انتُخبت بجنيف وسط الأسبوع الماضي (12 مارس 2025) الأستاذة أمينة بوعياش، رئيسة التحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وهو الإنتخاب الذي ينضاف لسلسلة المواقع التي أضحى المغرب يحتلها اليوم على صعيد مختلف الأجهزة الأممية خاصة منها المتعلقة بحماية حقوق الإنسان دولياً و أممياً، كان مقدمتها الأساسية التي فتحت الباب أمام المغرب ليكون رائداً في المجال الحقوقي مؤسساتياً، هو رئاسته لمجلس حقوق الإنسان و تنزيله لخطته التي وضعها لكي يقوم هذا المجلس بمهامه في حماية والنهوض بحقوق الإنسان أممياً داخل المجلس و خارجه من خلال عمل الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان.
انتخاب المغرب في شخص ذة أمينة بوعياش على رأس هذه المؤسسة باعتبارها مرشحة القارة الإفريقية يضع مهمتها غير مرتبطة فقط بالمغرب وإبراز دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان كآلية مغربية وطنية، بل يجعل من مهتمها هو تعزيز دور المؤسسات الوطنية إفريقيا التي دعمت ترشيحها و جعلتها مرشحة باسمها وباسم القارة ككل، والتي تعيش أسئلة حقوقياً جد مقلقة مرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال وضعية الهشاشة التي تعيشها العديد من الدول الإفريقية مما يجعل من شعوبها غير مانعة بمختلف الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أضف لها أسئلة الديموقراطية و مجال ارتباطها بالحقوق المدنية خاصة مع استمرار الحروب الأهلية، والانقلابات العسكرية و حكم العسكر و حالات التضييق في مجالس حريتي الرأي و التعبير لدى هذه الدول التي بات التظاهر فيها مرتبط بالاعتقالات و المحاكمات، كما باتت الانتخابات في هذه الدول مرتبطة بالتزوير و بعدم احترام إرادة شعوب هذه الدول، مما يجعل من ضرورة تفعيل أدوار هذه الاليات مهمة مؤسساتية و حقوقية لتعزيز الحقوق المدنية بالقارة الإفريقية.
انتخاب ذة أمينة بوعياش، هو تعزيز لمسار المجلس الوطنية لحقوق الإنسان كمؤسس وطنية تشتغل وفق معايير باريس، تم دسترتها لإعطائها المكانة الدستورية التي تليق بها كمؤسسة من مؤسسات و هيئات الحكامة المنصوص عليها في دستور فاتح يوليوز، هذا المسار الذي يجب أن يعد دينامية جديدة تجعل من المجلس الوطني قادر على كسب رهاناته ليست فقط الوطنية بل القارية على صعيد أفريقيا و الإقليمية والأممية، هي دينامية سيتقاطع فيها اليوم الوطني/المحلي بالأممي سواء من خلال رئاسة مجلس حقوق من طرف المغرب أو من خلال هذه الرئاسة المشرفة لمكانة المغرب على صعيد مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة، هذا التقاطع يفرض مراعاته في عملية التجديد التي ستشهدها هياكل المجلس الوطني " منصب الأمين العام للمجلس الذي بات شاغراً/ الجمعية العمومية/ رئاسة اللجان الجهوية…" و هو تقاطع يجعل من حماية الحقوق في ظل التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و الرهانات المتعلقة بحمايتها لدى المواطن مادامت قد باتت سؤالاً مقلقاً لدى المغاربة، ليس فقط رهان مرتبط بالسياسة العمومية في هذا المجال، بل بالسياسة العمومية ذات الارتباط بحقوق الإنسان وفقا لالتزامات المغرب الدولية و وفقاً لهذه المكانة التي يحتلها المغرب سواء من خلال رئاسته لمجلس حقوق الإنسان أو رئاسته للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
نحن لسنا أمام انتخاب عادي، في سياق عادي، بل نحن أمام انتخاب في سياق دولي عادت فيه حقوق الإنسان للواجهة، قضايا مرتبطة بحماية المدنيين وقت الحرب، قضايا الهجرة و اللجوء التي باتت اليوم مقلقة، قضايا مرتبطة بتنامي العنصرية و خطاب الكراهية…و غيرها من القضايا التي باتت مطروحة على الساحة الدولية و إن كانت تأخذ طابعاً دولياً، أو سياسياً…فهي في عمقها تصب في مجال حقوق الإنسان، و سيكون على المجالس الوطنية لحقوق الإنسان في مختلف هذه الدول أن تلعب دورها لحماية حقوق الإنسان التي باتت مطوحة اليوم على الأجندة الدولية، و سيكون لرئاسة هذه الآلية الجديدة من طرف المغرب ممثلاً في رئيسته مناسبة لتجسيد رؤيته التي وضعها المغرب و حدد توجهاتها الكبرى عاهل البلاد على مستوى تجربته في حفظ السلم و الأمن العالميين، و النهوض بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالمياً…
أن يقود المغرب أول تجربة لهذه الآلية المؤسساتية هو تزكية دولية لمسار طويل قطعه المغرب انطلق مع بداية التسعينات مع عودة المنفيين والعفو على المعتقلين السياسيين، تعزز مع بداية التناوب التوافقي وأخذ جرعة كبيرة مع العهد الجديد وانطلق في مسار واضح من دستور فاتح يوليوز…كل هذا المسار الوطني نحصد اليوم ثماره باحتلال المغرب لمختلف المواقع الدولية في مجال حقوق الإنسان، و هي مناسبة يجب أن تفتح للمغرب آفاق جديدة على المستوى الحقوقي.