الأحد 6 أكتوبر 2024
سياسة

العميد يوسف البحيري يقدم قراءة في المسار الحقوقي والسياسي للمغرب في عهد الملك محمد السادس (الجزء الثاني)

العميد يوسف البحيري يقدم قراءة في المسار الحقوقي والسياسي للمغرب في عهد الملك محمد السادس (الجزء الثاني) العميد يوسف البحيري أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش

إن المكانة التي تشغلها حقوق الإنسان  والحريات العامة في النظام السياسي في عهد الملك محمد السادس طيلة ربع قرن من الزمن كرافعة للإصلاحات الدستورية والسياسية والقضائية والنهوض بالاقتصاد الوطني وجلب الاستثمار الاجنبي، أبانت عن الرؤية الثاقبة للعاهل المغربي في تعزيز دولة القانون والمؤسسات في الدستور الحالي والرهان على تجربة هيئة الانصاف والمصالحة  في معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من أجل التفاوض على الانتقال الديموقراطي وحفظ الذاكرة الجماعية وتجاوز الفترة العصيبة لسنوات الجمر والرصاص، وذلك بتبني استراتيجية اقتصادية وتنموية محورها المواطن في مناهضة الارهاب واتخاذ التدابير القانونية في حالة الطوارئ لمكافحة جائحة كورونا. ولتحليل المسار الحقوقي والسياسي للمغرب في عهد الملك محمد السادس طيلة   25 سنة، تستضيف "أنفاس بريس" العميد يوسف البحيري أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش لثلاث عقود ونصف من الزمن، وصاحب العشرات من المراجع القانونية منها الكتاب الصادر عام 2022والمعنون "التجربة المغربية في مجال حقوق الانسان والحريات الأصيل والمكتسب" للحديث في الموضوع.

 

ما هو تحليلكم لاستراتيجية المغرب في عهد الملك محمد السادس المتعلقة بمناهضة الإرهاب؟

تعتبر الدولة المغربية في عهد الملك محمد السادس نموذجا فريدا في التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى توفره على استراتيجية شاملة في هذا السياق ترتكز على التنمية البشرية والاقتصادية وتأطير المجال الديني قصد محاربة التطرف.

 

إن أهم ملاحظة أساسية يمكن تقديمها بشأن سياسة مكافحة الارهاب، هي الثقة الدولية لهيئة الامم المتحدة والمجتمع الدولي التي يحظى بها المغرب، حيث ترأست المملكة المغربية بشكل مشترك مع كندا المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب. وتجب الاشارة، الى أن لجنة مكافحة الارهاب التابعة لمجلس الامن اعتبرت الدولة المغربية نموذجا فريدا لعدة اعتبارات في غاية من الاهمية، أولها انخراط المصالح الأمنية المغربية في مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي والمساهمة في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي، وذلك من خلال تبادل معلومات استخباراتية مهمة مكنت مجموعة من الدول الصديقة من الوقاية وتفادي وقوع عمليات إرهابية تستهدف أمنها ومصالحها، خصوصا وأن سهولة تنقل المقاتلين من سوريا والعراق ساهم في توافد عدد كبير من الجهاديين الى كل أنحاء العالم. وفي هذا السياق أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الى أن المغرب يؤسس تعاونا أمنيا وثيقا مع شركائه الأوروبيين، ولا سيما بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا.

 

لقد طورت الدولة المغربية دينامية مقاربة هامة متعددة الأطراف في مجال مكافحة الإرهاب، التي لا ترتكز فقط على الجانب الأمني، بل تتجاوزه نحو إستراتيجية دينية وروحية ناجحة، تروم نشر القيم والمبادئ الإسلامية المتجسدة في التسامح والاعتدال والوسطية، وذلك من منطلق المكانة الدستورية والسياسية للملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين وضامنا للأمن الروحي والديني لدى مكونات المجتمع المغربي.

 

والجانب الثاني الذي يجب استحضاره في تحليل الاستراتيجية المغربية، هو التركيز على المقاربة في مجال التنمية السوسيو اقتصادية في سياقات مكافحة الارهاب، والتي تضع الفرد في صلب انشغالاتها من اجل محاربة الاقصاء والتهميش والتي تستخدمه الجماعات الارهابية من اجل توظيف عناصرها. وأكد المغرب أمام الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في معاهدة الأمم المتحدة باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة المنعقدة في فيينا، على توفره على استراتيجية متعددة الجوانب لمواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب بمحاربة التطرف الديني وحماية المجتمع من الهشاشة، وكذلك إدماج المهاجرين في المجتمع المغربي.

 

وعلى المستوى الميداني، فالسلطات الأمنية المغربية تمكنت بشكل مستمر من تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لمهاجمة أهداف مختلفة، من بينها مبان عامة وشخصيات ومواقع سياحية. كما نجحت منذ عقدين من الزمن في تفكيك شبكات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل لا سيما “ فتح الأندلس” و” المرابطون الجدد” المكونة من أعضاء من جبهة البوليساريو وجماعة أمغالا. ويحذر المغرب منذ سنوات من التواطؤ القائم بين القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ومليشيات البوليساريو في منطقة الساحل وما يشكله من تهديد حقيقي للاستقرار بدول شمال افريقيا.

 

إن العمليات الارهابية كانت بمثابة امتحان حقيقي وجسدت محطة أساسية لإختبار مدى قدرات الاجهزة المعنية على إحترام مبادئ وضوابط الحكامة الامنية في مناهضة الإرهاب، وهو ما يؤدي إلى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون وفي تكريس دور الأجهزة الأمنية في أن تكون في خدمة المواطنين وحماية الأرواح والممتلكات العمومية، وأن تساهم في ذات الوقت في السلم الاجتماعي و مأسسة البناء الديموقراطي و المجتمع الحداثي، مع منح كافة الضمانات لمحاكمة عادلة ومنصفة للمتابعين في ملفات جرائم الارهاب، متضمنة فرص براءة المتهم، وحق اختبار الأدلة والحق في الدفاع وغيرها.

 

ما هي قراءتكم لاستراتيجية المغرب في عهد الملك محمد السادس المتعلقة بتدابير حالة الطوارئ لمكافحة جائحة كورونا؟

أدى إنتشار جائحة كورونا إلى خلق أزمة صحية كونية غير مسبوقة أرعبت المجتمع الدولي، وأكدت على أن الاوبئة والفيروسات تشكل خطرا حقيقيا على الإنسانية. فالمجتمع الدولي أبان عن نوع من الضعف في مواجهة خطر جائحة الفيروسات، كما أن الفشل كان هو العلامة البارزة لهيئة الأمم المتحدة التي لم تتوفر على إستراتيجية إستباقية سواء تعلق الأمر بكيفية التصدي للوباء أو إرساء دعائم التضامن العالمي بشأن محاربة هذه الازمة الصحية الخطيرة..

 

كشف الوباء عن عجز لمستشفيات في إيواء جميع المصابين حتى في الدول المتقدمة مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإسبانيا. وأصبح الهم الأساسي لبني البشر في هذة الفترة الصعبة هو البحث عن الإحتياجات الطبية الأولية مثل (الكمامات)، التي أضحت عملة نادرة في العديد من الدول، لدرجة أن الأطباء العاملين في المستشفيات نشروا فيديوهات لمناشدة الحكومات والمنظمات الدولية والمانحين بضرورة توفيرها لهم، للحد من خطر الإصابة بعدوى كورونا.

 

فالمغرب كباقي دول العالم واجه تحديا حقيقيا، يتجلى في إتخاذ مجموعة من التدابير الصحية والقانونية من طرف الملك محمد السادس، تجلت في فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي والالتزام بقواعد النظافة والسلامة الصحية، والتي ساهمت في تجنب الأخطار المتعددة لفيروس كوفيد -19، وحماية ووقاية المغرب من الوباء وانخفاض حالات الوفيات والمصابين بالفيروس والحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.

 

لقد إتخذ المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس عدة تدابير اجرائية فعالة لمواجهة فيروس كورونا، وهي التي ساهمت الى حد بعيد في الحد من خطورة الوباء وتجلت في إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية ووضع الحواجز الأمنية للحد من تنقل الأفراد، الرفع من وتيرة التحاليل المخبرية، وإتباع بروتوكول علاجي بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا، وآخرها إطلاق تطبيق الكتروني لتعقب الأشخاص المصابين بفيروس كورونا لمنع تفشي الوباء.

 

فالدولة المغربية كانت سباقة لفرض حالة الطوارئ، مما أعطى صلاحيات إستثنائية للسلطات العمومية في إطار الدستور والقوانين، التي تقوم على حظر التجول على نطاق واسع بهدف الحجر والعزل قصد الحد من انتشار الفيروس القاتل، مع توزيع الكمامات الطبية على المواطنين بأثمان مناسبة تستجيب للقدرة الشرائية للفئات العريضة من المواطنين المغاربة.

 

كما تم إحداث صندوق خاص بمكافحة فيروس كورونا، تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس، وذلك من أجل تدبير ومواجهة الجائحة الوبائية، وتأهيل البنيات الصحية، والحد من أثار هذا الوباء على الاقتصاد الوطني. كما ساهم هذا الصندوق الخاص بالتكفل بالنفقات المتعلقة بالفئات المعوزة من المواطنين، ومنح تعويض شهري طيلة الفترة الممتدة من 15 مارس الى 30 يونيو 2020، لفائدة الأجراء والمستخدمين بموجب عقود الاندماج والبحارة الصيادين المتوقفين مؤقتا عن العمل المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمنتمين للمقاولات التي تواجه صعوبات، بالإضافة إلى الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية.

 

فمن الدروس المستقاة من مكافحة جائحة كورونا بالمغرب، هو أن عموم المواطنين أبدوا إستعدادا كبيرا للتضحية بالحياة العادية والعلاقات الاجتماعية والعمل والذهاب إلى المساجد والتجول والرياضة والترفيه، ويمكن إستغلال الفرصة لتحية القطاع الطبي والمكلفين بانفاذ القانون ونساء ورجال التعليم والقضاء والاعلام وقطاع النظافة على روح المواطنة والتفاني في خدمة هذا البلد الأمين.

 

وبناءا على ما سبق، يمكن القول بأن نجاعة وفعالية التدابير الوطنية المتخذة بالمغرب لمواجهة فيروس كوقيد–19 في حالة الطوارئ، والتي منحت السلطات العمومية صلاحيات واسعة إستثنائية بموجب الدستور، ساهمت في نجاح التجربة المغربية للحكامة الأمنية في تدبير وتطبيق اجراءات الحجر الصحي وحظر التجول من طرف المكلفين بإنفاذ القانون للحفاظ على النظام العام، وعكست وجود تضامن حقيقي بين جميع مكونات المجتمع، من أجل حماية الصحة العامة.

 

فبصفة عامة، أبان المكلفون بإنفاذ القانون عن الانخراط في دينامية الحكامة الأمنية وحماية النظام العام في حالة الطوارئ، وعبروا عن روح المسؤولية والمواطنة في ممارسة الصلاحيات الممنوحة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم وواجباتهم، والامتثال للمعايير الدولية لحقوق الانسان التي تهدف في هذا الإطار إلى ضرورة إعمال مبادئ المشروعية والضرورة والإلمام بالقانون، في تطبيق اجراءات الحجر الصحي وحظر التجول.

 

كما أن المغرب إحترم الضمانات الدولية للرعاية الصحية المنصوص عليها في المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، وإتخذ جميع التدابير اللازمة لتأمين الوقاية والرعاية الطبية لجميع المواطنين المصابين فيروس كوفيد– 19، مع مراعاة المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس أو الانتماء الاجتماعي أو الجغرافي في الإستفادة من الرعاية الصحية.