المعارضة السياسية هي مؤشر في بورصة الديمقراطية. قوة اقتراحية ومؤسسة تقييمية وتقويمية تجسد دور المؤسسات وتفعل حقيقيًا مبدأ فصل السلطات، تمهيدًا للمحاسبة من خلال الصناديق الزجاجية.
ذلك ما أكده د. يوسف بونوال، عضو المجلس الوطني للحركة الشعبية، استنكارًا لجملة تفوه بها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، "لا يهمنا ما تقولون"، مخاطبًا أحزاب المعارضة خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب التي انعقدت يوم الإثنين 10 يونيو 2024.
وهو ما استفز عضو المجلس الوطني للحركة الشعبية واصفًا تصريح رئيس الحكومة بأنه تبخيس للمعارضة ونهج سلوك استعلائي واستقوائي بكثرة عددية هجينة، ومثله بمثابة ردة في تقوية المؤسسات وضرب صارخ في بناء دولة الحقوق والواجبات. فيما يلي رد بونوال الذي توصلت به "أنفاس بريس":
"لا يهمنا ما تقولون" جملة تفوه بها السيد رئيس الحكومة، مخاطبًا أحزاب المعارضة خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب التي انعقدت يوم الإثنين العاشر من يونيو 2024. كلمتان خفيفتان على لسان رئيس الحكومة، ثقيلتان في ميزان السياسة والبناء المؤسساتي لبلدنا. قد تكون ردة فعل نتيجة غضب أو انفعال غير متحكم فيهما، أو ربما رسالة واضحة وصارمة للمعارضة معلنة الممارسة الفعلية للتحكم وتكميم الأفواه. طامة كبرى في كلتي الحالتين لأن الصفة المؤسساتية لرئيس السلطة التنفيذية هي بمثابة الحصن الحصين ضد هذه المنزلقات أو العنتريات داخل حرم السلطة التشريعية حيث تمثيلية الأمة، بكل اختياراتها، لها قدسيتها وهيبتها.
قد يقول قائل هذا مكان للتدافع والترافع. أقول نعم وأكيد ومؤكد، لكن ليس على حساب الديمقراطية ومبدأ فصل السلطات ومغرب المؤسسات.
لاحظ كثير ممن يشاهد الجلسات المباشرة للبرلمان سلوكًا غريبًا وأشد غرابة في تصرف بعض برلمانيي الحكومة. اختلطت المفاهيم وتداخلت الأدوار وأصبح الحابل نابلًا نتيجة بزوغ فئة حماة السلطة التنفيذية من موقع السلطة التشريعية في ضرب صارخ لمبدأ "مونتسكيو". أصبح بعض البرلمانيين أكثر "تاوزريت" من الوزراء أنفسهم، رافعين لواء النصرة لتبرير غياب أو للإجابة بالوكالة على أسئلة وتساؤلات ممثلي الأمة. ممارسات دخيلة قد تبخس دور المؤسسات وتساهم في النفور من العمل الحزبي و"تشرعن" العمل السياسي من خارج الوسائط.
إن ما نعيشه اليوم من استقرار سياسي، يُكثر من حسادنا، هو نتاج تضحيات على امتداد سنوات عرفت فترات حرجة انتهت بتوافق وتناوب وإجماع على المرتكزات الأساسية والقوية لبلدنا تحت جناح مؤسسة ملكية جامعة وحاضنة وضامنة لحقوق المواطنة وعلى نفس المسافة مع كل الفاعلين السياسيين.
نعمة الاستقرار والإجماع هي بمنزلة نعمة الروح داخل الجسد. المعارضة السياسية مؤشر في بورصة الديمقراطية. قوة اقتراحية ومؤسسة تقييمية وتقويمية تجسد دور المؤسسات وتفعل حقيقيًا مبدأ فصل السلطات تمهيدًا للمحاسبة من خلال الصناديق الزجاجية. وجود معارضة مسؤولة ومواطنة وفعالة وناجعة من أسس بناء الدولة الحديثة ومن مؤشرات البناء الديمقراطي والتناوب الحقيقي على السلطة. تبخيس المعارضة وتوصيفها بنعوت لا تستقيم ونهج سلوك استعلائي واستقوائي بكثرة عددية هجينة اجتمعت صدفة وعن غير ميعاد، هو بمثابة ردة في تقوية المؤسسات وضرب صارخ في بناء دولة الحقوق والواجبات.
"لا يهمنا ما تقولون" بل "يهمكم ما نقول"
نقول إن القدرة الشرائية للمغاربة ضُربت في مقتل. إن قفة العائلة المغربية البسيطة، وما أكثرها، وكذلك المتوسطة، وما أكثر تآكلها، أصبحت هزيلة وبئيسة ومكلفة. لا تلك التي كانت متنوعة بأشكالها وألوانها، بخضرها ولحمها وسمكها.
نقول إن نسبة مهمة من العائلات المغربية لم تجد الكفاية للاحتفال بعيد الأضحى الأخير، ليس ترفًا أو "رِدَّة" إنما من مدخل العجز والعوز وكأننا نشرعن لسلوكيات جديدة في معتقداتنا.
نقول إن الملفات المطلبية تعرض الآن على جنبات الطرق بالشوارع الرئيسية لبعض المدن خارج إطارها الطبيعي، وأضحى الحوار بصوت مزج بين صيحات الحناجر وضجيج السيارات. نقول إن كلامك نقطة أفاضت كأس التغول العددي وضربت عرض حائط شرعية من أعطى أصواته لمن لا يجالسونكم في الحكومة وتعلمون علم اليقين أن رئيس الحكومة هو رئيس جميع المغاربة، مؤيدين ومعارضين وحتى أولئك الذين لم يصوتوا.
أبجديات "حرفة" رئيس الحكومة تنهل من ممارسة سياسية مسؤولة تغلب المصلحة العامة على المنافع الحزبية الضيقة أو الحسابات السياسية الانتخابوية.
لا نطلب من رئيس الحكومة أن ينسلخ عن جلده الحزبي وإنما نريده أن يلبس جلباب رئيس الحكومة بكل أناقة.