1- المتقاعدون:
ذات صباح، دون احتسائ "حمُّودة" لقهوته الصباحية،كدأبه على ذلك بشرفته على مقربة من عصافيره…توجه لمقر "الصندوق المغربي للتقاعد " ،كانت المناسبة رسالة توصل بها حمودة في أسم والدته ذات الثمانين حولا، يطلبون فيها شهادة عدم الزواج لأرملة الثمانين ربيعا، حمله-يقول حمودة- الاستغراب عن هكذا سؤال إلى جزيرة الواق واق،لعله يدرك أسباب النزول، مستفسرا مجموعة من اللقاليق النبيهة هناك، عن المغزى من سؤال أسخف من السخف، عن ارملة ذهبت آفة الزهايمر بكل وظائف مناطق دماغها، أهي متزوجة أم لا؟" .
في حالة ثبوت "زواجها" سيتم تطبيق المسطرة القانونية القاضية بتوقيف نصيبها من في التقاعد ،من زوجها الهالك (420 درهم) ،يا حسرتاه على العباد…
أخذ حمودة مقعده داخل قاعة فسيحة ، كثيرة الإضاءة والمكاتب المصطفة في صف طويل بطول القاعة، بعد الضغط على زر في آلة توزيع الأرقام بحسب آخر من التحق، تأمل البطاقة المسحوبة من الموزع الآلي، كان الرقم 66 هو ترتيبه في الزيارة....
قال حمودة في نفسه لا بأس من الانتظار - رغم كرهه المقيت لكل أصناف الانتظار التي قد تأتي أحيانا بالخير، وقد لا تأتي أحايين أخرى- أخذ مقعده ، تجول بعينيه بين رواد القاعة...استحسن اليافطات الإليكترونية التي استأثرت بالنداء على الأرقام تباعا، والمصنفة بحروف أبجدية ( A.B.C) بحسب المراد من الزيارة...نبهته "أَنَاه" المتمردة محتجة على كونها أصبحت رقما وليس هَوِيَّة مكتملة العناصر، طمأنها بأن الأمر أصبح عاديا منذ دخل وإياها مربع المقاعدين،ذاك الذي لا تحتسب فيه ضربات الجزاء في حال وقع خطأ ما للمتقاعدين...
وسط القاعة،وفوق كراسي القاعة، استلقت أجساد محاربين من كلا الجنسين، وحد بينهم - مع وجود بعض الاستثناءات - بياض الشعر، والتقدم في العمر، منهم من لا زالت حالته الصحية على نسبة من الاستقامة، ومنهم من استوطنت يده "عكازة "صارت جزءا منه ،ذكرتني تلك العكازة بلغز لم نتمكن في ألعاب الطفولة من حله، حين يسألنا الكبار ونحن في سمر على جنبات الموقد، والجو شتاءا... يسألنا الكبار بابتسامة ساخرة" إوى إلى عرفتي من الذي يمشي على أربع ثم على إثنين ،ثم على ثلاثة ؟"...
تنهد حمودة وقال في نفسه بعد أن جالت عيناه في حركة سْكَانيرية،ماسحة لأجواء القاعة، أحمد الله-قال - أنني لازلت في غنى عن الرجل الثالثة، ولازالت قوة التحمل وفورة الشباب ترافقني بعد تجاوز السادسة والستين...
انتبه حمودة لرقم 66 على بطاقة موعده، هاله الرقم لأنه صنو لعدد السنين التي رحلت في غفلة منه، سنون اختلفت في الميزان،منها السمان ومنها العجاف على مسافة معترك الحياة…سكون مطبق داخل القاعة وكأن الطير على رؤوس الجميع، لا تسمع شيئا باستثناء المنبه الآلي الذي يسجل الأرقام على الشاشة بلون أحمر تسبقها حروف التميز،مرافقة لصوت رنين النداء على صاحب(ة) الرقم، هو رنين يتزامن أحيانا مع تنهدات عميقة-يحكي حمودة - تسمع من هنا وهناك لها أكثر من دلالة ،أو زفير متقطع لأحدهم وكأن "سيدنا عزرائيل متربص به" ، او قول بعضهم" أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم" وكأنه يحمل ثقلا من الأوزار... سعال من حناجر استوطن البعض منها الطباشير ،أكتاف غير متوازية بفعل الكتابة على السبورة أو تصحيح أطنان من التمارين المدرسية، أو عمل كان يستدعي جُهْدا جَهيد في دواليب الإدارة ومكاتبها العديدة....منظر زاد من غرابته تأثيث بعض الوجوه بالنظارات الطبية الميسرة للرؤية، حين ذهبت قوة بصرهم مع "التركيز " على العمل الإداري أو لنقل على بطاقات التقويم وتهيئ الاختبارات وما شابه ذلك...من مختلف المهام التي تستدعي الالتصاق بالكراسي حد التعب، أو الوقوف أمام السبورة حدَّ الإصابة بالدوالي وما جاورها…
شريحة من الأطر التربوية والإدارية أفنت عمرها في توسيع رقعة المعرفة بهذا البلد الحبيب، أعطت الكثير ولم تأخذ إلا النزر القليل...حتى تلك"البركة" المسمات حصريا "تقاعد" ،أصابها السكون والركود وعدم الزيادة فيها كصنوتها لدى -حالة تجميد للحوالة، توحي بما توحي وكأن المتقاعد طلق بالثلاث من الوظيفة - من لازال حبيس سجني أبا العلاء المعري "كرسي الإدارة وسبورة القسم".
أحالني المشهد -يقول حمودة- على صدفة جمعتني ذات عطلة بشلالات "أوزود " مع ثلة من المتقاعدين الأجانب، من النظرة الأولى تتضح لك بنياتهم القوية ولباسهم الرياضي المتميز، عرباتهم من نوع المنازل الجاهزة المتنقلة، أو من صنف رباعيات الدفع… تجاذب حمودة أطراف الحديث بعد رفقة وجيزة معهم، في منعرجات ومنحدرات المكان، قال له أحدهم حين السؤل: إننا نعيش عمرنا الثالث "on vie nôtre troisième âge "...تنهد حمودة في غفلة من الأجانب وأسرها في نفسه "غاب عنا عيش العمر الواحد وأحرى ان نعيش العمر الثالث"...أدرك حينها أنهم رمزا لدولة تحترم مواطنيها. دولة تراهن على العنصر البشري حتى في أيامه الاخيرة، تهيء له سبل العيش الكريم تكريما وعرفانا لما قدمه لوطنه....ونحن -يقول حمودة- هنا على مسافة الوطن ، تتلقفنا شركات السلف والتمويل حين نخرج من قاعة الصندوق، ماسكين ببيانات الخدمة أو شهادة الأجر، وما شابه ذلك، شركات متربصة لتجهز على آخر قسط متبقى من " حوالة التقاعد" ، أدرك حينها أننا( المتقاعدون) أصبحنا رمزل، ل ول ول ول.........
أحاله الأمر على ما تنطق به بعض وسائل التواصل، عما أصاب بعض الصناديق من نذوب وثقوب، متنوعة تسربلت عبرها ميزانيات وميزانيات، حد الإفلاس ... حاول سؤال أهل الحال عن أسباب النزول لتلك الثقوب عبر مختلف "الصناديق" اجابته العلبة الصوتية للهواتف الذكية للقيمين على الشأن العام " قائلة: "مخاطبكم مشغول الان ، أتركوا رسالة عند المنبه الصوتي"...
أدرك حينها المبنى والمعنى في الرسالة،أحس كأنه في نفق مظلم،اختلط فيه الحابل بالنابل، تحسس المكان، خال نفسه في كهف أفلاطون، أستجمع شتات أفكاره ليرَكّـب معرفة مناسبة لما يجول من خيالات خارج الكهف، كانت اليد قصيرة والعين بصيرة…".
لم يخرجه من ذاك النفق سوى يد رتبت على كتفه تقول انه الرقم 67 كانت المسافة بين الرقمين (66 و 67 ) مسافة الوطن من طنجة إلى لكويرة...غادر فيها حمودة القاعة وفي نفسه شيء من حتى المتقاعدين
ذات صباح، دون احتسائ "حمُّودة" لقهوته الصباحية،كدأبه على ذلك بشرفته على مقربة من عصافيره…توجه لمقر "الصندوق المغربي للتقاعد " ،كانت المناسبة رسالة توصل بها حمودة في أسم والدته ذات الثمانين حولا، يطلبون فيها شهادة عدم الزواج لأرملة الثمانين ربيعا، حمله-يقول حمودة- الاستغراب عن هكذا سؤال إلى جزيرة الواق واق،لعله يدرك أسباب النزول، مستفسرا مجموعة من اللقاليق النبيهة هناك، عن المغزى من سؤال أسخف من السخف، عن ارملة ذهبت آفة الزهايمر بكل وظائف مناطق دماغها، أهي متزوجة أم لا؟" .
في حالة ثبوت "زواجها" سيتم تطبيق المسطرة القانونية القاضية بتوقيف نصيبها من في التقاعد ،من زوجها الهالك (420 درهم) ،يا حسرتاه على العباد…
أخذ حمودة مقعده داخل قاعة فسيحة ، كثيرة الإضاءة والمكاتب المصطفة في صف طويل بطول القاعة، بعد الضغط على زر في آلة توزيع الأرقام بحسب آخر من التحق، تأمل البطاقة المسحوبة من الموزع الآلي، كان الرقم 66 هو ترتيبه في الزيارة....
قال حمودة في نفسه لا بأس من الانتظار - رغم كرهه المقيت لكل أصناف الانتظار التي قد تأتي أحيانا بالخير، وقد لا تأتي أحايين أخرى- أخذ مقعده ، تجول بعينيه بين رواد القاعة...استحسن اليافطات الإليكترونية التي استأثرت بالنداء على الأرقام تباعا، والمصنفة بحروف أبجدية ( A.B.C) بحسب المراد من الزيارة...نبهته "أَنَاه" المتمردة محتجة على كونها أصبحت رقما وليس هَوِيَّة مكتملة العناصر، طمأنها بأن الأمر أصبح عاديا منذ دخل وإياها مربع المقاعدين،ذاك الذي لا تحتسب فيه ضربات الجزاء في حال وقع خطأ ما للمتقاعدين...
وسط القاعة،وفوق كراسي القاعة، استلقت أجساد محاربين من كلا الجنسين، وحد بينهم - مع وجود بعض الاستثناءات - بياض الشعر، والتقدم في العمر، منهم من لا زالت حالته الصحية على نسبة من الاستقامة، ومنهم من استوطنت يده "عكازة "صارت جزءا منه ،ذكرتني تلك العكازة بلغز لم نتمكن في ألعاب الطفولة من حله، حين يسألنا الكبار ونحن في سمر على جنبات الموقد، والجو شتاءا... يسألنا الكبار بابتسامة ساخرة" إوى إلى عرفتي من الذي يمشي على أربع ثم على إثنين ،ثم على ثلاثة ؟"...
تنهد حمودة وقال في نفسه بعد أن جالت عيناه في حركة سْكَانيرية،ماسحة لأجواء القاعة، أحمد الله-قال - أنني لازلت في غنى عن الرجل الثالثة، ولازالت قوة التحمل وفورة الشباب ترافقني بعد تجاوز السادسة والستين...
انتبه حمودة لرقم 66 على بطاقة موعده، هاله الرقم لأنه صنو لعدد السنين التي رحلت في غفلة منه، سنون اختلفت في الميزان،منها السمان ومنها العجاف على مسافة معترك الحياة…سكون مطبق داخل القاعة وكأن الطير على رؤوس الجميع، لا تسمع شيئا باستثناء المنبه الآلي الذي يسجل الأرقام على الشاشة بلون أحمر تسبقها حروف التميز،مرافقة لصوت رنين النداء على صاحب(ة) الرقم، هو رنين يتزامن أحيانا مع تنهدات عميقة-يحكي حمودة - تسمع من هنا وهناك لها أكثر من دلالة ،أو زفير متقطع لأحدهم وكأن "سيدنا عزرائيل متربص به" ، او قول بعضهم" أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم" وكأنه يحمل ثقلا من الأوزار... سعال من حناجر استوطن البعض منها الطباشير ،أكتاف غير متوازية بفعل الكتابة على السبورة أو تصحيح أطنان من التمارين المدرسية، أو عمل كان يستدعي جُهْدا جَهيد في دواليب الإدارة ومكاتبها العديدة....منظر زاد من غرابته تأثيث بعض الوجوه بالنظارات الطبية الميسرة للرؤية، حين ذهبت قوة بصرهم مع "التركيز " على العمل الإداري أو لنقل على بطاقات التقويم وتهيئ الاختبارات وما شابه ذلك...من مختلف المهام التي تستدعي الالتصاق بالكراسي حد التعب، أو الوقوف أمام السبورة حدَّ الإصابة بالدوالي وما جاورها…
شريحة من الأطر التربوية والإدارية أفنت عمرها في توسيع رقعة المعرفة بهذا البلد الحبيب، أعطت الكثير ولم تأخذ إلا النزر القليل...حتى تلك"البركة" المسمات حصريا "تقاعد" ،أصابها السكون والركود وعدم الزيادة فيها كصنوتها لدى -حالة تجميد للحوالة، توحي بما توحي وكأن المتقاعد طلق بالثلاث من الوظيفة - من لازال حبيس سجني أبا العلاء المعري "كرسي الإدارة وسبورة القسم".
أحالني المشهد -يقول حمودة- على صدفة جمعتني ذات عطلة بشلالات "أوزود " مع ثلة من المتقاعدين الأجانب، من النظرة الأولى تتضح لك بنياتهم القوية ولباسهم الرياضي المتميز، عرباتهم من نوع المنازل الجاهزة المتنقلة، أو من صنف رباعيات الدفع… تجاذب حمودة أطراف الحديث بعد رفقة وجيزة معهم، في منعرجات ومنحدرات المكان، قال له أحدهم حين السؤل: إننا نعيش عمرنا الثالث "on vie nôtre troisième âge "...تنهد حمودة في غفلة من الأجانب وأسرها في نفسه "غاب عنا عيش العمر الواحد وأحرى ان نعيش العمر الثالث"...أدرك حينها أنهم رمزا لدولة تحترم مواطنيها. دولة تراهن على العنصر البشري حتى في أيامه الاخيرة، تهيء له سبل العيش الكريم تكريما وعرفانا لما قدمه لوطنه....ونحن -يقول حمودة- هنا على مسافة الوطن ، تتلقفنا شركات السلف والتمويل حين نخرج من قاعة الصندوق، ماسكين ببيانات الخدمة أو شهادة الأجر، وما شابه ذلك، شركات متربصة لتجهز على آخر قسط متبقى من " حوالة التقاعد" ، أدرك حينها أننا( المتقاعدون) أصبحنا رمزل، ل ول ول ول.........
أحاله الأمر على ما تنطق به بعض وسائل التواصل، عما أصاب بعض الصناديق من نذوب وثقوب، متنوعة تسربلت عبرها ميزانيات وميزانيات، حد الإفلاس ... حاول سؤال أهل الحال عن أسباب النزول لتلك الثقوب عبر مختلف "الصناديق" اجابته العلبة الصوتية للهواتف الذكية للقيمين على الشأن العام " قائلة: "مخاطبكم مشغول الان ، أتركوا رسالة عند المنبه الصوتي"...
أدرك حينها المبنى والمعنى في الرسالة،أحس كأنه في نفق مظلم،اختلط فيه الحابل بالنابل، تحسس المكان، خال نفسه في كهف أفلاطون، أستجمع شتات أفكاره ليرَكّـب معرفة مناسبة لما يجول من خيالات خارج الكهف، كانت اليد قصيرة والعين بصيرة…".
لم يخرجه من ذاك النفق سوى يد رتبت على كتفه تقول انه الرقم 67 كانت المسافة بين الرقمين (66 و 67 ) مسافة الوطن من طنجة إلى لكويرة...غادر فيها حمودة القاعة وفي نفسه شيء من حتى المتقاعدين