أثبتت التجارب والتحليل الاحترافي لنتائج المنافسات الرياضية، أن للإعداد الذهني أهمية بالغة في تحقيق الفوز
لم يعد الإعداد الذهني coaching mental sportif داخل المنظومة الرياضية من “الطابوهات”، بل أضحى ضرورة ملحة في ممارسة كروية يلفها الاحتراف ويصبح فيها تأهيل الرياضي من الجانب النفسية جزءا من التأهيل الشمولي للاعب المحترف، ليس فقط قبل خوض غمار النزالات الرياضية بل بعدها أيضا.
لقد أثبتت التجارب والخبرات والتحليل الاحترافي لنتائج المنافسات الرياضية، أن للإعداد الذهني أهمية بالغة في تحقيق الفوز، إلى جانب باقي الإعدادات الأخرى التي تهدف إليها عملية التدريب الرياضي، تقنيا وبدنيا وتكتيكيا، إذ يعد الجانب الذهني مكملا للجوانب المهارية الأخرى. وعندما تتكامل هذه الجوانب مع بعضها البعض يتم الوصول إلى أعلى المستويات من الإنجازات والبطولات.
“أنفاس بريس” تفتح ملف الإعداد الذهني مع المختصين، وتسلط الضوء على أهميته، وعن مدى وعي الأندية الوطنية بأهميته، باعتباره عاملا أساسيا للنجاح والتألق في الحياة الرياضية.
الإعداد الذهني.. الغائب الأكبر في المنظومة الكروية
على الرغم من تنامي الدور الذي يلعبه الإعداد الذهني كعامل مهم في صناعة النجم الرياضي، وأحد أهم أساليب عملية التخطيط والاستعداد للمنافسات، جنبا إلى جنب مع الإعداد البدني والتقني والتكتيكي، إلا أن هذا العلم ظل يتلمس خطواته الأولى في منظومتنا الرياضية، ويحتل المراتب الثانوية في التحضير للمنافسات.
وتبرز الحاجة إلى زيادة الاهتمام به، حين آمن الخبراء بأن المجهود البدني لم يعد كافيا وحده للفوز، مع التقدم الكبير في الخطط والتكتيك وتعدد المنافسات والمنافسين على المستويين الداخلي والخارجي.
ويجمع عدد من الخبراء والمختصين الذين أكدوا ضرورة الاهتمام بالإعداد الذهني، على ارتباطه مباشرة بالصفات الذهنية للاعب، ويؤدي الاهتمام به دورا مهما في تطور شخصية الرياضي بما يساعده في التكيف مع مختلف الظروف والتغييرات التي تحدث أثناء المنافسات.
وفي حديثه عن أهمية الإعداد الذهني الرياضي، خصوصا في مجال كرة القدم شدد محمد القاسمي، عضو الودادية المغربية للمعدين الذهنيين، على ضرورة الرجوع إلى التاريخ، أي قبل 20 أو 25 سنة، للوقوف على طرق التدريب داخل الفرق الرياضية. وقال: “سابقا كان المدرب يتولى مهمة التدريب وحده، بعد ذلك حصل تطور من خلال اعتماد المعد البدني في الأطقم التقنية، بعدها التحق الطبيب بهذه الأطقم وبعد ذلك التحق كل من الممرض والمعالج الطبيعي، ومدرب حراس المرمى والإداري والمدرب المساعد، لكن لحد الساعة لم يظهر بعد المعد الذهني في أطقم الأندية كعنصر أساسي”.
محمد القاسمي، عضو الودادية المغربية للمعدين الذهنيين
واعتبر محمد القاسمي، وجود المعد الذهني ضرورة ملحة، لأنه من بين دعائم الإعداد الرياضي مبرزا أن ”التجارب العلمية الجديدة أكدت أن الإعداد الرياضي، لابد أن يقوم على أربعة دعائم، وهي الدعامة التقنية والدعامة التكتيكية والدعامة البدنية إلى جانب الدعامة الذهنية، التي تغيب لحد الساعة عن اهتمامات الأندية الوطنية”.
وبرر القاسمي، غياب الاعداد الذهني عن اهتمامات الأندية المغربية بمجموعة من العوامل، وذلك لكون الإعداد الذهني، حديث النشأة أما العامل الثاني فبرره محدثنا بربط مهمة الاعداد الذهني بالمدرب وتساءل: ”إذا كان المدرب هو من يقوم بمهمة الإعداد الذهني لماذا لا يشرف أيضا على مهمة الإعداد البدني، وبهمة التمريض والتغذية وغيرها من المهام” يقول محمد قاسمي، أنه عند التواصل مع المسيرين الرياضيين حول أهمية الإعداد الذهني، تلمس من خلال الردود عدم الوعي بأهمية هذا المعطي وهو طرح خاطئ، كاعتبار أن عرض اللاعبين على معد ذهني تكريس لحالة مرضية، في حين أن ما يوجه للمرضى هو العلاج النفسي وقال محاورنا في هذا الصدد: ”نحاول أن نصحح للمسيرين الرياضيين فكرة كون العلاج النفسي، يقوم به دكاترة نفسيون، دورهم معالجة طبية وأدوية طبية، عكس الإعداد الذهني الذي هو عبارة عن تقنيات ووسائل يحتاجها اللاعب للتخلص من المشاكل التي يعيشها وهي عديدة جدا، لأن اللاعب هو الوحيد الذي يحاكم من طرف آلاف الجماهير، وهو ما تجعل اللاعبين يعيشون أسبوعا كاملا تحت الضغط، فمنذ يوم الاثنين عند انطلاق التداريب وتفكير اللاعب ينصب على المباراة المقبلة لأنها محك أمام الجماهير، وهو ما يجعله في حالة قلق”. لمعالجة هذا الأمر لابد من مواكبة ذهنية يقوم بها معدون ذهنيون من خلال حصص فردية وجماعية وحصص مع المدرب ومع الطاقم بأكمله، لأن المعد الذهني هو صلة وصل بين اللاعبين والأطقم ومن هنا تأتي أهمية الإعداد الذهني الذي بدونه تعيش الفرق بثلاث دعائم بدل أربعة.”
وختم محدثنا كلامه مشيرا إلى وجود، كفاءات جيدة في مجال الإعداد الذهني منهم من تكون في فرنسا ومنهم من تلقى تكوينه في كندا وقال في هذا الصدد ”ما نطالب به اليوم هو أن تنصح الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الأندية الوطنية باللجوء إلى الاعداد الذهني في خطوة أولى، وفي حال عدم اعتماده يجب جعل الاعداد الذهني شرطا أساسيا وضرورة على غرار ما حصل مع الاعداد البدني في وقت سابق”.
عزيز بوحميدة متخصص في الاعداد الذهني والحكم السابق
قضاة الملاعب أحوج إلى الإعداد الذهني لإزالة التوتر ومواجهة الضغوطات
من جهته اعتبر عزيز بوحميدة، المتخصص في الاعداد الذهني والحكم السابق، أن الاستعداد الذهني هو عامل أساسي للنجاح والتألق في الحياة الرياضية، إذ لا يقتصر الأداء العالي على القدرات البدنية والفيسيولوجية فقط، بل يتطلب أيضا قوة داخلية واستقرارا ذهنيا يعززان التحمل والصمود أمام التحديات والرهانات.
من جهته اعتبر عزيز بوحميدة، المتخصص في الاعداد الذهني والحكم السابق، أن الاستعداد الذهني هو عامل أساسي للنجاح والتألق في الحياة الرياضية، إذ لا يقتصر الأداء العالي على القدرات البدنية والفيسيولوجية فقط، بل يتطلب أيضا قوة داخلية واستقرارا ذهنيا يعززان التحمل والصمود أمام التحديات والرهانات.
وأوضح عزيز بوحميدة، أنه بالنسبة للرياضيين المغاربة، الذين يتنافسون في مستويات محلية أو قارية ودولية، فإن الاستعداد الذهني يمكن أن يكون الفارق بين النجاح والفشل، فمن خلال تدريب العقل على التركيز والتغلب على التوتر، يستطيع الرياضيون المغاربة أن يحافظوا على أدائهم تحت الضغط، ويستعيدون توازنهم بعد أي إخفاق، ويتجنبون الإرهاق النفسي الناتج عن المنافسات القوية.
من حصة إعداد ذهني للحكام
هناك إجماع على أن الاستعداد الذهني، وفق محدثنا، يعزز ثقة الرياضي بنفسه أولا ويزيد من قدرته على اتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات الحرجة ثانيا، وهو يلعب دورا هاما في توجيه الطاقة نحو أهداف واضحة، ما يساعد على تجنب التشتيت والتركيز الكامل على الإنجازات المستقبلية ثالثا.
وباعتباره حكما وطنيا سابقا، لم يفوت بوحميدة فرصة الحديث عن التحضير الذهني، في مجال التحكيم، مشيرا إلى أنه في ظل تزايد الاحتجاجات على القرارات التحكيمية، يعد الاستعداد الذهني عاملا حاسما لحكام كرة القدم المغاربة، خاصة وأن التحكيم في كرة القدم مهنة تتطلب تركيزا عاليا وقدرة على اتخاذ القرارات المقنعة في لحظات حرجة، مما يجعل الحكام عرضة للتوتر والانفعال أمام ضغوط الجمهور واللاعبين والمسيرين والصحافيين.
ومن خلال الاستعداد الذهني، يتمكن الحكم من الحفاظ على هدوئه واتزانه، مما يساعده على اتخاذ قرارات عادلة دون التأثر بالضغوط الخارجية، علما أن الاستعداد الذهني يعزز من ثقة الحكم بنفسه، ويمكنه من مواجهة الانتقادات بشجاعة ووضوح، الأمر الذي يساهم في تحسين أدائه ويقلل من فرص تراجع مستواه تحت تأثير الضغوط السالفة الذكر.
وختم بوحميدة حديثه لـ ”أنفاس بريس” بالقول إن: ”القدرة على التحمل العاطفي تعد من أهم العناصر التي يجب تطويرها لدى الحكام، إذ تمكنهم من التعامل برباطة جأش مع التحديات داخل الملعب، والمحافظة على حيادهم واستقلاليتهم. وبذلك يمكن لحكام كرة القدم المغاربة، من خلال تعزيز الاستعداد الذهني وتطوير استراتيجيات إدارة التوتر، أن يحافظوا على أدائهم العالي ويؤدون مهامهم بأمانة ونزاهة، رغم الظروف الصعبة التي قد تواجههم”.