الكائنة في 1500 شارع بيري، مونتريال، QC H2L 2C4، ستعقبه مسيرة ستنتهي بإلقاء كلمات من طرف زعماء الحركة تركز على انتظارات القبايليين بعد قيام جمهورية القبائل الديمقراطية «عاصمتها تيزي وزو» الذي أعلن عنه، في العشرين من أبريل 2024، أمام مقر الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد 15 سنة من تشكيل أول حكومة قبايلية. كما ستركز على الوضع المأساوي الذي يعيشه شعب القبائل جراء الاضطهاد والإبادة الجماعية، اللذين يتعرض لهما على يد الجيش والاستخبارات بتعليمات من القيادات العسكرية المتحكمة في قصر المرادية..
ويراهن القبايليون من خلال المشاركة الكثيفة في الاحتفال بكندا بالذكرى الأولى لقيام جمهورية القبايل على بناء الجسور مع حلفاء دوليين بوسعهم تقديم الدعم الفعلي لحق الشّعب القبائلي في تقرير مصيره، والدفع في اتجاه انضمام الجمهورية، بوصفها «أمة ذات سيادة كاملة» إلى المجتمع الدولي، في استقلال تام عن الجزائر، خاصة أن زعماء الجمهورية القبايلية يبذلون جهودا واسعة وحثيثة من أجل إعادة بناء الوعي الوطني القبائلي، وتدويل القضية القبائلية، فضلا عن الاستمرار في هيكلة الدولة «مشروع الدستور، البرلمان، الحكومة.. إلخ»، كما أكد ذلك مولود عزّ الدّين، النّاطق الرسمي باسم حكومة بلاد القبائل في المنفى.
ورغم العراقيل التي توضع أمامهم من طرف قوى خفية ومعلنة، يستمر أعضاء الحكومة القبايلية في حشد الدعم الدولي، إذ نظموا زيارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى بعض البلدان الأوروبية للتعريف بالجمهورية القبايلية وحكومتها وقضيتها وتاريخها وفضح جرائم العسكر الجزائري التي ارتكبت في حق الشعب القبايلي منذ الاستقلال. كما راسل رئيس «جمهورية القبايل المستقلة» مجموعة من رؤساء الدول، بمن فيهم الملك محمد السادس وإيمانويل ماكرون «فرنسا» وبيدرو سانشيز «إسبانيا»، إضافة إلى مسؤولي مجموعة من المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، بصفته الرئاسية.
فلم يثنهم رضوخ فرنسا «البلد الذي يضم أكبر جالية قبايلية» لرغبات الجنرال شنقريحة «الحاكم الفعلي للجزائر»، ولا تغافلها عن سياسة القمع والإرهاب التي فرضها النّظام الجزائري على القبايليين. ذلك أن التضييق الذي أصبح يطوق قيادة حركة «ماك» أو أعضاء الحكومة القبايلية في قلب باريس، لم ينل من عزيمتهم التي ازدادت صلابة، إذ دفعتهم إلى البحث عن آفاق أرحب للقضية، وإخراجها من الفضاء الفرنسي إلى فضاءات دولية أخرى. وليس أدل على ذلك من احتضان مونتريال لتظاهرة الاحتفال الذكرى الأولى لإعلان قيام «جمهورية القبايل المستقلة»، حيث من المنتظر أن تتحول هذه المدينة الكندية إلى منارة يهتدي بها وإليها آلاف القبايليين الذين يعيشون بالمنفى.
لقد مر على تأسيس «حركة تقرير مصير منطقة القبايل» «ماك» بباريس حوالي ربع قرن، وعملت منذ 2001 على المطالبة باستقلال منطقة القبايل عن الجزائر؛ وكانت أقوى خطوة قامت بها، قبل إعلان قيام الدولة في 2024، هي الإعلان عن تشكيل «حكومة قبائلية مؤقتة» في يونيو 2010، وذلك لإنهاء «ظلم واحتقار وهيمنة» الحكومة الجزائرية، حسب ما صرح به رئيس الحكومة فرحات مهني الذي قال آنذاك: «نعلن اليوم تشكيل حكومتنا المؤقتة، وذلك حتى لا يستمر تحملنا للظلم والاحتقار والهيمنة والترهيب والتمييز المتواصل منذ 1962، تاريخ استقلال الجزائر عن فرنسا».
وتغطي الدولة القبائلية عدة ولايات: شرق ولاية بومرداس، ولاية تيزي وزو، ولاية بجاية، شمال ولاية البويرة، ولاية المدية، شمال ولاية برج بوعريريج، شمال ولاية سطيف، ولاية جيجل، شمال ولاية ميلة، غرب ولاية سكيكدة. كما تتوفر على شعب يفوق تعداد سكانه 14 مليون نسمة «ما بين 25 و30 % من مجموع سكان الجزائر»، يتحدث باللغة الأمازيغية ولا تتوقف احتجاجاته على الإدارة الجزائرية، وله راية وطنية وبطاقة تعريف وجواز سفر ومنتخب رياضي للكرة، فضلا عن رياضيين في مختلف الرياضات يشاركون تحت الراية القبائلية وممثلين للجمهورية القبائلية في بعض البلدان وملف ثقيل بهيئة الأمم المتحدة، إذ سبق لرئيس حكومة القبائل المؤقتة، أن طالب بإدراج «منطقة القبايل باللجنة الأممية الرابعة لتصفية الاستعمار»، وتسجيل «حكومة القبايل المؤقتة» في قائمة الشعوب التي لا تتمتع بحق تقرير المصير. كما سبق له أن رفع العلم الوطني الرسمي لبلاده «جمهورية القبايل المستقلة» في الـ 11 من أكتوبر 2015، أمام مقر الأمم المتحدة، في خطوة للتعبير عن رغبة «شعب القبايل» في الاستقلال عن نظام الكابرانات الجزائري.
وتستخدم «حكومة القبايل» منذ تأسيسها، كل الإمكانات المتاحة من أجل تدويل قضية القبايل، حيث سبق لها في دجنبر 2013، أن طالبت بتدخل أوروبي من أجل حلّ الأزمة الإثنية التي اندلعت في مدينة غرداية بين بني ميزاب «أمازيغ» والشعانبة «عرب». كما دعت دول الاتحاد الأوروبي إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية التي تمّ إبرامها مع الجزائر كإجراء عقابي لها. بينما ما زال نظام العسكر يعمل بكل قوته من أجل عزل منطقة القبايل عن حكومتها بالمنفى ومحو جذورها وإتلاف تماسكها اللغوي الثفافي والسياسي الرافض لكل أشكال الهيمنة العسكرية، وذلك عن طريق محاولة إرشاء النخبة المحلية أحيانا، والتهميش أحيانا أخرى، لكن دائما بالتنكيل بالنشطاء والمعارضين والحقوقيين والأساتذة والطلبة والزج بهم في السجون وإثارة القلاقل والأزمات والمواجهات بالمنطقة، وقمع تطلعات القبايليين إلى الاستقلال. مما دفع بالآلاف منهم إلى الهرب نحو الخارج، وتحديدا نحو فرنسا التي تضم 800 ألف قبايلي، وكندا (300 ألف قبايلي)، والولايات المتحدة الأمريكية (200 ألف قبايلي)، فضلا عن مجموعة من الوجهات الأوروبية الأخرى، مثل ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا والمملكة المتحدة، وهي الدول التي توجد بها أعداد متفاوتة من القبايليين. يضاف إلى هؤلاء الممنوعون من مغادرة الجزائر الذين يصل عددهم إلى 50 ألف قبايلي، والمعتقلون «أكثر من 500 معتقل قبايلي، منهم أساتذة وباحثون ونشطاء وطلاب، كلهم خضعوا لحصص تعذيب ومحاولة الاستزلام»، إلى جانب آلاف المنتسبين إلى الحركة الذين يتحركون في الجزائر بحذر شديد ويتجنبون الإعلان عن المحتوى الحقيقي لأفكارهم، حتى لا تقع عليهم ملاحقات أجهزة الاستخبارات.
لقد ذاق القبايلين كل صنوف التعذيب طيلة أكثر من نصف قرن «حوالي 62 سنة»، وسجلوا انتفاضاتهم المتكررة التي وصلت حصيلة ضحاياها، منذ عام 1963، مروراً بـ «الربيع الأمازيغي» عام 1980، والربيع الأسود عام 2001، وحتى حراك 2019، إلى 126 قتيل، و5000 جريح، و200 مصاب بإعاقة دائمة. ومع كل هذه الآلام، فهم يؤمنون أن استقلال بلادهم عن الجزائر مجرد مسألة وقت، وأن الملاحقات البوليسية والقضايا المطبوخة في المحاكم ضد أعضائها، لن تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى مزيد من الإصرار سينتهي بشل القبضة الباطشة للعسكر، وأن الأرض لن تخسف بشعب القبايل ما دام أبناؤه ينتشرون بالآلاف في الأرض من أجل الانتصار لقضيته العادلة «استقلال الدولة القبايلية»، وطالما أن الدعم الدولي دائم التمدد والاتساع.
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"