الاثنين 10 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد العمارتي: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية (19 يوليوز 2024): قراءة تحليلية من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان (3)

محمد العمارتي:  الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية (19 يوليوز 2024): قراءة تحليلية من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان (3) محمد العمارتي

أخذا بالاعتبار تنوع واتساع نطاق انتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان التي ترتكبها إسرائيل في سياق سياساتها وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلصت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 19 يوليوز 2024 إلى أن هذه السياسات والممارسات تشكل انتهاكات للقانون الدولي، مؤكدة أن الإبقاء عليها يعتبر عملا غير مشروع ذا طابع مستمر تترتب عليه المسؤولية الدولية لإسرائيل، ويثير بالتالي مسألة السبل المتاحة للطعن والانتصاف من هذه الانتهاكات.

وأفردت المحكمة الجزء الأخير من رأيها الاستشاري للتبعات القانونية لهذا الوضع، سواء في مواجهة إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، أو بالنسبة للدول الأخرى أو لمنظمة الأمم المتحدة.

 

  1. أهمية جبر أضرار ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية

بدأت المحكمة بإثارة التبعات القانونية بالنسبة لإسرائيل، حيث ذكّرت أن الوجود المستمر لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ينتهك مبدأ أساسيا في القانون الدولي يحظر بمقتضاه الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ويعتبر بالتالي عملا غير مشروع، وانتهاكا مستمرا للقانون الدولي يرتب المسؤولية الدولية لإسرائيل. وبناء عليه، تكون إسرائيل ملزمة وفقا للقانون الدولي بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة دون تأخير، ويشمل أيضا الالتزام المفروض على إسرائيل بالكف عن أعمالها غير المشروعة وإنهاء سياساتها وممارساتها التي اعتبرتها المحكمة غير مشروعة أيضا، حيث أكدت أنه يجب على إسرائيل أن تتوقف في أسرع وقت عن القيام بأي عملية جديدة للاستيطان، وأن تلغي جميع التشريعات والتدابير التي تنشئ أو تبقي على وضعية غير مشروعة، بما فيها التشريعات والتدابير التمييزية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما يجب عليها إنهاء العمل بكافة التدابير التي تهدف الى تغيير التكوين الديمغرافي لأي جزء من هذه الأراضي.

وبالنظر الى طبيعة الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على إسرائيل، فإنها تستتبع بداهة الوفاء أيضا بالالتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي لحقوق الانسان والامتناع عن الاستمرار في ارتكاب جميع الانتهاكات التي حددتها محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري.

وعلى غرار ما سبق أن أفتت به المحكمة في رأيها الاستشاري المتعلق بالجدار الفاصل (9 يوليوز 2004)، فقد ذكّرت أن إسرائيل تعد ملزمة وفقا للقانون الدولي بتعويض الأضرار والخسائر التي تسببت فيها أعمالها غير المشروعة لجميع الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المتضررين.

وعلى الرغم من أن المحكمة لم تشر الى أية صيغة أو طريقة محددة لجبر الأضرار، تاركة الحرية لأطراف النزاع من أجل التفاوض حول الصيغ الممكنة والحلول المناسبة، فإنها ذكّرت مع ذلك أن مفهوم جبر الضرر وفقا لأحكام القانون الدولي يشمل إعادة الممتلكات والتعويض أو الترضية.

وبتطبيق مبدأ جبر الضرر على التزامات إسرائيل المتصلة بالقانون الدولي لحقوق الانسان، إن الأضرار الناجمة عن انتهاكات الحقوق الأساسية للسكان الفلسطينيين المنسوبة الى إسرائيل، والتي حددتها المحكمة يجب أن ترتب الحق في جبر الضرر الذي تتحمله السلطات الإسرائيلية.

بالنسبة للآثار القانونية التي تترتب عن انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الانسان، لاسيما منها الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأخرى، لاحظت المحكمة ان بعض هذه الالتزامات التي أخلت بها إسرائيل تكتسي طابع " القواعد الملزمة للجميع" erga omnes، التي تهم " بحكم طبيعتها جميع الدول"، ذلك أنه أخذا بالاعتبار أهمية الحقوق التي تتعرض للخرق والانتهاك، فإن كافة الدول يمكن اعتبارها ذات مصلحة قانونية في حماية هذه الحقوق.

وأضافت المحكمة أن الالتزامات " المفروضة على الجميع" التي أخلّت بها إسرائيل تشمل من بين التزامات أخرى، حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وأيضا الالتزامات الناشئة عن مبدأ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وبعض الالتزامات الأخرى المفروضة على إسرائيل بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وتعتبر جميع الدول ملزمة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة من أجل تطبيق التدابير والإجراءات التي تقررها هذه المنظمة، لإنهاء الوجود غير المشروع لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك طبقا لإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول ووفقا لميثاق الأمم المتحدة (قرار الجمعية العامة /2625 / الدورة 25/ أكتوبر 1970).

ومن جهة أخرى، إن نطاق آثار "الالتزامات المفروضة على الجميع «يشمل المنظمات الدولية بصفة عامة، ومنظمة الأمم المتحدة على وجه الخصوص، التي اعترفت لها المحكمة بالمسؤولية في إيجاد السبل المناسبة لإنهاء جميع الانتهاكات التي حدّدتها المحكمة في رأيها الاستشاري.

ورغم أن المحكمة لم تتطرق الى طبيعة السبل المتاحة لإنصاف المتضررين من هذه الانتهاكات، حرصا منها دون شك على احترام هامش التقدير الواسع الذي يتمتع به مجلس الأمن والجمعية العامة بصفتهما جهازين سياسيين، فإن منظمة الأمم المتحدةّ تتحمل مسؤولية أساسية في ضمان احترام إسرائيل لالتزامها بجبر الضرر الناشئ عن انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد، أن أحد قضاة محكمة العدل الدولية قد ضمّن رأيه بخصوص الآليات الممكنة لجبر الضرر في إعلان ملحق بالرأي الاستشاري الصادر في 19 يوليوز 2024. ويمكن تلخيص رأيه في أنه اعتبارا لطبيعة واتساع نطاق وحجم انتهاكات القانون الدولي التي حددتها المحكمة، ونظرا لوجود عدد كبير من المتضررين من هذه الانتهاكات اللذين يحتمل أن يطالبوا بجبر الأضرار، فإن الأمم المتحدة يمكن أن تأخذ بالحسبان إنشاء آلية دولية لجبر الأضرار وتعويض الخسائر الناتجة عن الأعمال غير المشروعة دوليا التي تم تحديدها في الرأي الاستشاري. كما اقترح هذا القاضي إحياء وتوسيع السجل الذي كانت الأمم المتحدة قد أحدثته بقرار للجمعية العامة في عام 2006 بناء على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 09 يوليوز 2004, بخصوص الأضرار التي تسبب فيها بناء إسرائيل للجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويتعين التنبيه أيضا أن هذا السجل الذي أحدثته الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس لجنة دولية للتعويض أو جهازا قضائيا أو شبه قضائي، وإنما يعتبر جهازا فرعيا (ثانويا) تابعا للجمعية العامة، يتمثل الهدف منه في وضع سجل لتحديد وإحصاء وتوثيق الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الذاتيين والاعتباريين جراء بناء إسرائيل للجدار الفاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس الشرقية ومحيطها. غير أن تعنت إسرائيل في رفض مضامين الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لسنة 2004، فإن مبادرة وضع هذا السجل لم تحقق النتائج المرجوة منها.

ويتضح من فحوى مشروع القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة في 18 شتنبر 2024 أنها تسعى الى اعتماد هذه الآلية من جديد، ذلك أنها دعت في هذا المشروع الى " إنشاء آلية دولية لتعويض جميع الأضرار والخسائر الناتجة عن الأعمال غير المشروعة دوليا التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة". كما أوصت في مشروع هذا القرار الدول الأعضاء بأن تنسق مع الأمم المتحدة لإنشاء سجل دولي لتوثيق وجرد العناصر التي تمكن من تحديد هذه الأضرار والخسائر، بالإضافة الى تشجيع وتنسيق عملية جمع الأدلة والحجج والتدابير الرامية الى دعم حق الضحايا في مطالبة إسرائيل بجبر الأضرار التي لحقتهم بفعل أعمالها غير المشروعة دوليا.

 

2 السبل القضائية للطعن

يكرس القانون الدولي سبلا قضائية عديدة للطعن وللمطالبة بجبر الأضرار الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاكات القانون الدولي لحقوق الانسان التي ارتكبتها إسرائيل في سياق سياسات الاحتلال والاستيطان.

وسوف نقتصر في هذا المقام على التطرق للطعون القضائية المتاحة على الصعيد الدولي وخاصة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، معرضين عن تلك التي يمكن اللجوء اليها ومباشرتها أمام المحاكم الجهوية والوطنية، وذلك لاعتبارين على الأقل.

يتمثل الاعتبار الأول في عدم عضوية إسرائيل في الأنظمة الجهوية لحماية حقوق الانسان، وإلى وجوب استيفاء شرط استنفاذ جميع الطعون القضائية الوطنية المتاحة لمقبولية دعاوى المتضررين أمام هذه الآليات القضائية الجهوية.

ويكمن الاعتبار الثاني في الانتقادات التي ما فتئت توجه باستمرار للمحكمة العليا لإسرائيل بسبب افتقادها للاستقلال الواجب، لا سيما عند بتها في الطعون التي يتقدم بها الفلسطينيون أو منظمات الدفاع عن حقوق الانسان ضد القرارات الصادرة عن السلطات التنفيذية والإدارية الإسرائيلية، والطابع المعيب لقرارات هذه المحكمة في العديد من القضايا التي عرضت عليها في السابق، وعدم فاعليتها في حماية الحقوق الأساسية للفلسطينيين. وبالإضافة الى ما سبق، إن لجوء الضحايا الفلسطينيين الى المحاكم الوطنية في بعض الدول وسعيهم الى تحريك المتابعة ضد بعض الأشخاص أو المقاولات وشركات الخواص، بسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، مثل التعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تعترضه الكثير من التعقيدات الإجرائية والقيود والشروط المتشددة التي تفرضها تشريعات هذه الدول لمقبولية مثل هذه الدعاوى، الأمر الذي قد يحرم الضحايا من حق ممارسة طعن فعلي.

 

 

- محكمة العدل الدولية

من المعروف أن محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة، تمارس اختصاص النظر في المنازعات الناشبة بين الدول والمتعلقة بانتهاكات القانون الدولي، وأيضا تحديد التعويضات عن الأضرار لاسيما في الحالات التي تفشل الدول الأطراف في النزاع في التوصل الى اتفاق ودي بينها لتسوية هذا النزاع.

بيد أنه إذا كانت فلسطين وإسرائيل دولا أطرافا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ،وتتوفر بالتالي على الصفة والأهلية لإحالة نزاعاتها على هذه المحكمة ، فإن كليهما لم تعلن عن قبولها للولاية أو الاختصاص الإجباري المحكمة وفقا لنظامها الأساسي ، وعلاوة على عدم توفر هذا الشرط الموجب للولاية الإجبارية للمحكمة ،يمكن الجزم أنه من غير المتوقع مطلقا في سياق الحدة التي بلغها النزاع بين الدولتين وتعقد أسبابه و تفاقم تبعاته ،أن تعترف إسرائيل باختصاص محكمة العدل الدولية ،سواء عن طريق ابرام اتفاق خاص تقبل بمقتضاه بعرض النزاع على أنظار المحكمة ، أو عن طريق الإجراء المعروف في القضاء الدولي بفرضية امتداد الاختصاص(Forum prorogatum (، أي انعقاد الاختصاص للمحكمة بدون اعلان مسبق من جانب الأطراف في النزاع .

ويتعين التذكير أيضا أن بعض الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الانسان تنص على إمكانية اللجوء الى محكمة العدل الدولية من أجل تسوية النزاعات التي تثور حول تطبيق أو تفسير أحكام هذه الاتفاقيات.

وتنطبق هذه الحالة على بعض الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها إسرائيل، ويتعلق الأمر تحديدا باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (9 دجنبر 1948 – المادة 9)، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (21 دجنبر 1965 – المادة 22)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (18 دجنبر 1979- المادة 29)، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (10 دجنبر 1984- المادة 30).

واستنادا على اعتراف هذه الاتفاقيات بانعقاد الاختصاص لمحكمة العدل الدولية للنظر في خلافات الدول الأطراف حول تطبيق وتفسير أحكامها، واعتبارا لكون إسرائيل وجمهورية جنوب إفريقيا دولا أطرافا في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، استعملت جمهورية جنوب إفريقيا آلية تسوية المنازعات التي تنص عليها المادة 9 من هذه الاتفاقية لتقديم دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في دجنبر 2023. ولا زالت هذه الدعوى معروضة على نظر المحكمة التي سبق أن أصدرت بشأنها ثلاث قرارات تتعلق بالتدابير الاحترازية والمستعجلة التي يجب على إسرائيل تنفيذها والامتثال لها في مرحلة أولى قبل بت المحكمة في جوهر الدعوى (أنظر مقالنا حول هذه القضية المنشور في أنفاس بريس 01 دجنبر 2024).

وتأسيسا على هذه الدعوى، يجوز القول أنه من غير المستبعد أن يوفر الرأي الاستشاري الصادر في 19 يوليوز 2024 أساسا قانونيا قويا وسندا صلبا لتقديم دعاوى أخرى ضد إسرائيل وحلفائها، وذلك استنادا الى الاختصاص الذي تعترف به بعض اتفاقيات حقوق الانسان لمحكمة العدل الدولية، علما أن دولة نيكاراغوا قد أحالت دعوى ضد ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية في 01مارس 2024 بسبب تصدير ألمانيا للأسلحة الى إسرائيل في حربها على قطاع غزة، الأمر الذي اعتبرته نيكاراغوا عملا يتعارض مع التزامات الدول تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي هذا الاتجاه، إن المضمون الواسع للرأي الاستشاري للمحكمة بخصوص الفصل العنصري الناتج عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي يعتبر انتهاكا واضحا لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، يمكنه أيضا أن يشكل أساسا للجوء الى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل. كما أنه في حالة اعتراف هذه المحكمة بثبوت ارتكاب إسرائيل لأعمال محظورة بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان التي صادقت عليها، فإن هذه الطعون من شأنها ان تفتح الطريق أمام ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية بما فيهم أولئك الذين يقيمون في دول خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة للمطالبة بجبر الأضرار التي لحقتهم بفعل خرق إسرائيل لالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقيات.

  • المحكمة الجنائية الدولية

معلوم ان المحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت بمقتضى نظام روما الأساسي في عام 1998 تمارس اختصاصها على الأشخاص المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية تعتبر من أشد الانتهاكات خطورة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، ومنها على وجه التحديد جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب (المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة).

وقد صادقت فلسطين على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في عام 2015 بينما لا تعد إسرائيل دولة طرفا في هذا النظام. وفي سنة 2018 أحالت حكومة فلسطين استنادا الى المواد 13 (أ) و 14 من نظام المحكمة " الحالة في فلسطين منذ 13 يونيو 2014"على المدعي العام. وساندتها في هذه الإحالة مجموعة من الدول الأطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية (جمهورية جنوب أفريقيا، بنغلاديش، بوليفيا، جزر القمر، جيبوتي في سنة 2023، وانضمت الى هذه المسطرة دول شيلي والمكسيك في سنة 2024). ومباشرة بعد اصدار الغرفة التمهيدية للمحكمة لقرارها في سنة 2021، بادر المدعي العام الى فتح تحقيق حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تكون قد ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبما أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يجيز مسطرة المحاكمة الغيابية، فقد تقدم المدعي العام في ماي 2024 بطلباته أمام الغرفة التمهيدية الأولى بإصدار أوامرها للقبض على عدد من المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين (أنظر مقالنا حول الموضوع المنشور بأنفاس بريس في 02 يونيو 2024).

وإذا كانت مسطرة متابعة المسؤولين الإسرائيليين (نتنياهو و غالنت) لا زالت في أطوارها الأولى امام المحكمة الجنائية الدولية بعد اصدار غرفتها التمهيدية الأولى لأوامر اعتقالهم ، فإن ذلك لا يمنع من الجزم أن الدعاوى التي يمكن تقديمها أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين ، وفي حالة ما اذا أفضت الى إقرار المحكمة بمسؤوليتهم الجنائية ،فإن من اختصاصاتها وفقا للمادة 75 من نظامها الأساسي، إصدار أوامر مباشرة لفائدة الضحايا الفلسطينيين الذين تعرضوا لأضرار بسبب الجرائم التي ثبت ارتكابها من طرف اسرائيليين وتمت إدانتهم من طرف المحكمة. ويمكن أن تشمل أشكال جبر أضرار الضحايا، التعويضات المالية ورد الممتلكات المفقودة ورد الاعتبار.

محمد العمارتي / أستاذ جامعي سابق للقانون الدولي بكلية الحقوق بوجدة

24 دجنبر 2024