Thursday 31 July 2025
كتاب الرأي

محمد حمضي: مؤسسة الوسيط والحقوق المرفقية للسجناء 

محمد حمضي: مؤسسة الوسيط والحقوق المرفقية للسجناء  محمد حمضي
" وإن ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة ، لا يستكمل إلا بما نوفره من الكرامة الانسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية " .
 
بهذه الفقرة من الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بأكادير ، بتاريخ 29 يناير 2003 ، معلنا من خلاله عن افتتاح السنة القضائية ، عنونت مؤسسة الوسيط موضوع " الحقوق المرفقية لفئة الأشخاص السجناء وسؤال إعادة الإدماج" الذي أفرد له تقرير سنة 2024 مساحة واسعة ( الجزء الثالث ) .
 
التقرير ، وبعد أن ذكر بما راكمه المغرب من مكتسبات حقوقية نوعية ، انتقل ليسلط الضوء على حقوق فئة السجناء في علاقتها بالأطر المرجعية الوطنية والدولية ذات الصلة ، وفي تفاعل كذلك مع الاهتمام المتنامي للمجتمع مع هذه الفئة من الأشخاص . وخلص التقرير إلى طرح التساؤلات التالية : إلى أي حد تترك العقوبة السجنية أثرا على الحقوق المرفقية ؟ وهل يشكل الوصم الإداري عائقا أمام إعادة الإدماج ؟ وكيف تتعامل الإدارة مع السجناء المفرج عنهم خاصة المستفيدين من برامج التأهيل ؟
 
أسئلة مشروعة و بمنسوب مرتفع من الجرأة. الغاية منها في اعتقادنا اعطاء معنى بعمق حقوقي لسياسة ادماج السجناء . سياسة كُلفتها من المال العام ثقيلة إن لم يكن لها أثرا يذكر بعد استرجاع السجين(ة) لحريته في علاقته كمرتفق للإدارة ، ناهيك عن الصور النمطية التي تلاحقه من المجتمع .
 
التقرير السنوي لمؤسسة الوسيط الذي تم تعميمه أخيرا ، توقف مطولا عند مضامين " البيانات المحفوظة في بطائق السجل العدلي " التي تظل  تطارد من صدرت في حقهم أحكام بالإدانة والعقوبة السجنية ، وما تثيره من آثار قانونية وإدارية تعرقل ولوج الأشخاص السجناء إلى بعض حقوقهم الأساسية ، وتحول دون تمكينهم اقتصاديا " . ويضيف التقرير وهو ينفض الغبار عن هذا الموضوع الشائك " حيث تتم مواجهة طلبات التوظيف و التشغيل المقدمة من طرفهم بالرفض التلقائي بمجرد الإدلاء بنسخة من السجل العدلي الذي يحتفظ بكل عقوبة تم الحكم بها ..."
 
فاذا كانت العقوبة التي سلبت السجين(ة) حريته ، وأن الفترة التي قضاها وراء القضبان قد استفاد خلالها من عدة برامج ( تعليمية ، دينية ، مهنية .... ) ، الغاية منها تحضير اندماجه السلس في المجتمع بعد استرجاع حريته ، فإن استمرار البيانات الواردة بالسجل العدلي التي تعرضه للوصم الإداري بصفته مرتفقا ، وهو الذي لم لا يسلم من الوصم الاجتماعي ، فإن كل تنزيل لبرامج الاصلاح وإعادة ادماج السجناء من الجنسين ، لن تغادر(البرامج) عتبة الأبواب الضخمة لبنايات السجون ، مع ما سينتج عن ذلك لا محالة من تضخم في حالات العود .
 
 مؤسسة الوسيط وهي تتناول في تقريرها عن سنة 2024 موضوع " السجل العدلي " الذي تطارد بيانته السجناء ، لم تقفز على ما يتمسك به المشرع من مبررات لإعمال واستخدام بطائق السجل العدلي في سير نظام العدالة والعمل القضائي والاداري عموما ، لكنها خلصت إلى أنها "  لا يمكن أن تقبل بأن تكون هذه المبررات المرتبطة بالصيغة والاستخدامات الحالية للسجل العدلي سندا لهذر حق الأشخاص السجناء ممن اختاروا الانخراط بتلقائية وتفاعل ايجابي في برامج التأهيل وإعادة الإدماج من منطلق أن لا جدوى من اعتماد برنامج عمومي لا يحقق واقعا ايجابيا بقدر ملموس " .
 
وكان ختام هذه المرافعة الحقوقية ، الدفع بتقديم مقترح " مراجعة النصوص القانونية والتنظيمية الواردة بهذا الخصوص في اتجاه حصر استعمال هذه الوثيقة حكرا على الأجهزة القضائية أو بعض السلط الإدارية في حالات معينة يحددها القانون، وتعزيز التنسيق بين السياسة الجنائية وباقي السياسات العمومية ، والعمل على تقليص الآجال بمساطر رد الاعتبار، والإعفاء منها بالنسبة للسجناء الذين استفادوا وساهموا بجدية في برنامج التأهيل لإعادة الإدماج ".
 
  ممارسة فضلى في علاقة بما سبق
 قبل عِقد من الزمن ، عَرض عَليّ - بصفتي عضو اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة طنجة تطوان الحسيمة - شاب احتضنته ثلاث أو أربع مرات ، الأسوار الباردة لمؤسسة سجنية . الشاب كان يبحث عن العمل ، لكن بيانات سجله العدلي ظلت تطارد حقه في الشغل . وبعد مطالبته بالانضباط للتوجيهات التي ستقدمها له اللجنة الجهوية بعد اشعارها . دخلت هذه الأخيرة على الخط ، حيث تم ربط الاتصال بفرع مؤسسة محمد السادس لاعادة ادماج السجناء بطنجة ، و بدوري ومن موقعي الحقوقي ، سارعت لاقناع "مدير الاستغلال" بشركة للنظافة التي كان يرغب الشاب الالتحاق بها ، لكن في كل مرة كانت تصل مسعاي للباب المسدود. ولأن الله سبحانه يحب العبد الملحاح ، فقد انتهت المسارات التي سرنا عليها جميعا،  بالتحاق الشاب بالشغل الذي لازال يمارسه بتفان واخلاص ، ولم يسجل عليه أدنى خطأ مهني ، وكَوّن أسرة يتمتع بدفئها بعد أن كان مرشحا للتعاقد المستمر مع عقوبة سلب الحرية ! إنها ممارسة فضلى لاندماج سجين في عالم الشغل وجب على مختلف المتدخلين الاستئناس بها بل الانتصار لها .
 
على سبيل الختم  
 "إن الإعمال الحقيقي لمبادئ العدل والإنصاف يفرض الانضباط لحكم المشروعية ومبادئ العدل والانصاف ومراجعة الذات وتحمل المسؤولية في تصريف الشأن الإداري العام على أحسن وجه ، اقتناعا بوجوب مؤازرتهم ودعمهم" فئة الأشخاص السجناء"  ، رعيا لكونهم فئة تعيش أو ضاع خاصة " يقول التقرير .
 
أتمنى أن يشتغل المجلس الوطني لحقوق الانسان على موضوع السجل العدلي للسجناء    الذين تطاردهم بيانات ، وبالمناسبة فقد سبق لهذا الفاعل الحقوقي الضعيف أن طرحه للتداول الأولي فيه قبل سنوات ، على فريق الحماية والرصد  باللجنة الجهوية لحقوق الانسان بجهة طنجة تطوان الحسيمة ، وفي واحدة من دوراتها .