يمكن اعتبار أن المتغير الجديد في "فعل المقاطعة" هو الانتقال من النسق الواقعي إلى النسق الافتراضي. فالمقاطعة الواقعية مقاطعة محلية ترابية، أما المقاطعة الديجيتالية التي تتخذ لها الرقمي كجسر ووعاء فهي مقاطعة افتراضية عابرة للحدود يشكل فيه التشبيك والاتصال وثقافة "بارطجي" والتشارك أداة للإقناع والتوافق والانخراط الجماعي.
من هذه الزاوية يصبح فعل المقاطعة الديجيتالي هو الضامن لاستمرارية فعل المقاطعة الواقعي. فتتحول المقاطعة إلى آلية للممانعة والتعبئة، وبالتالي الضغط والتأثير، ما يُمَكِّنُ الفعل الافتراضي من تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية، وإعادة تصويب المواقف والتفكير والتحضير لغزو فضاءات أخرى من خلال سلاح المقاطعة.
كما أن السبب المباشر في كون "فعل المقاطعة" أضحى وسيلة جامعة ومؤطرة هو تواري أصحابه إلى الوراء وتجاوزهم وتملكه من طرف جمهور الأفراد المرتبط بشبكة الأنترنيت. في هذا الخضم، ومع انتفاء المحاور على أساس أن "فعل المقاطعة" يتحكم فيه موقف جماعي وليس هيأة أو ريادة معينة يستمر "فعل المقاطعة" ويمتد إلى مواد وخدمات وقطاعات أخرى.
ولأن العمق التفاوضي ل "فعل المقاطعة" يكمن في رمزيته وجرأته على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية، ولأن قوته تتمثل في كونه لا يرتبط بتضليل افتراضي أو أخبار كاذبة أو زائفة، كل هذا يخلق منه نوعا جديدا من التنشئة الافتراضية الذي يتأسس على يقظة ديجيتالية، سيما في رسملة وغرس وترسيخ سلوك الممانعة والاستغناء وعدم الانجرار نحو المواجهة المباشرة والواقعية مع الخصوم المفترضين.
لهذا، من المستحب مقاربة "فعل المقاطعة" على أساس أنه فعل جماعي يشكل تحديا لفكر ومنطق مهيمن ونسق سياسي ضاغط وليس فقط مسألة ترتبط بأفق ورهانات وتداعيات الأرباح أو العائدات أو الخسائر الاقتصادية أو تراجع الأسهم.