السبت 23 نوفمبر 2024
فن وثقافة

بعد مرور 25 سنة على محاضرته باليوسفية.. الفقيد المختار بنعبدلاوي وإشكالية "مفهوم المجتمع المدني" الحلقة (4)

بعد مرور 25 سنة على محاضرته باليوسفية.. الفقيد المختار بنعبدلاوي وإشكالية "مفهوم المجتمع المدني" الحلقة (4) الفقيد المختار بنعبدلاوي

في مرحلة التأسيس حين كان الأستاذ عبد الكبير حدان مندوبا لفرع الشعلة باليوسفية، كان للراحل الأستاذ الجامعي الدكتور المختار العبدلاوي لقاء فكريا تحت سقف فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة بمدينة اليوسفية، حيث ألقى محاضرة موسومة بـ "مفهوم المواطنة وإشكالية المجتمع المدني" بدار الشباب الأمل / اليوسفية بتاريخ 25 دجنبر 1999. وبعد مرور 25 سنة على هذا الحدث الفكري المتميز، وتكريما ووفاء لروحه وعطاءاته الفكرية تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" نص المحاضرة التي تابعها جمهور غفير حينئذ من نساء ورجال التعليم، إلى جانب شباب المدينة وثلة من الإعلاميين والمبدعين والمثقفين والفنانين.

ـ أبواب الحداثة التي أهلت أوروبا لتشهد تبلور مفاهيم فلسفية واجتماعية على أرض الواقع:

1 ـ الباب الأول : حركة الإصلاح الديني في أوروبا

في هذا السياق أكد الأستاذ المحاضر الفقيد المختار العبدلاوي أن الكنيسة كانت تجعل من الملوك هم أصحاب السيادة على الشعب الأوروبي وعلى ممتلكاته، حيث كانت تعتبر نفسها ـ أي الكنيسة ـ ممثلة للإرادة الإلهية على الأرض، وتمنع قراءة وتأويل وتفسير الكتاب المقدس خارج الكنيسة، بل أنها كانت تصر على أن يظل العهد القديم سائدا بأنماط العيش فيه ـ حسب المحاضر ـ حيث كانت توصي بقراءة الأناشيد الدينية باللغة اللاتينية فقط في مجتمعات لا تكتب ولا تقرأ أو تتكلم اللغة اللاتينية.

وشدد ضيف جمعية الشعلة الأستاذ المختار بنعبدلاوي على أن الكنيسة كانت تقف ضد ترجمة الكتب الدينية، مؤكدا على أنها كانت ضد عدد كبير من مقتضيات التطور، وكانت أيضا ضد الفرح أو الضحك، وتعتبر ذلك عملا شيطانيا، وكانت ضد العمل الدنيوي بدعوى أنه يصرف الاهتمام عن الآخرة.

وأكد نفس المتحدث على أن حركة الإصلاح الديني في أوروبا أعادت النظر في دور الكنيسة، ودعت ـ الحركة الإصلاحية ـ إلى أن ينحصر عملها في المجال الديني، أي على فهم وتفسير الكتاب المقدس، وعلى ممارسة التقاليد والطقوس الدينية دون أن تتحول هذه الكنيسة إلى فاعل سياسي ـ أي كأداة للحكم ـ أو في حالة ضعفه إلى موجه يتحكم فيه أو يتواطأ معه لتحقيق مكاسب مادية أو سياسية.

في هذا السياق أكد المحاضر على أن الثورة الدينية قد مكنت عند حدوثها من عقلنة المجتمع، إلى جانب تعميم فكرة "ما لله لله، وما لقيصر لقيصر".

إن الثورة الدينية وحركة الإصلاح الديني في أوروبا ـ حسب بنعبدلاوي ـ جعلت مصير الأوروبيين أو مستقبلهم أو واقع وطنهم يخضع لإرادة الشعب، لا إلى سلطة دينية تزعم أنها تنطق وتتكلم باسم الله، على اعتبار أنها جاءت نتيجة سلسلة من الحروب الدينية، كما كانت تسمى، وقد كانت هذه الحروب على جهتين: مع البابوية المتحالفة مع بعض الملوك الكاثوليك، ومع الإقطاعيين المدافعين عن الإمتيازات. وأشار إلى أن حركة الإصلاح الديني عرفت ما يسمى بحروب الفلاحين الذين انتفضوا ضد الضرائب التي كانت تفرضها الكنيسة والملوك عليهم. وهكذا ـ يخلص في محاضرته ـ إلى أن أوروبا قد تمكنت بفضل حركة الإصلاح الديني من وضعنة المجتمع وعقلنته ومن الخروج من زمن الميتافيزيقا إلى زمن العقل، ومن زمن القضايا والمواقف التي كانت يعطى لها تبرير إلهي إلى قضايا حياة جديدة تنبني حلولها على المنطق والعقل والإقناع بالحجج المادية.

2 ـ الباب الثاني : الثورة الصناعية

بخصوص الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا، فقد اعتبرها الأستاذ المختار بنعبدلاوي عاملا أساسيا جعل من أوروبا تشهد تحولا مهما على مستوى المجتمع الذي كان يتكون في السابق من نبلاء وإقطاعيين من جهة، وفلاحين من جهة أخرى، وبظهور الطبقة العاملة لأول مرة وبخصائص جديدة لم تكن حاضرة في الوعي السابق، برز الوعي بحركية المجتمع متميزا بالنضج، الشيء الذي مكن المجتمع الأوروبي من أن يعرف تحولا، من مجتمع زراعي تتحكم في ثروته الأمطار، والأمراض والأوبئة والحروب ـ أي من مرحلة مجتمعية واقتصادية خاضعة للطبيعة إلى مرحلة أكثر رقيا ـ بحيث أصبح فيها الإنسان متحكما في الطبيعة، ويخضعها لتحقيق رغباته في الراحة والرفاهية، وهو تحول جوهري تم على مستوى البنية السكانية، من القرية إلى المدينة، ووصف هذا التحول كونه اتسم بارتفاع منسوب الثروة ونسبة التعليم، وتبلور مفهوم وتصور جديد للحقوق والواجبات.

هكذا اعتبر الأستاذ المختار بنعبدلاوي أن الثورة الصناعية كانت مدخلا جديدا للحداثة ينبني على أساس أنها خلقت طبقات جديدة وخلخلت التوازنات السابقة بين الطبيعة والإنسان، وأعادت إنتاج توازنات جديدة بين المدينة والأرياف، على اعتبار ـ يوضح المحاضر ـ أنها ساهمت في تحول الثقل السكاني إلى المدينة، ووفرت شروط وعي يتميز بالعقلانية وبالإنبناء السببي والترابط المنطقي.

يتبع