كان من المتوقع أن تنخفض أسعار لحم الغنم بعد إلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى، حيث اعتقد العديد من المواطنين أن السوق سيشهد وفرة في العرض، مما سيؤدي إلى عودة الأسعار إلى مستوياتها السابقة، أو حتى إلى ما كانت عليه خلال سنوات “العز”. غير أن الواقع خيّب هذه التوقعات، إذ لم يشهد السوق انخفاضًا ملموسا، حيث استقرت الأسعار في معظم المناطق عند مستويات مرتفعة، رغم تسجيل تراجع طفيف في بعض المدن، حيث بلغ ثمن الكيلوغرام 80 درهما.
وعبر العديد من المواطنين، وخاصة ذوي الدخل المحدود، عن استيائهم من استمرار ارتفاع أسعار لحم الغنم، إذ كانوا ينتظرون انخفاضا أكثر وضوحا يعكس قرار إلغاء الذبح في العيد.
يرى جيلالي غريب، مهني في قطاع اللحوم، أن الحل الوحيد هو تطبيق مبدأ “كم حاجة قضيناها بتركها“، أي الامتناع عن شراء اللحم لفترة من الزمن، حتى يضطر المهنيون إلى خفض الأسعار.
وأضاف أن اللحم المعروض حاليا في الأسواق يحتوي على نسبة كبيرة من الشحم، لأنه كان معدا أصلاً للذبح في العيد.
وأوضح أن نسبة كبيرة من الخرفان التي كانت معدة للذبح لم يتم توجيهها حاليا إلى الأسواق، والسبب هو أن بعض الكسابة يعتقدون أن هناك من سيحرص على عملية الذبح في عيد الأضحى ولو بنسبة قليلة.
وأكد بعض المهنيين أن الحفاظ على هامش الربح يظل هاجسا أساسيا للجزّارين في هذه الظرفية، وهو ما قد يفسر استمرار الأسعار المرتفعة رغم وفرة العرض.
من جانبه، صرّح حسن النوري، الكاتب العام للجزارة في ابن مسيك بالبيضاء، بأن بيع اللحم بسعر 80 درهمًا للكيلوغرام يمثل “ضربة قاضية“ للكسّابة، الذين يعتبرون أن السعر العادل يجب أن يكون في حدود 120 درهمًا، بالنظر إلى تكاليف الإنتاج والرعاية.
وأضاف النوري أن التأثير الحقيقي لقرار إلغاء الذبح في العيد لن يظهر إلا في السنوات المقبلة، بشرط توفير الظروف المناسبة لتربية الماشية، مثل تحسين وفرة المياه والأعلاف. وفي حال تحقق ذلك، يمكن أن تنخفض الأسعار إلى حدود 40 درهمًا للكيلوغرام، مما سيخفف العبء على المواطنين ويحقق التوازن في السوق.
كما شدد الكاتب العام للجزارة في ابن مسيك بالبيضاء على أن استقرار سوق اللحوم يتطلب استراتيجية طويلة الأمد لدعم مربي الماشية، من خلال توفير “الحوليات“ وتحسين ظروف تربيتها، حتى لا يكون السوق رهين قرارات ظرفية تؤثر بشكل غير متوقع على الأسعار.
في هذا السياق، أكد رشيد لبكر، أستاذ جامعي، أن أسعار لحم الغنم الحالية غير منطقية، حيث قال: “قبل تعليق أضحية العيد، كان ثمن الخروف في حدود 6000 درهم “في المتوسط“، بمعنى أن الكبش الذي يزن 50 كيلوغرامًا كان سعر الكيلوغرام الواحد منه 120 درهمًا. هذا السعر انخفض بأكثر من 2500 درهم، مما يعني أن الانخفاض يجب أن ينعكس على سعر الكيلوغرام الواحد ليصبح 70 درهمًا أو أقل“.
وأضاف: “إذا قمنا بحساب آخر، فإن الجزار يحصل حاليًا على كبش جيد بوزن 50 كيلوغرامًا بسعر 3000 درهم، أي أن تكلفة الكيلوغرام عليه هي 60 درهمًا “بما في ذلك الكبد والقلب وباقي الأجزاء الصالحة للأكل“. وعليه، يطرح السؤال: بأي منطق يقوم بعض الجزارين ببيع الكيلوغرام للمستهلك بـ 100 درهم؟ بأي حق وأي قانون يحقق الجزار هامش ربح يتعدى 40 درهمًا في الكيلوغرام الواحد، أي ما يعادل 2400 درهم إضافية فوق الربح الأصلي في الكبش؟”.
وأشار لبكر إلى أن بعض الجزارين يبررون هذا السعر المرتفع بفاتورة الكهرباء المرتفعة بسبب تشغيل الثلاجات، قائلاً بسخرية: “وكأن الثلاجة في السنوات السابقة كانت تعمل بالفحم وليس بالكهرباء!”.
وأكد أن هذه التبريرات غير مقنعة، حيث إن الجزار الذي يبيع كبشًا واحدًا يوميًا يحقق زيادة في الأرباح تصل إلى 72,000 درهم شهريًا، متسائلًا: “هل هذا ليس منكرًا؟ أليس هذا طغيانًا؟ أليس هذا سكينًا ماضيًا نازلًا على صدر المسكين؟“
في المقابل، يرى جمال فرحان، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بقطاع اللحوم، أن الأسعار ستنخفض بعد دخول الخرفان التي كانت معدة للذبح في العيد، إلى الأسواق.
وأكد أن قرار منع ذبح “الحولية“ سيساهم في إعادة التوازن إلى السوق، وسيكون له انعكاسات إيجابية على القطاع الفلاحي وسوق المواشي على المستوى الوطني، خاصة في ظل أزمة تراجع أعداد القطيع خلال السنوات الأخيرة، بسبب الجفاف وعوامل أخرى.
وأوضح أن “الحولية“ تشكل أساس دورة الإنتاج الحيواني، حيث إنها المورد الرئيسي لتجديد القطيع وضمان استمرارية توفر الخرفان في الأسواق خلال الأعوام المقبلة. ففي العام الماضي، خلال عيد الأضحى، تم ذبح عدد كبير من “الحوليات“ نتيجة الغلاء الكبير، مما دفع العديد من المربين إلى التضحية بها بدلًا من الاحتفاظ بها للتوالد، وهو ما أثر سلبًا على أعداد القطيع.
وفي ظل الجدل القائم حول عدم تراجع أسعار لحم الغنم رغم إلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى، يبقى التساؤل المطروح: هل سيشهد السوق انخفاضا حقيقيا في المستقبل، أم أن ذلك سيظل مجرد حلم في واقع لا يعترف إلا بمراكمة الثروات على حساب البسطاء؟