في كلمة له اليوم الأحد 16 مارس 2025، خلال احتفالات ذكرى اغتيال والده، التي نظمت تحت شعار: "صبرنا وصمدنا وانتصرنا"، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السّابق، وليد جنبلاط: "أعلن باسمي واسم عائلتي واسم الحزب الاشتراكي أن الحكم الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع اعتقل إبراهيم حويجة، المسؤول عن جريمة الاغتيال"، مضيفا أن "عدالة التاريخ أخذت مجراها ولو بعد حين"، ومعلنا أنه سينهي تقليد إحياء ذكرى اغتيال والده.
قبل أيام قليلة على تخليد الذكرى السّنويّة الـ 48 لاغتيال زعيم الطائفة الدرزية ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، الزعيم اليساري اللبناني كمال جنبلاط، قائد الحركة الوطنية في لبنان، والشخصية الرئيسية في الحرب الأهلية الدموية (1975-1990)، نشرت مصالح إدارة الأمن السوري خبر إلقاء القبض على رئيس المخابرات العامة السابق، المدعو إبراهيم حويجة. وذكر أنه المتّهم الرسمي بالإشراف على المئات من عمليات الاغتيالات في عهد الرئيس السوري حافظ الأسد، من أبرزها اغتيال الزعيم الدرزيّ اللبنانيّ كمال جنبلاط.
جرى الاعتقال في إطار حملة أمنية تشنها قوات الأمن في محافظة اللاذقية، غربي البلاد حيث جرت اشتباكات ضد مسلحين، يقال إنهم موالون للحكم السابق. وكان حويجة نادر الظهور في العلن، ولا تتوفر عنه معلومات كثيرة.
في أول تعليقٍ له على خبر اعتقال حويجة، اكتفى وليد جنبلاط في حسابه على منصة إكس (توتير) بكتابة عبارة: "الله أكبر".
تفاصيل عملية الاغتيال
اغتيل جنبلاط في 16 مارس 1977، في عمر 59 عامًا، مع سائقه وحارسه الشخصي، وهو في طريقه لحضور اجتماع سياسي، وأثناء مرور موكبه بالقرب من بلدة بعقلين تعرض لكمين مسلح نفذته مجموعة من المسلحين الذين أطلقوا النار على سيارته بشكل كثيف، ما أدى إلى مقتل جنبلاط، وإصابة عدد من مرافقيه.
وذكر أحد التقارير أن سيارتين شاركتا في الكمين، بينما ذكر تقرير آخر أن ثلاثة مسلحين في سيارة "بونتياك" رياضية مسجلة في العراق انحرفوا أمام سيارة جنبلاط ثم أطلقوا النار عليه، فأصابوه في رأسه وصدره. ردّ حراس جنبلاط الشخصيون بإطلاق النار، وذكر التقرير أنه عُثر لاحقًا على سيارة "بونتياك" مهجورة، والمحرك لا يزال يعمل، وبداخلها آثار دماء.
وعندما قُتل بالرصاص على يد مسلحين مجهولين في الجبال جنوب شرق بيروت، تظاهر المئات من أنصار جنبلاط في بيروت الغربية، وعم الحزن أرجاء البلاد العربية، إذ كان كمال جنبلاط يتمتع بصيت قوي ويرأس الجبهة العربية المشاركة التي تشكلت من الأحزاب الديمقراطية والتقدمية في الوطن العربي.
بكاء ياسر عرفات وحزن عربي
وما أن وصل خبر الاغتيال إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان وقتها في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بالقاهرة، حتى انفجر باكيًا وقال: "إنها مأساة". وأضاف لاحقًا: "بالنسبة لنا، كان جنبلاط بمثابة جيوش متعددة تقاتل إلى جانبنا".
حينها كتبت صحيفة بريطانية إنه "من المؤكد أن الاغتيال سيُلقي بظلال من الشك على استمرار استقرار وقف إطلاق النار الذي فرضته سوريا في لبنان . وفي غياب دليل قاطع على العكس، سيُشتبه في أن السوريين أنفسهم دبروا عملية الاغتيال لإسكات السياسي اليساري السابق، الذي كان يتمتع بقاعدة جماهيرية دولية، على إدانته للدور السوري في لبنان".
صانع الملوك
عقب عملية الاغتيال كتبت صحيفة أمريكية، أن جنبلاط كان رجلاً كاريزمياً وغامضاً، برز خلال الحرب الأهلية كزعيم للتحالف اليساري الإسلامي الفلسطيني. وعلى مدار مسيرة سياسية امتدت 30 عاماً، استغل جنبلاط، خريج جامعة السوربون، منصبه كزعيم وراثي للأقلية الدرزية ليصبح "صانع الملوك" السياسي في لبنان.
في عام 1952، كان له دورٌ محوري في إجبار أول رئيس لبناني بعد الاستقلال، بشارة الخوري، على التنحي عن السلطة. وبعد ست سنوات، ساهم في إزاحة الرئيس كميل شمعون عام 1958، ثم في عام 1970، تدخّل للوصول إلى السلطة مع سليمان فرنجية، بهدف كسر شوكة النظام الشهابي المدعوم من الجيش.
حماس جنبلاط بقيادته لليسار اللبناني وسعيه إلى التغيير وإصلاح وبناء نظام ديمقراطي في لبنان ومعارضة لنظام "المارونية السياسية" ودعمه الكامل للقضية الفلسطينية، أدى به إلى رفض الغزو السوري في يونيو 1976، والذي لم يقتصر على سحق حلفاء جنبلاط الفلسطينيين، بل حدّ بشدة من سلطته على التحالف اليساري.
عروبة الدروز والتمسك بالثوابت
في كلمته التي ألقاها اليوم الأحد وسط الجموع التي حجت إلى "المختارة" إحياء لذكرى مقتل كمال جنبلاط، حرص وليد جنبلاط على توجيه رسالة للطائفة الدرزية، حيث قال: "حافظوا على هويتكم العربية وحافظوا على موقفكم في مواجهة احتلال الأرض بالجولان السوري وحذاري تقسيم سوريا تحت شعار تحالف الأقليات الذي عارضه كمال جنبلاط واستشهد رفضا له".
وأكد وليد جنبلاط أن "شمس الحرية أشرقت على سوريا بسقوط نظام الاستبداد والقهر بعد نحو 54 عاما"، داعيا إلى "إعادة بناء العلاقات اللبنانية السورية على قواعد جديدة وترسيم الحدود برا وبحرا والتمسك بالحقوق الفلسطينية المشروعة والتأكيد على حق العودة".
الشاعر اللبناني شوقي بزيع، صاحب القصيدة الخالدة في رثاء الشهيد كمال جنبلاط، التي لحنها وغناها مارسيل خليفة، كتب أنه "بعد ثمانية أربعين عاماً من انطلاق الرصاصات الغادرة لإطفاء ضوء عينيه، تكتسب ذكرى استشهاده دلالات غير مسبوقة في موازين الحياة والموت، حيث لم يلبث نظام الفساد الجهنمي الذي أعطى الأمر باغتياله، أن تهاوى بسرعة البرق تحت المطرقة العادلة لشعبه المقهور، فيما الوطن الذي ناضل جنبلاط طويلاً لإخراجه من حمأة التمزق الأهلي، يخطو خطواته الأولى باتجاه قيامته الموعودة".
وأضاف صاحب قصيدة "جبل الباروك": "واليوم في هذه الصبيحة المشمسة من آذار، بدا الاحتفال باستشهاده بمثابة استفتاء غير مسبوق على حاجتنا إليه، حيث مشى باتجاه ضريحه المأهول بالوعود، البشر والشجر والشموس الفتية وقصائد الشعراء. وحيث لم يكن من المستغرب أن يجدد وليد جنبلاط التمسك بالثوابت التي لم يكف الأب الشهيد عن وضعها نصب عينيه، والتي تقع في صميمها فلسطين وعروبة لبنان ووحدته وتحرير أرضه...".