الأحد 24 نوفمبر 2024
فن وثقافة

حقيقة رواية "رداء النسيان" للمخرج والكاتب إدريس الروخ

حقيقة رواية "رداء النسيان" للمخرج والكاتب إدريس الروخ المخرج والروائي إدريس الروخ و رواية رداء النسيان
لابد أن يكون القاريء منجذبا لمعرفة حقيقة رواية كتبها مخرج معروف في مجال صناعة الصورة، ولسيت هذه الرواية سوى "رداء النسيان" للممثل والكاتب والمخرج إدريس الروخ، الذي اجتمع فيه ما تفرق في غيره، داخل مضمار الكتابة الروائية، فهو كما هو معلوم، تسعفه أدوات الإخراج لتحويل النصوص والسيناريوهات، لمشاهد تتداخل وتتناغم، لتشكل سردا بصريا، يتطلب فقط الجلوس أمام شاشة وتناول حبات الحمص أو الذرة واستقبال الصور والمؤتراث البصرية بالعين والحوار والمؤتراث السمعية بالإذن وترك العقل والروح، يتجاوبان مع  الصور المتعاقبة، حسب خيط رفيع، يربط رؤية المخرج بوعي المتفرج لتشكيل ثلاثية [مرسل .. قناة تواصل سمعية بصرية .. مرسل إليه]، وصولا للأثر والتأثر.
 
وهنا يبدو المرسل إليه أي المتلقي في وضعية مريحة نوعا ما، خصوصا وأن من بين أهم اهداف السينما أو الدراما التلفزيونية، الترفيه والتسلية ويمكن أن تكون هذه الوسائط أيضا "بريدا مرئيا" لبعث رسالة معينة، لكن في الرواية يختلف الأمر بشكل أكثر تعقيدا، فالصورة في الرواية ليست جاهزة بمعنى (تسليع الصورة المتحركة)، بالطلب والعرض والتسليم بعد الضغط على زر التشغيل، إذ تتشكل الصورة في الرواية الأدبية داخل العقل والوجدان ويستقبلها كل متلقي حسب التراكيب اللفظية والجمل النثرية، التي تؤسس فصول الرواية انطلاقا من القاموس الذي اعتمد عليه الروائي والحقول الدلالية التي سبح فيها قلمه بأجنحة المداد وتتطلب مسألة إدراك هذه الالفاظ ومعانيها، القراءة المتأنية الواعية، لاستنباط الأفكار والأغراض والخلفيات والتحليل والاستيعاب والوصول إلى عمق السرد وهدفه الأسمى.
 
وحتى لا نسبح خارج بحر سطور رواية "رداء النسيان"، سترفع شبكة السرد في هذا المقال، تركيبا لفظيا وعبارة تضمنتها فقرة من الرواية، حول معطى البحث عن الحقيقة وهي فرصة سانحة أيضا للحديث عن مفهوم الحقيقة من وجهة نظر الكاتب، حيث جاء في الصفحة 249، ( ليس دائما البحث عن الحقيقة خلاصا للروح، فللحقيقة أوجه متعددة، فقد تقودك إلى الحياة، كما قد تؤدي بك إلى الموت، قد تدمر فيك الإنسان، وقد تبعث ملائكة الرحمان ينشرون بداخلك السلام ..).
 
داخل ألفاظ ومعاني هذه الفقرة من رواية "رداء النسيان"، يتطرق المؤلف إدريس الروخ لطبيعة مفهوم الحقيقة، التي تتخذ أبعادا متعددة، وتنطوي على تناقضات متجاذبة، فعبارة - للحقيقة أوجه متعددة - تؤكد حسب رؤية الكاتب أن الحقيقة ليست واحدة مطلقة، ويمكن إذن بتحريض أدبي فكري من الكاتب أن نفسر هذا الآمر بكون الحقيقة هي تفاصيل بزوايا ورؤى قد تختلف باختلاف الأشخاص وتباين وتعارض المصالح والمواقف والمواقع، وبديهي أن يخلف هذا التناقض صعوبة وعذابا في مسارات البحث عن الحقيقة، فهي إذن مهمة شاقة ومعقدة، ومحفوفة بالمخاطر، وينتقل إدريس الروخ بعد ذلك إلى تسليط الضوء على التأثير النفسي العميق للحقيقة على الروح، في جملة (قد تقودك إلى الحياة كما قد تؤدي بك إلى الموت، قد تدمر فيك الإنسان ..)، وتعبر هذه الجملة عن عدم ضمان الباحث عن الحقيقة لجني فواكهها والتمتع بثمارها الحلوة، فالنتائج الناجمة عن سعي الإنسان وراء البحث عن الحقيقة ليست دائما ضامنة للطمأنينة أو ملاذا آمنا، بل حسب الرواية يمكن أن تكون النتائج مدمرة للذات الإنسانية، وقد تنقلب في غفلة من الباحثين عنها إلى التسبب في الانهيار النفسي والخراب الداخلي وقد تكون حقيقة "رواية الروخ"، سببا في خلاص الروح. 
 
لقد وظفت رواية "رداء النسيان" في تطرقها للحقيقة، ثنائيات متعارضة لسبر أغوارها وتعميق الفهم لإدراك تعقيدات البحث والوصول للأهداف المنشودة من الحقيقة، كفكرة ومطلب ومكسب، فعبارة (قد تدمر فيك الإنسان وقد تبعث ملائكة الرحمان ينشرون بداخلك السلام ... )، تشرح كيف يمكن للحقيقة أن تلبس ثوب القسوة ورداء الدمار .. حينا، وكيف يمكن أن تكون حينا آخر، سببا في الوصول إلى السكينة والسلام الذي صورته الرواية بعبارة (قد تبعث ملائكة الرحمان ينشرون بداخلك السلام ..)، وهذا التناقض يعكس أيضا الطبيعة المعقدة للإنسان وكيف أن الحقائق التي تصل إلينا أو نصل إليها على اختلاف مصادرها، يمكن أن توثر فينا بطرق متباينة ومتعددة، وهذا التصور يعكس الطبيعة المعقدة للإنسانية وكيف أن الحقائق التي نكتشفها تؤثر فينا بطرق متعددة.
 
إن استثمار رواية "رداء النسيان" لمفهوم الحقيقة داخل السرد الروائي، يحيلنا لا محالة على مقولة "الحقيقة نسبية" وعندما يقال أنها كذلك .. فهي إذن غير مطلقة، ويمكن الاستدلال بكون الفيلسوف الألماني نيتشه، هو أحد الفلاسفة البارزين الذين تناولوا هذا المفهوم بعمق، إذ يعتبر أن الحقيقة ليست مطلقة، بل هي مسألة تفسيرات وتصورات فردية تحتكم إلى الظروف والسياقات.
 
وبالرجوع للرواية فهي تشير أن الحقيقة لها أوجه متعددة، مما يعني أن الحقيقة يمكن أن تكون متناقضة في تأثيراتها ونتائجها على الشخص، ويعبر نيتشه عن فكرة أن الحقيقة تعتمد على منظور الفرد وتفسيره، فليس هناك حقيقة واحدة مطلقة، بل مجموعة من الحقائق التي تختلف باختلاف الأفراد والظروف، لكن توضح الرواية كيف يمكن للحقيقة أن تكون مدمرة أو ملهمة، محطمة أو باعثة للسلام، مما يعكس تعدد تأثيراتها.
 
و بالنسبة لنيتشه، تعتمد الحقيقة على السياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي، وهي تتغير بتغير هذه السياقات وبالتالي، ما قد يكون حقيقة في سياق معين يمكن أن يكون باطلاً في سياق آخر، ويمكن أن تكون الحقيقة مصدرا لقوى اجتماعية ونفسية أو مرتبطة بالقوة والسلطة، والخلاصة هي أن الحقيقة ليست كيانا ثابتا بل هي مرتبطة بالأهداف والرغبات الفردية.
 
 لقد أعطت رواية "رداء النسيان" نظرة مركبة لفهم الحقيقة، وبالتالي تقبل تناقضاتها وتأثيراتها على النفس البشرية حين البحث عنها (الحقيقة).
 
وحقيقة .. وهذا الأمر ليس نسبيا في هذا السياق، فرواية المؤلف إدريس الروخ، لخصت مفهوم وأثر الحقيقة في فقرة مقتضبة ومطروزة بعناية على مستوى اللفظ والمعنى، حيث خلصت الفقرة المذكورة داخل "رداء النسيان"، إلى أن البحث عن الحقيقة يتطلب من الفرد التأمل بعمق والتفكير برزانة في كيفية فهم الحقيقة والتعامل معها ومع نتائجها.