الأربعاء 2 إبريل 2025
منبر أنفاس

مريم القبش: مغرب متعدد الأوجه.. كيف نجمع بين التنوع والوحدة؟

مريم القبش: مغرب متعدد الأوجه.. كيف نجمع بين التنوع والوحدة؟ مريم القبش

يشبه المغرب سفينة تبحر في بحر متلاطم من التحديات. ولتحقيق التنمية المستدامة، يجب على صناع القرار أن يوجهوا دفة هذه السفينة بحكمة، متجنبين الانجراف نحو صخور التمركز أو اللامركزية المفرطة. فبينما تسعى المملكة إلى تمكين الجهات المحلية من اتخاذ القرارات، تبقى الحاجة ماسة إلى ضمان انسجام هذه القرارات مع الأهداف الوطنية. فهل يمكن للمغرب أن يسير على حبل مشدود يحافظ على التوازن بين الحاجة إلى اللامركزية لضمان التنمية المحلية وبين الحاجة إلى اللاتمركز لضمان الوحدة الوطنية؟

 

خلال افتتاح الدورة السادسة عشرة للمناظرة الدولية للمالية العمومية، المنظمة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية بالشراكة مع جمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية. أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، على “ضرورة تحقيق التوازن بين اللامركزية واللاتمركز والتنسيق على المستوى الوطني لضمان اللجوء إلى موارد الميزانية بشكل منسجم يتماشى مع الأولويات الوطنية”، مشددة على ضرورة التخطيط لهذه العملية ومراقبتها بدقة، مع تفادي إهدار الجهد والموارد.

 

اللامركزية واللاتمركز والتنسيق

تخيل أن ميزانية الدولة كعجينة يجب عجنها وتوزيعها على مختلف أجزاء البلاد، اللامركزية هي عملية إعطاء كل منطقة (جهة، عمالة، جماعة) بعض هذه العجينة لتقوم بصنع الخبز الذي يناسب أذواقها واحتياجاتها. أي أنها عملية نقل صلاحيات اتخاذ القرار من المركز إلى الجهات المحلية. وتهدف بذلك إلى تمكين الجهات المحلية من إدارة شؤونها الخاصة وتلبية احتياجات المواطنين بشكل أفضل.

 

مثلاً، قد تقرر جهة سوس ماسة أن تستثمر جزءًا كبيرًا من ميزانيتها في تطوير السياحة، بينما تفضل جهة الشرق تطوير قطاع الفلاحة، لكن هذا لا يعني أن كل جهة تعمل بمفردها. فاللاتمركز يعني أن الجميع يعملون لتحقيق هدف واحد هو تنمية البلاد؛ عن طريق توزيع المهام والمسؤوليات الإدارية بين مختلف المستويات الحكومية، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية والتوجهات العامة للدولة.

 

أما التنسيق هنا يشبه الطاهي الذي يوجه كل طباخ لإعداد طبق جيد، مع الحفاظ على مكونات العجينة الأساسية. بالتالي فهو عملية تخطيط وتنفيذ الأنشطة المشتركة بين مختلف المستويات الإدارية والقطاعات، بهدف تحقيق أهداف مشتركة وتجنب الازدواجية في الجهود.

 

اللامركزية والحوكمة المالية

لا شك أن المغرب شهد تقدماً ملحوظاً في مجال اللامركزية، حيث تم نقل صلاحيات واسعة إلى الجهات والمجالس الجماعية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه هذا المسار، من بينها ضعف القدرات المؤسساتية في بعض الجهات، وتفاوت في توزيع الموارد، وقلة التنسيق بين مختلف المستويات الإدارية. بالإضافة إلى ذلك، يواجه النظام المالي المغربي تحديات أخرى، مثل ارتفاع الدين العام وتأثير تقلبات الأسواق العالمية.

 

وفي السياق، لاقت الحكومة المغربية انتقادات شديدة بسبب ارتفاع مستويات الدين العام وفشلها في إيجاد حلول لاحتواء التكاليف المتزايدة، حيث ارتفع الدين الإجمالي للخزينة المغربية بشكل كبير. وجاءت المملكة المغربية ضمن الدول الأكثر مديونية لصندوق النقد الدولي على المستوى العالمي، حيث احتلت الرتبة الـ17 عالميا ضمن قائمة بـ 20

دولة، إذ يبلغ إجمالي ديون المغرب المستحقة لهذه المؤسسة الدولية ما قيمته 1,34 مليار دولار أمريكي، فيما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة أكثر من 130 مليار دولار.

 

وفيما يتعلق بمؤشرات الاقتصاد الكلي (المستوى الماكرو-اقتصادي)، أبرز التقرير السنوي حول “الاستقرار المالي بالمغرب”، في إصداره الحادي عشر برسم السنة المالية 2023، في قراءته لأوضاع الاستقرار المالي خلال السنة المالية المنصرمة أن “عام 2023 بصَم على انخفاضا في عجز الحساب الجاري إلى 0,6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ3,6 في المائة في عام 2022، نتيجة استمرار زخم إيرادات/مداخيل السفر وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، فضلا عن انخفاض العجز التجاري بفضل انخفاض الواردات إلى جانب الأداء الجيد للصادرات، لا سيما من قطاع السيارات”.

 

أهمية تحقيق التوازن

إن تحقيق التوازن بين اللامركزية واللاتمركز والتنسيق أمر بالغ الأهمية لضمان نجاح الإصلاحات المالية في المغرب؛ فمن خلال منح الصلاحيات للمحليات، يمكن تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين وتسريع وتيرة التنمية المحلية. وفي نفس الوقت، يجب الحفاظ على وحدة الرؤية الوطنية لضمان التماسك الاجتماعي والاقتصادي. أما التنسيق الفعال فيمكن أن يساهم في تجنب الازدواجية في الجهود وتحسين كفاءة الإنفاق العام.

 

ومن زاوية أخرى، يلعب البرلمان دوراً حاسماً في الرقابة على المالية العامة وضمان احترام مبادئ الحوكمة الرشيدة، كما أن المجتمع المدني له دور مهم في مراقبة أداء المؤسسات العامة وتقديم المقترحات والحلول. ويجب تعزيز التعاون بين هذه الأطراف لضمان نجاح الإصلاحات.

 

التحديات والحلول الممكنة

يواجه المغرب تحديات في تطبيق مفاهيم اللامركزية واللاتمركز والتنسيق. فمن ناحية القدرات المؤسسية نجد أن العديد من الجهات والمجالس الجماعية تحتاج إلى مزيد من الكفاءات والموارد المادية (التجهيزات والبنية التحتية) لتسيير شؤونها بفعالية. إذ وضعت الجهات (المناطق) مخططات للتنمية والتي قد تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدراهم. بيد أن ميزانية الدولة لا يمكن لها تحمل هذه التكاليف الباهضة، فهناك أولويات أخرى أيضا. والجهات لم تطور بعد إمكاناتها الذاتية لتمويل طموحاتها كما كان منتظراً. كما تحدث عن ذلك وزير السياحة السابق والخبير الدولي في التنمية والاقتصاد والدراسات الاستراتيجية والثقافية والاجتماعية السيد لحسن حداد.

 

كما أن التفاوت الكبير في توزيع الموارد المالية والبشرية بين المناطق، يؤدي إلى تفاوت في مستوى الخدمات المقدمة. أضِفْ إلى هذا أن ضِعْف موارد الجماعات المحلية (البلدية والقروية)، خصوصاً القروية منها جعل جُلَّها تنظر إلى الجهات (المناطق) على أنها جهة مانحة. مع غياب آليات التنسيق الفعالة بين مختلف المستويات الإدارية، ما يخلق ازدواجية في الجهود وتضاربا في المصالح.

 

ويجب للسيطرة على مختلف الصعوبات تعزيز قدرات الجهات والمجالس الجماعية من خلال توفير التأهيل والتكوين المستر للموظفين المحليين. واعتماد معايير واضحة لتوزيع الموارد بين مختلف الجهات، مع مراعاة الاحتياجات الخاصة لكل منطقة. وكذا تطوير أنظمة معلوماتية متكاملة لتمكين تبادل البيانات والمعلومات بين مختلف المستويات الإدارية لتعزيز الشفافية والمساءلة.

 

إن مسار تحقيق التوازن بين اللامركزية واللاتمركز والتنسيق مسار شائك. فهناك تحديات كبيرة تواجهنا، ولكن هناك أيضًا فرص لا تُضيع. إننا بحاجة إلى تطبيق الإرادة السياسية القوية، والرؤية الاستراتيجية، والتفكير الإبداعي، واستحضار المصلحة العامة واعتبارها أسمى الغايات. حيث إن اللامركزية ليست مجرد عملية إدارية، بل هي مشروع وطني يهدف إلى بناء مغرب جديد، مغرب يكون فيه المواطن هو محور الاهتمام. كما جاء في إحدى مقالات لحسن حداد عن الموضوع أن "الصدمة الإيجابية لا تتحقق إلا بالتحقيق المنسجم والفوري لعدد من المشروعات المهيكِلة والتي لها وقع إيجابي على الدينامية الاقتصادية والشغل وتحسين حياة المواطنين ومحاربة الفساد الإداري والمالي".