في تحليل هذا الموضوع ننطلق من سؤال جوهري وأساسي، وهو: هل المغرب يشكل أحد الخدم في إسطبل؛ أو دركي؛ لحراسة وحماية الدول الأوروبية؟ وماذا يتقاضى كمقابل منطقي لهذا الدور الذي يقوم به في إطار التعاون وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول؟
تعبئة وحشد الناس والتفكير في اختراق الحدود المزروعة بالألغام؛ واشتراط عدم التولي يوم الزحف وغيرها من صور التهور؛ والاندفاع العاطفي؛ والحماسة الزائدة وقت الغضب؛ يصيب العقل بالتكلس والتصحر الفكري...! وكلها في نظري لا تجدي شيئًا ولن تغير من الحال في شيء. انسداد الأفق، وسيادة اليأس والاحباط، هو مجرد توصيف لسطح الأزمة واختزاله في كونه سبب ما وقع؛ ويقع؛ وما سيقع من مثل هكذا أحداث ووقائع.
ظاهرة الحَيْطِزْمْ أي الاتكاء على حائط الدرب أو الدوار، في المدن والبوادي والقرى؛ الدولة التي تعتمد على الإنتاج؛ وتعيش فقط على ريع عائد الأرض من المعادن والزراعة والفلاحة؛ لتوفير مداخيلها ومُقَدَّراتِها؛ بحيث من هذا العائد يتم توزيع الوظائف الهائلة جدًا من أجل امتصاص البطالة للحد من التوترات والاحتجاجات الاجتماعية ومنها ظاهرة الهجرة؛ والتي وصلت حد التضخم واستنزاف جزء كبير من الميزانية العامة لدولة ما بعد الاستقلال. مما أدى إلى نوع من التوظيف المصطنع؛ وبالتالي خلق بطالة مقنعة مستمرة.
قد لا تكون في حاجة لهذه الوظائف؛ لكن تستطيع أن تستوعب هذه الأعداد الكبيرة جدًا من الوظائف؛ خاصة بالمدن الكبرى؛ وتقدر على توفير الاعتمادات اللازمة لها. الدولة تنظر من خلال معادلة تقوم على معايير ومؤشرات ومسلمات؛ كدرجة الوعي ومتطلبات الحياة اليومية الكبيرة لساكني المدن؛ عكس البوادي والقرى التي تبقى متطلبات ساكنيها ضعيفة ولا تتمتع بدرجة عالية من الوعي؛ وتراجع مستوى التعليم المتدني والمنخفض؛ وبالتالي يكفيهم القليل للعيش. من خلال التحكم في الإعلام وتوجيه الرأي العام؛ حيث لا يعرف الناس إلا القدر الذي أريد لهم أن يعرفوه.
وفي غياب البحث عن وسائل الإنتاج والتكنولوجيا؛ والاكتفاء بتوزيع الريع وهندسته؛ فالدول الاستعمارية تشجعه وتساعد على استمراره وتكريسه لكونه لا يشكل خطرًا على مصالحها.
الهجرة هي حركة الأفراد أو الجماعات من منطقة جغرافية إلى أخرى بهدف الاستقرار بشكل مؤقت أو دائم في مكان جديد. وتختلف دوافع الهجرة بين اقتصادية، اجتماعية، سياسية، وبيئية، وغالبًا ما يسعى المهاجرون إلى تحسين ظروفهم المعيشية أو الهروب من ظروف غير مواتية في أماكنهم الأصلية.
الهجرة هي عملية انتقال الأفراد من وطنهم أو مكان إقامتهم الحالي إلى بلد آخر أو منطقة أخرى داخل نفس البلد بغرض العيش والعمل أو الدراسة أو لأسباب أخرى.
تكمن أهمية البحث والدراسة في موضوع ظاهرة الهجرة في بعض العناصر التالية:
ظاهرة الهجرة تخلق متاعب كثيرة لبلدان الاستقبال والبلدان الأصلية على حد سواء. فالهجرة ظاهرة عالميّة لها تأثيرات عميقة على البلدان الأصلية والمستقبلة.
الهجرة موضوع جد معقد، وله تأثيرات واسعة النطاق على الأفراد والجماعات، والمجتمعات والدول. ومن المهم أن تتبنى السياسات العالمية والإقليمية والمحلية والجهوية، مقاربات شاملة ومستدامة لإدارة وتدبير ظاهرة الهجرة والتخفيف من آثارها السلبية.
مكونات الهوية المغربية هي:
الهوية العربية؛
الهوية الإسلامية؛
الهوية الأمازيغية؛
ومن روافد الهوية المغربية: الحسانية واليهودية والأندلسية والمتوسطية والافريقية.
الكثيرون يستغربون كيف استطاع هؤلاء المرشحون للهجرة الجماعيّة التجمع في اليوم والساعة للوصول إلى تخوم مدينة سبتة المحتلّة بتلك الدقّة من التنسيق!؟
هؤلاء منظمون تنظيمًا محكماً؛ ومؤطرين تأطيراً جيداً على مستوى التنسيقيات في شكل خلايا نائمة: "جمعيات"، ومجموعات "واتساب"، فيسبوك… وغيرها. أما عملية التواصل؛ فالأمر سهل جداً في ظل ما تتيحه التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ووفرة شرائح أرقام الهاتف دون حسيب ولا رقيب.
بمجرد إقدام السلطات العموميّة على محاولة تفكيك تجمعاتهم في مكانٍ ما قاموا باحتلاله، وغالبًا ما يحتلون الملك العمومي الغابوي البحري؛ ما هي إلا ساعات معدودات حتى يشكلون تجمعاً دفاعياً وصموداً قوياً من مظاهره:
رشق عناصر السلطة التي تسهر على إنفاذ القانون، بالحجارة.
محاولات إضرام النار والهجوم بأسطوانات الغاز.
مدججين بالأسلحة البيضاء والسكاكين والهراوات.
يشكلون أحزمة بالنساء والأطفال في المقدمة.
يحاورون السلطات الأمنية؛ ويعتبرون ذلك حقًاً.
لكن كيف ينظر إلى شؤون الهجرة وحقوق الإنسان لدى دول الاتحاد الاوروبي؟ ما هي الشروط التي رافقت الهجرة نحو الدول الأوروبية؟ وكيف استفادت من روافد هذه الهجرة؟ وكيف أثرت في البنية الاجتماعية لهذه الدول؛ بما فيها الهجرة من دول أمريكا التي تشكل نسبة كبيرة من الهجرات؛ والتي تشكل استنزافًا للأدمغة والقوة العاملة للبلد الأم؟
تتعدد أسباب الهجرة؛ في بعدها الاقتصادي، حيث البحث عن الشغل والكسب والرزق، ومستقبلًا ستكون الهجرة بسبب الحروب، والبحث على والعيش في أمان، وكذلك البعد السياسي وطلب اللجوء، والبعد النفسي والاجتماعي والشعور بالكرامة الوجودية الإنسانيّة.
تتعدد أسباب الهجرة؛ والمغرب تاريخيًا هو أصلًا بلد هجرات، وثقافة مركبة خلفتها هذه الهجرات. كان إنسان مجتمع الواحات ولايزال؛ ينتظر الكرم الإلهي وما تجود به السماء من أمطار. لكن توالي سنوات الجفاف، وتراجع المناخ وانحباس المطر، يخيب آمال الناس الذين يعتمدون على نظام الفلاحة والزراعة والرعي في مختلف المناطق. وبتوالي سنوات الجفاف وتفاقم الأوضاع الصعبة؛ يدفع الجفاف الإنسان إلى الهجرة نحو المدن ومناطق أخرى للبحث عن الكسب؛ فتضعف المساحات المزروعة وتتقلص المغروسات داخل الواحات؛ حيث يستنزف الناس مخزونهم من الزرع والقمح والحبوب؛ فيتبعون الرعاة في هجرتهم؛ حيث تعتبر الجبال أقدام أماكن لاستقرار الإنسان منذ أمد بعيدة، خاصة الإنسان الذي يعتمد على زراعة الأشجار المثمرة، باعتبار الجبال خزانًا مهمًا للمياه.
تنامي ظاهرة الهجرة والنزوح: بسبب النزاعات الداخلية؛ تؤدي إلى هجرة ونزوح أعداد كبيرة من السكان، مما يزيد من الأعباء على الدول المجاورة والمجتمع الدولي ككلّ.
تطرح مسألة الهجرة كبديل حضاري، لكن ما هي شروط الانفتاح على الآخر؟ وما هي شروط الانغلاق على الذات؟
الهجرة نتيجة طبيعية لتنمية الدخل الاقتصادي، لكن تتطلب ايضاً عناصر أساسية مركبة، ومنها:
الرفع من سقف الحريات العامة وحقوق الانسان.
الرفع من سقف الديمقراطية؛
الرفع من سقف الحماية الاجتماعية؛
الرفع من سقف الحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان وحيث لا يصادر ويؤخذ منه ماله غصبًا عنه.
تتعدد أسباب الهجرة ما بين الدوافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية؛ ولمعالجة هذه الظاهرة، علينا النظر إلى حلول شاملة ومستدامة تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب الظاهرة؛ ومنها:
أولاً: تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلدان الأصلية التي تشكل منبع الهجرة؛ وذلك من خلال:
خلق فرص للعمل والشغل؛ عبر تشجيع الاستثمارات الجهوية والمحلية والأجنبية. ودعم المشاريع الصغرى والمتوسطة. وتحسين نظم التعليم لتلبية احتياجات سوق العمل؛ من خلال توفير برامج تدريب مهني متقدمة. وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني؛ عبر: تعزيز الحكم الرشيد وتعزيز الشفافية والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة. ومكافحة الفساد بكافة أشكاله.
ثانياً: تعزيز التنمية في البوادي والقرى: من خلال تطوير الزراعة وتحسين التقنيات الزراعية لزيادة الإنتاجية. وتوفير الدعم المالي والفني للمزارعين. وتنويع مصادر الدخل من خلال تعزيز الأنشطة الاقتصادية غير الزراعية. ودعم المشاريع الصغرى في المناطق الريفية.
تعزيز التعاون الدولي للتصدي لظاهرة الهجرة، من خلال تقديم المساعدات التنموية المستدامة. ودعم المشاريع التي تخلق فرص عمل محلية. وإعادة النظر في اتفاقيات الهجرة من خلال: تنظيم الهجرة بشكل يضمن حقوق المهاجرين. وتعزيز التعاون بين الدول في إدارة الهجرة. وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول. وتعزيز الشراكات بين الحكومات والمنظمات الدولية.
ثالثا: تعزيز الاندماج المجتمعي عبر برامج الاندماج ومن خلال دعم تعلم اللغة والثقافة المحلية للمهاجرين. وتوفير برامج تدريب وتأهيل مهني. ومكافحة التمييز وتعزيز سياسات مكافحة التمييز والعنصرية. ونشر الوعي بأهمية التنوع الثقافي. وحول مخاطر الهجرة غير الشرعية. وتقديم معلومات عن الفرص البديلة؛ من خلال:
توفير معلومات دقيقة عن فرص العمل والحياة في الخارج.
تعزيز الوعي بقوانين الهجرة وحقوق المهاجرين.
تطوير سياسات هجرة مرنة وعادلة.
تعزيز الهجرة النظامية ومحاربة الهجرة غير الشرعية.
دعم برامج العودة الطوعية للمهاجرين.
توفير الدعم لإعادة اندماجهم في مجتمعاتهم الأصلية.
غياب هذه العناصر يؤدي إلى خلق ظاهرة الحَيْطِزْمْ أو الاستناد إلى الحائط طول اليوم والتحدث إلى شخص آخر؛ في الحومة ورأس الدرب وفي الزنقة بالمدن؛ وبباب لگصر بالبوادي والقرى؛ في غياب فرص الشغل وقلة مايْدَّارْ؛ مما يؤدي إلى تراكم (هَشِيمْ) قابل للاشتعال في أية لحظة؛ يطلق عليه: اندلاع النار في الهشيم (wildfire).
وبالتالي؛ للحد من ظاهرة الهجرة يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا وجهودًا متكاملة؛ تشمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلدان المصدرة للمهاجرين. ومن خلال تطبيق الحلول المقترحة، يمكن تحقيق مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للجميع.
أسامة شنفار/ باحث في سلك الدكتوراه بجامعة القاضي عياض بمراكش