أين هي المعارضة؟ أين اختفى قادتها؟ هل يحق للخزينة العامة استرجاع الأموال من أحزاب المعارضة بعدما تخلت هذه الأخيرة عن أدوارها؟ ماجدوى الاحتكام للوثيقة الدستورية إن كان شرط وجود الدستور ضبط العلاقة الندية بين أغلبية ومعارضة؟
فمنذ مدة والعديد من المغاربة يحسون بأنهم "أيتام" في الحقل السياسي، بسبب حالة التيه التي يعيشها الفاعل الحزبي بالأساس.
نعم، مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، على اعتبار أن مغرب الأمس كان يشهد منازعة أو تنازعا حول الشرعية منذ استقلال المغرب. وأنتج الصراع مع القصر تلك المرحلة التي عاشها المغرب بأعطابها وإشراقاتها من الستينات إلى مطلع التسعينات من القرن العشرين.
أما اليوم، فلا توجد هيآت أو تنظيمات تنازع في شرعية المؤسسة الملكية، اللهم حالات شاذة ومعزولة وليست ذات وزن يذكر، وهو ما جعل الفاعل السياسي اليوم في مواجهة السؤال: سنعارض ماذا ومن وكيف؟
هذا السؤال يقود إلى سؤال آخر: أي نوع من الدولة على السياسي معارضته؟
فالسلطة المركزية أعلنت أنها تتبنى مفهوم "الدولة الاجتماعية"، علما أن العديد منا يعي أنها "دولة كانيبالية متوحشة بدون مسحة اجتماعية". بالنظر إلى كونها تحضن أصحاب المصالح الكبرى وأصحاب الرأسمال الذين ولدوا في كنف الريع ويقتاتون من الريع، وليسوا من طينة البورجوازية الوطنية أو المقاولات المواطنة المتجذرة في تربة الواقع المغربي.
فكوريا وسنغافورة وتايوان وماليزيا، رغم أنها أنظمة أسست من طرف ديكتاتوريات عسكرية أو أنظمة توتاليتارية، إلا أنها احتضنت رأسمالا وطنيا ومدته بسبل الدعم حتى اشتد عوده. ولما تحقق ذلك تمكن هذا الرأسمال من قيادة التطور الصناعي والعلمي بهاته البلدان. وهو ما نلاحظه في كوريا التي تفتخر اليوم بمقاولات قوية استطاعت جر البلاد نحو الرفاهية والرقي، كما نلاحظه في الدول المجاورة مثل تايوان وماليزيا وسنغافورة.
في المغرب للأسف، تم تضييع الفرص ولم نخلق طوال 60 سنة سوى طبقة تقتات من عطايا الدولة في الريع: فهاته عائلات ومجموعات مالية تنتعش في المحروقات، وأخرى ترفل في الأبناك، وثالثة تحتكر الفلاحة، ورابعة تستأسد في الصيد البحري، وخامسة "تتبورد" في الإنعاش العقاري، وهكذا ذواليك.
حين وصل المغرب إلى "لمسكي" وأراد بناء نموذج صناعي واقتصادي مستقل بالبلاد، لم نجد من يجر العربة. بل على العكس ارتمى المغرب واحتمى بالرأسمال الأجنبي (بوجو، سيتروين، بوينغ، إلخ...). لا ليس هذا وحسب، بل حتى في المناولة (Sous-traitance) لم نجد شركات مغربية قادرة على لعب الدور والتجأنا مرة أخرى إلى الاستنجاد بشركات أجنبية التي استوطنت ملوسة بطنجة وأولاد عامر بالقنيطرة وقطب النواصر بالبيضاء.
السلطة المركزية ارتاحت لهذه المنظومة وعززتها بتحالفات استراتيجية مع الخارج، لكن دون أن يتساءل سائل: هل ستدوم هذه العملية؟ وإلى متى؟ وبأي كلفة؟
لنأخذ فقط ورش التغطية الصحية وتعميمها على كافة المغاربة، ونتساءل: لماذا يتعثر الورش وكيف سيتم تأمين تمويله الدائم؟
السؤال يستمد وجاهته من كون المغرب لم ينتج ثروة بالشكل الذي تسمح له بالوفاء بالالتزامات، على اعتبار أن الرياضة المفضلة عند المسؤولين هي ترحيل الثروات وترحيل المساهمات، وليس التوقف الجدي للتساؤل: إلى متى سنبقى نعتمد على التبرعات وعلى الإحسان؟
وهذا يعيدنا إلى بداية تساؤلاتنا: أين هي المعارضة التي بإمكانها ترشيد التدافع ورفع الإيقاع وتجويد النقاش العمومي؟ لماذا غاب زعماء وأقطاب وقادة المعارضة ورموزها ومثقفوها وجامعيوها من الرادار؟ من سيقوم بإسماع صوت المجتمع؟ وبأي مشروع؟
فنتائج الاقتراع السابق (شتنبر 2021) أبرزت أن السلطة عادت إلى "العداد الصفر"، أي الارتكاز على أغلبية واحدة متحكمة في المشهد السياسي عامة وطنيا وجهويا ومحليا (حكومة وبرلمان وجماعات)، مقابل معارضة شاحبة وباهتة. وهذا ما يشكل خطرا على المغرب ويهدد التدافع المدني الداخلي السلمي.
إن من مسؤولية رموز ما تبقى من حركة تقدمية ويسارية أن يجدد قادة هذه الحركات خطابهم وأن تجدد نخب هذه الهيآت الحزبية والمدنية والنقابية تصوراتها ليكون لهم موطىء قدم في المشهد السياسي. فالجيل الأول شاخ والجيل الثاني انشغل بتقسيم الغنائم وتوزيع المكافآت والاستفراد بالمناصب.
فمنذ مدة والعديد من المغاربة يحسون بأنهم "أيتام" في الحقل السياسي، بسبب حالة التيه التي يعيشها الفاعل الحزبي بالأساس.
نعم، مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، على اعتبار أن مغرب الأمس كان يشهد منازعة أو تنازعا حول الشرعية منذ استقلال المغرب. وأنتج الصراع مع القصر تلك المرحلة التي عاشها المغرب بأعطابها وإشراقاتها من الستينات إلى مطلع التسعينات من القرن العشرين.
أما اليوم، فلا توجد هيآت أو تنظيمات تنازع في شرعية المؤسسة الملكية، اللهم حالات شاذة ومعزولة وليست ذات وزن يذكر، وهو ما جعل الفاعل السياسي اليوم في مواجهة السؤال: سنعارض ماذا ومن وكيف؟
هذا السؤال يقود إلى سؤال آخر: أي نوع من الدولة على السياسي معارضته؟
فالسلطة المركزية أعلنت أنها تتبنى مفهوم "الدولة الاجتماعية"، علما أن العديد منا يعي أنها "دولة كانيبالية متوحشة بدون مسحة اجتماعية". بالنظر إلى كونها تحضن أصحاب المصالح الكبرى وأصحاب الرأسمال الذين ولدوا في كنف الريع ويقتاتون من الريع، وليسوا من طينة البورجوازية الوطنية أو المقاولات المواطنة المتجذرة في تربة الواقع المغربي.
فكوريا وسنغافورة وتايوان وماليزيا، رغم أنها أنظمة أسست من طرف ديكتاتوريات عسكرية أو أنظمة توتاليتارية، إلا أنها احتضنت رأسمالا وطنيا ومدته بسبل الدعم حتى اشتد عوده. ولما تحقق ذلك تمكن هذا الرأسمال من قيادة التطور الصناعي والعلمي بهاته البلدان. وهو ما نلاحظه في كوريا التي تفتخر اليوم بمقاولات قوية استطاعت جر البلاد نحو الرفاهية والرقي، كما نلاحظه في الدول المجاورة مثل تايوان وماليزيا وسنغافورة.
في المغرب للأسف، تم تضييع الفرص ولم نخلق طوال 60 سنة سوى طبقة تقتات من عطايا الدولة في الريع: فهاته عائلات ومجموعات مالية تنتعش في المحروقات، وأخرى ترفل في الأبناك، وثالثة تحتكر الفلاحة، ورابعة تستأسد في الصيد البحري، وخامسة "تتبورد" في الإنعاش العقاري، وهكذا ذواليك.
حين وصل المغرب إلى "لمسكي" وأراد بناء نموذج صناعي واقتصادي مستقل بالبلاد، لم نجد من يجر العربة. بل على العكس ارتمى المغرب واحتمى بالرأسمال الأجنبي (بوجو، سيتروين، بوينغ، إلخ...). لا ليس هذا وحسب، بل حتى في المناولة (Sous-traitance) لم نجد شركات مغربية قادرة على لعب الدور والتجأنا مرة أخرى إلى الاستنجاد بشركات أجنبية التي استوطنت ملوسة بطنجة وأولاد عامر بالقنيطرة وقطب النواصر بالبيضاء.
السلطة المركزية ارتاحت لهذه المنظومة وعززتها بتحالفات استراتيجية مع الخارج، لكن دون أن يتساءل سائل: هل ستدوم هذه العملية؟ وإلى متى؟ وبأي كلفة؟
لنأخذ فقط ورش التغطية الصحية وتعميمها على كافة المغاربة، ونتساءل: لماذا يتعثر الورش وكيف سيتم تأمين تمويله الدائم؟
السؤال يستمد وجاهته من كون المغرب لم ينتج ثروة بالشكل الذي تسمح له بالوفاء بالالتزامات، على اعتبار أن الرياضة المفضلة عند المسؤولين هي ترحيل الثروات وترحيل المساهمات، وليس التوقف الجدي للتساؤل: إلى متى سنبقى نعتمد على التبرعات وعلى الإحسان؟
وهذا يعيدنا إلى بداية تساؤلاتنا: أين هي المعارضة التي بإمكانها ترشيد التدافع ورفع الإيقاع وتجويد النقاش العمومي؟ لماذا غاب زعماء وأقطاب وقادة المعارضة ورموزها ومثقفوها وجامعيوها من الرادار؟ من سيقوم بإسماع صوت المجتمع؟ وبأي مشروع؟
فنتائج الاقتراع السابق (شتنبر 2021) أبرزت أن السلطة عادت إلى "العداد الصفر"، أي الارتكاز على أغلبية واحدة متحكمة في المشهد السياسي عامة وطنيا وجهويا ومحليا (حكومة وبرلمان وجماعات)، مقابل معارضة شاحبة وباهتة. وهذا ما يشكل خطرا على المغرب ويهدد التدافع المدني الداخلي السلمي.
إن من مسؤولية رموز ما تبقى من حركة تقدمية ويسارية أن يجدد قادة هذه الحركات خطابهم وأن تجدد نخب هذه الهيآت الحزبية والمدنية والنقابية تصوراتها ليكون لهم موطىء قدم في المشهد السياسي. فالجيل الأول شاخ والجيل الثاني انشغل بتقسيم الغنائم وتوزيع المكافآت والاستفراد بالمناصب.
ونحن مقبلون على اقتراع 2026، يبقى المغرب في حاجة إلى جيل سياسي مهووس فقط ببناء الدولة ومهووس فقط بسؤال الدولة وتجويد أداء الدولة، لضمان الكرامة لكل مغربي وضمان التوزيع العادل للثرو،ة ليعم الرفاه معظم طبقات المغرب ومعظم مجالاته الترابية.