يحتل التعليم صدارة أولويات الأسرة المغربية على اختلاف مستوياتها الاجتماعية، حيث تقتطع غالبية الأسر جزءا كبيرا من دخلها لتوفير نفقات تعليم أبنائها، لا سيما في ظل تنوع أنظمة التعليم، ولجوء العديد من الأسر إلى أنماط التعليم الخاص، سواء أكان من خلال مدارس اللغات الأجنبية أم مدارس البعثات الأجنبية والمدارس الخاصة المغربية.
وبالنظر إلى تعدد أنماط التعليم، والتفاوت الواضح بين تكاليف كل منها، فإن العديد من الأسر المغربية باتت تنظر إلى التعليم الخاص ليس كترفيه واختيار، بل بات من الضرورات في ظل قناعتهم في الاستثمار في تعليم أبنائهم.
وفي ضوء ذلك، برزت الإمكانات المالية كمحدد أساسي لمستوى تعليم الأبناء، فكلما ارتفع مستوى معيشة الأسرة كلما اتجهت إلى نمط من أنماط التعليم، ليتحول التعليم الخاص إلى وسيلة للتباهي عند الأسر، بل والتفاخر بأسماء مؤسسات في الغالب غربية، وطبعا هذه ظاهرة خطيرة على تماسك وتقارب طبقات المجتمع، إذ تعمق الفوارق الاجتماعية وستنتهي بإبطال مضمون الدستور في الأخير، الذي كفل حق التعليم للجميع من خلال إقراره في فصله 31 على حق التعليم لكل المغاربة، حيث جعل هذا الحق مقرونا بالحقوق المرتبطة بالعلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية.
لكن واقع المدارس الحكومية اليوم يؤكد العكس، إذ تعاني عدة نقائص أترث بشكل ملموس على المردودية العامة، الاكتظاظ في قاعات التدريس والهدر المدرسي، فضلا عن الأزمات المتكررة بين المدرسين والحكومة التي تسببت بإضرابات عدة خلال السنوات الأخيرة.
ولهذه الأسباب تلجأ الأسر الميسورة وجزء كبير من الطبقة الوسطى إلى المدارس الخصوصية أو البعثات الأجنبية لحرصهم على تعليم أبنائهم، والذين ليس لديهم مانع من بيع حتى ملابسهم ليحصل أبناؤهم على الحد الأدنى من جودة التعليم.
وهكذا اضطر المغاربة إلى المدارس الخاصة، رغم معاناتهم المادية والنفسية جراء الأقساط العالية التي تتقاضاها هذه المدارس، إذ من المغاربة من لجأ للقروض البنكية لضمان دفع مصاريف المدارس، بل ومنهم من استسهل الرشوة كوسيلة لجمع مصاريف المدارس والجامعات الخاصة.
ولابد من التأكيد هنا بأننا لسنا ضد وجود التعليم الخاص الجيد، فهو وسيلة لتخفيف العبء المالي عن الدولة ووسيلة لملء الثغرات في توفير التعليم، لكن يجب تأطيره وتصنيفه إلى مستويات حسب كل منطقة، وتكون هناك معاير وضوابط له من حيث أقساطه العالية المتعلقة بالرسوم المدرسية والمواصلات ورسوم الكتب ورسوم الرحلات، وبالموازاة مع ذلك يجب أن تكون المدارس الحكومية ذات مستوى مقبول ومريح للمواطنين والمواطنات كما كفل الدستور ذلك.
وختاما، التعليم هو الهاجس الأساسي للأسر المغربية، ويمثل الهم الرئيس لها، لكن التعليم الخاص يستنزف عمليا الجزء الأكبر من ميزانية الأسر المغربية. وإذا أردنا بالفعل حماية الطبقة الوسطى وتوسيعها، وأن نعزز الاقتصاد الوطني بصورة ناجحة، فلا بد من إعادة النظر في التعليم والاستثمار فيه أكثر لضمان تكافؤ الفرص بين المغاربة بهدف تمكينهم من كسر دائرة الفقر الواسعة وتمهيد الطريق نحو طبقة وسطى أكثر شمولا وازدهارا.