احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس ندوة علمية تحت عنوان : " مناهج التدريس والبحث بالجامعة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ".
الندوة شكلت فرصة للنقاش وتبادل الأفكار بين الخبراء والمهتمين بموضوع العدالة الانتقالية المغاربة والأمريكيين، بحضور الطلاب خريجي برنامج العدالة الانتقالية .
وقال عبد الرحيم شميعة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في مستهل الندوة العلمية، إن هذا اللقاء يأتي تتويجا لمسار يتعلق باتفاقية الشراكة التي تجمع بين جامعة مولاي اسماعيل وجامعة سياتل الأمريكية، هذه الاتفاقية التي تم إبرامها عام 2021 وتم تجديدها لتمتد الى حدود 2027، وهي اتفاقية غنية وإطار لتبادل الخبرات والتجارب بين الجامعتين، مشيرا بأن الندوة تشكل فرصة للوقوف على نماذج التدريس في الجامعات الأمريكية، كما دعا مسؤولي جامعة سياتل الى بحث إمكانية تطوير هذه الشراكة، وخاصة فيما يتعلق بحركية الأساتذة والطلبة وتبادل التجارب.
من جهته قال نذير اسماعيلي، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس ومنسق برنامج العدالة الانتقالية إن تنظيم هذه الندوة يدخل في إطار التواصل وتقييم برنامج العدالة الانتقالية الذي انطلق منذ سنة 2021 في إطار الشراكة التي تجمع جامعة مولاي اسماعيل وجامعة سياتل بالولايات المتحدة الأمريكية ، ومن أجل الإنصات الى تساؤلات وانشغالات الطلبة حول واقع هذا التكوين وآفاقه وتقييم البرنامج، مضيفا بأن كل سنة تشهد تكوين فوجين في موضوع العدالة الانتقالية.
وأضاف اسماعيلي أنننا نشهد اليوم مراحل تحولات كبرى على مستوى العدالة الانتقالية والمفاهيم التي حملتها وميكانيزماتها، وغير ذلك من ضمانات عدم التكرار، مشيرا بأن المغرب خلد في السنة الماضية الذكرى العشرينية لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة التي أشرفت على مسلسل العدالة الانتقالية بدء من الكشف على الحقيقة وصولا الى التعويض وتقديم تقريرها، مضيفا بأن هذه الهيئة ساهمت في ترسيخ مؤسسات دولة الحق والقانون وبلورة الاصلاحات المتعلقة بحقوق الإنسان والريادة التي شكلها المغرب في هذا المجال. وشدد اسماعيلي على أهمية أن تنال التجربة المغربية حقها في الإعلام وفي المناهج الدراسية من أجل التعريف بها.
وأوضح أن خبراء العدالة الانتقالية في جامعة سياتل منبهرون باستثنائية وفلسفة العدالة الانتقالية في المغرب ونتائجها بعد أن كانت تجربة جنوب إفريقيا تسيطر اعلاميا على أذهانهم، مضيفا بأن إطلاق برنامج العدالة الانتقالية مكن هؤلاء من إدراك مميزات وخصوصيات واستثنائية التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، لدرجة أنهم يودون أن يستوحوا منها من أجل إغناء تجربة العدالة الانتقالية في الولايات المتحدة الأمريكية وما عرفته من تمييز وعنصرية ضد الهنود الحمر السكان الأصليين والسود .
من جانبه تطرق رونالد سلاي، أستاذ بجامعة سياتل الأمريكية الى تجربة العدالة الانتقالية في الولايات المتحدة الأمريكية وما عرفته من عنف وإبادة وتهجير وعبودية وعنصرية ضد السكان الأصليين والسود، مشيرا بأنه وبعد انتهاء الحرب الأهلية تم الاتفاق على الدخول في مرحلة العدالة الانتقالية من أجل معالجة ماضي التمييز والعنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وكان من مبادئها الأساسية كشف حقيقة ما جرى من تجاوزات وانتهاكات، والقيام بما يلزم من مصالحة وحفظ الذاكرة وتقوية السياسات المؤسساتية وخلق ضمانات عدم التكرار، لكن هذا لم يتحقق بالشكل المطلوب، لأن هناك من لا يرغب في ذلك – بحسب قوله - .
وأضاف أنه لم يتم تعويض الضحايا في التجربة الأمريكية خلافا للتجربة المغربية، ولعله من سخرية الأقدار – يضيف - أنه تم تعويض البيض الذين فقدوا أراضيهم وفقدوا عبيدهم، و المفارقة الكبيرة أن الولايات المتحدة هي مثال لدورة تمأسست فيها العبودية وتمأسس فيها التمييز، فهي دولة تمييزية ودولة الأبارتيد- يقول المتحدث - انطلاقا من هذا الواقع الذي لازال مستمرا، حيث لازالت الممارسات التمييزية والعنصرية تلحق جزء كبيرا من الشعب الأمريكي وخير مثال هو عنف الشرطة الأمريكية ضد السود، بل إنها مؤسسة ومقننة ومتواطئ حولها عكس ما حدث في تجارب العدالة الانتقالية في بلدان أخرى مثل التجربة المغربية وتجربة جنوب إفريقيا والشيلي والأرجنتين وغيرها .
ومن المفارقات – بحسب رونالد سلاي - في التجربة الأمريكية أن المصالحة تمت مع البيض المتورطين في الانتهاكات، بينما لم تتم مع السود والسكان الأصليين الذين عانوا من التمييز والعنف والتهجير والإبادة ، مضيفا بأن الدستور الأمريكي نص على ضمان المساواة في الحقوق والحريات إلا النص الدستور شيء والواقع شيء آخر، علما أن الآباء المؤسسين للدستور الأمريكي كانوا في قلب المؤسسات العنصرية التي تورطت في الانتهاكات الجسيمة ض السكان الأصليين وضد السود، داعيا الى مزيد من الجهود والنضال من أجل معالجة حقبة الماضي الأليم في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لازالت مستمرة، حيث لم يتم طيها طيا كاملا.
من جانبها عبرت كورتني أيروين، أستاذة بجامعة سياتل عن سرورها الكبير بزيارة جامعة مولاي اسماعيل، مشيرة بأن البرنامج مكن من التفاعل بين الأساتذة والطلاب المغاربة والأمريكيين بما تضمنه من نقاشات علمية ذات مصداقية ، مشيرة بأن أول درس تعلمته من خلال هذا البرنامج هو كون المغرب يعد نموذجا للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بوحدة الشعب المغربي ومؤسساته الحكومية وغير الحكومية وبين شبابه وشيوخه، علما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حاليا أزمة تفكك للمجتمع، مؤكدة بأنه بدون وحدة المجتمع لا يمكن الحديث عن العدالة.
والدرس الثاني الذي تعلمته كورتني من التجربة المغربية هو العفو، حيث العفو عن المتورطين في جرائم وانتهاكات سنوات الرصاص، الأمر الذي فاجأ الأجانب، من أجل التحول الى ماض غير عادل الى أفق جديد.
والدرس الثالث - تضيف كورتني - هو الأمان، علما أن الكثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية لا يشعرون بالأمان بسبب العنصرية وقتل السود من طرف عناصر الشرطة، كما يشيرون الى فترة العبودية في الماضي، مما يعني أن لا شيء يتغير بالولايات المتحدة الأمريكية .