الجمعة 21 مارس 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: مأساة الصحفيين المغاربة في واشنطن: بين الشك وخيبة الأمل

علي بوزردة: مأساة الصحفيين المغاربة في واشنطن: بين الشك وخيبة الأمل علي بوزردة
علمنا المثل الشعبي بأنه «في فصل الربيع، عندما تتصارع الثيران، فإن العشب والزهور من حولهم، هم من يدفعون الثمن في آخر المطاف.» هذه الصورة المجازية تجسّد بدقة وضع الصحفيين المغاربة في واشنطن، الذين وجدوا أنفسهم، بين عشية وضحاها، ضحايا عالقين في دوامة صراع سياسي شرس بين إدارة الرئيس ترامب ووسائل الإعلام العامة الأمريكية.
 
فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، لم يتوقف دونالد ترامب عن انتقاد قناة صوت أمريكا (VOA) وغيرها من وسائل الإعلام الممولة من الحكومة الفيدرالية، متهماً إياها بـ "الانحياز لليسار"وبث "أخبار زائفة"…
 
في 17 مارس الماضي، بلغت التوترات ذروتها عندما أعلن مايكل أبراموفيتز، مدير  Voice of America ، أن مؤسسته تعارض «الشمولية , والاستبداد, والسلطة المطلقة». هذا التصريح كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس واعتبرت استفزازاً للبيت الأبيض، مما منح ترامب الذريعة المثالية للتحرك، خاصة أنه كان منذ فترة طويلة ذا "حساسية مفرطة" تجاه الصحفيين الذين يرفضون لعب دور  «عازفي الكمان» في عصر النظام الجديد.
 
وبموجب مرسوم رئاسي، أمر ترامب بحلّ الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي (USAGM)، وهي الهيئة المشرفة على VOA، وقناة الحرة، وإذاعة أوروبا الحرة، وإذاعة آسيا الحرة، وغيرها من وسائل الإعلام الدولية الأمريكية. 
 
وقد أدّت هذا القرار المفاجئ  إلى وضع أكثر من 1300 صحفي وتقني في حالة من عدم الاستقرار، تحت غطاء «إجازة مدفوعة الأجر»، وهو مصطلح يُخفي في الحقيقة عملية تسريح جماعي.
 
الصحفيون المغاربة في مواجهة المجهول
كان الصحفيون المغاربة من بين الضحايا الذين وجدوا أنفسهم في حالة من عدم اليقين التام. فقد أعلنت المديرة الجديدة لـ USAGM، وهي من المقرّبين من ترامب، على الفور تعليق أي تمويل إضافي، بحجة أن هذه الوسائل الإعلامية «أصبحت غير ضرورية».
 
وقالت مستشارته الجمهورية في USAGM: «يتم إنفاق مئات الملايين من الدولارات على مؤسسات تنشر أخباراً زائفة، وهي مجرد صدى لخطاب خصوم أمريكا.»
 
للتذكير، تأسست قناة صوت أمريكا VOA عام 1942، خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت ركيزة أساسية للدبلوماسية الأمريكية، حيث استضافت شخصيات بارزة مثل دوايت أيزنهاور، ورونالد ريغان، وجورج دبليو بوش. ولكن بالنسبة لترامب ومستشاريه، لم تعد القناة سوى "معقل لليسار"، مما يبرر تهميشها وإغلاقها، تماماً كما يحدث حالياً مع وزارة التعليم.
 
إلى جانب الأبعاد السياسية، فإن العواقب الإنسانية تثير القلق. ففي الولايات المتحدة، يسمح مبدأ «التوظيف حسب الإرادة» لأصحاب العمل بفصل موظفيهم دون تقديم مبرر واضح. ورغم أن بعض الموظفين النقابيين يمكنهم الطعن في هذه القرارات قانونياً، إلا أن الإجراءات غالباً ما تكون طويلة ومكلفة وغير مضمونة.
 
مأساة اجتماعية في منتصف العام الدراسي
بالنسبة للصحفيين المغاربة، فإن الوضع أكثر تعقيداً، حيث كانت رواتبهم أقل بكثير من نظرائهم في قناة Al-Jazeera (الجزيرة) أو غيرها من القنوات الإخبارية الدولية الكبرى. واليوم، يواجه العديد منهم صعوبات مالية متزايدة، بينما يحاولون تأمين احتياجات عائلاتهم، وهذا أضعف الإيمان .
 
ودون الخوض في التفاصيل فإن توقيت عمليات التسريح تفاقم من الأزمة الاجتماعية لهؤلاء المواطنين المغاربة. فمع القروض العقارية التي يتعين سدادها والإيجارات الباهظة في واشنطن، يواجه العديد من الصحفيين خطر فقدان مساكنهم. والأسوأ من ذلك، أن من لا يحملون الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء (Green Card) قد يضطرون إلى العودة قسراً إلى المغرب، مما يعني تحديات كبرى في إعادة الاندماج المهني واضطرابات عائلية أكيدة.
ورغم أن إعادة الاندماج في الولايات المتحدة أو كندا تبقى «ممكنة نظرياً»، إلا أن فرص العمل في قطاع الإعلام نادرة، كما أن القيود المفروضة على التأشيرات تزيد من صعوبة الأمور. وفي اتصال هاتفي مع موقع Article19.ma, لخص أحد الصحفيين المغاربة بسخرية مريرة هذا الوضع متسائلا : «ماذا علينا أن نفعل؟ هل سنحول عرباتنا إلى سيارات أجرة Indrive ، أم نبحث عن عمل في مطعم بيتزا؟»
 
إن هذه المأساة الإنسانية، التي نجمت عن صراع سياسي، تذكّرنا بأن خلف كل قرار سياسي متهور، توجد غالبا مآسي اجتماعية.
 
إنها قضية تستحق المتابعة عن كثب…
 
موقع  Article19