منذ استقلالها، تواصل الجزائر عدوانها الذي لم ينقطع على المغرب، وكأن قدر البلدين هو أن يظلا خارج التفاهم، وأن يستقرا في التوتر المؤبد. بل الأدهى من ذلك أن الجزائر تصر على أن يظل هذا التوتر جزءا لا يتجزأ من سياستها الإقليمية، دون أن تترك أي مساحة بشكل أو بآخر للتسوية والانفراج والتطبيع.
لقد تأسست الجزائر من أجل عرقلة المغرب، ذلك أنها لا تغفل أي فرصة لتذكيره بأنه "عدو تاريخي"، بل لم تتوقف، في كل المراحل التي مر منها نزاع الصحراء، على محاولة إلحاق أصدقائها بهذه العداوة، رافضة أي صيغة من صيغ الحوار، وأي ضرب من ضروب الانتقال الضروري إلى الشراكة وحسن الجوار.
لا يهم الجزائر أن يستمر هذا النزاع الإقليمي أو ينتهي، ولا يهمها «الحل»، بقدر اهتمامها التام بالدفاع عن «سيادة النزاع»، لأن كل مفاصل الدولة الجزائرية تقوم عليه، وتؤسس بنيانها على استمراره، وإلا ما هو السر في احتضان انفصاليي البوليساريو على نحو تام وتمويلهم وتسليحهم، وكأنهم ضرورة داخلية وخارجية؟ ما السر في استبسال الجزائر في الدفاع عن «الجمهورية الوهمية» بالأموال والسلاح والأرواح؟ هل بإمكان الجزائر أن تلعب دورا ديبلوماسيا آخر دون أن تحتفظ لهذه العداوة بالمكان الأوسع في سياساتها ومخططاتها؟ هل يمكن للعسكر الجزائري أن يقنع الجزائريين بأسباب وجوده دون أن يحول المغرب إلى عدو يتربص بأمنه واستقراره؟ هل يمكن للجزائر أن توجد في العالم دون أن يكون الوجود المغربي هو المحفز على هذا الوجود، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا؟
يدرك كابرانات الجزائر أن وجودهم تحت ضغط الحرب «العدو الخارجي الدائم»، لن يكون هو نفسه في غيابها، لأنه سيكون مهددا بالأزمة الداخلية والوضع السياسي المنحط والبئيس. إنهم بحاجة ماسة إلى المغرب قدر حاجتهم إلى الهواء والغذاء.
المغرب حاجة بيولوجية، ولا يمكنهم الاستغناء عن معاداته. ولهذا، فهم يعيدون إنتاج العداوة بكل الصيغ الممكنة، وبكل وعي.
وتبعا لذلك، لا ينبغي أن نتعامل مع السياسة الجزائرية تجاه المغرب بمنطق سيكولوجي يضعها في دائرة الشعور بالنقص والأنفة «النيف» والرغبة في الانتقام والندية مع دولة ضاربة جذورها في التاريخ. ذلك أن عداوة الجزائر للمغرب ليست ردة فعل، بل نقطة ارتكاز حيوية في السياسة الجزائرية تحولت، تدريجيا وعلى مر السنين، إلى عقيدة يصعب العدول عنها في المدى القريب والمتوسط، ولا يمكن للجزائر في ظل الظروف الراهنة أن تتخلى عنها. إن الأمر لا يتعلق بأي عوز إلى الأريحية الأخلاقية، ولا بأي شكل من أشكال التعالي على اليد الممدودة، ولا بأي تهديم لجسور التعايش السلمي والتعاون المشترك. الأمر أعقد من ذلك لأن النسيج السياسي الجزائري بُني، منذ الهواري بوخروبة إلى الآن، على التحرش الجزائري بالمغرب «ترسيم الحدود مازال عالقا بين البلدين».
لكل ذلك، لم يكن بوسع المغرب إلا أن يتصدى لهذا الجوار غير السوي، وأن يخوض الغمار الحقيقي للحرب بكل الأسلحة الممكنة، بدل الوقوف المفرط في الحكمة المتعذرة، وأن لا يتوانى في رد الصاع صاعين للعسكر الجزائري وممثليه وأصدقائه وحلفائه في كل المنتديات الدولية، وعلى رأسها اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة وغي ها من المنتديات العالمية، والتدخل بكل احترافية لإبطال جميع مؤامرات عسكر الجزائر، ونسف كل أطروحاتهم التي تصب كلها في معترك الانتصار للانفصاليين..
فعلى امتداد السنوات الأربع الأخيرة، أبدى المغرب، على لسان ممثله الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمر هلال، شراسة كبيرة في الدفاع عن المصالح الحيوية للمغرب، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية، وذلك من خلال:
أولا: التركيز على مغربية الصحراء على نحو لا لبس فيه تاريخيا وسياسيا وثقافيا، وأنها ستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما أكد على ذلك الملك محمد السادس في عدة مناسبات.
ثانيا: مبادرة الحكم الذاتي تعد الحل الوحيد والأوحد لنزاع الصحراء المغربية، ولا وجود لأي حل خارج سيادة المغرب على جميع أراضيه.
ثالثا :فضح ما تقوم به الجزائر، من تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، ومن عرقلة لأي مخطط لتنزيل العملية السياسية الأممية..
رابعا: كشف الوجه الإرهابي للجزائر عبر إيواء وتسليح جماعة انفصالية «البوليساريو» لها صلات مثبتة بالتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، فضلا عن الاستعانة بدول وجماعات لها تاريخ طويل مع الإرهاب والسلاح، مثل إيران وحزب الله. وقد أظهر المغرب دائما أنه بالمرصاد للإرهاب وأن يده ممدودة للأمم المتحدة، ولجميع الدول التي اصطفت ضد الإرهابيين، من أجل فض الاشتباك القائم بين الانفصال والإرهاب.
خامسا: إماطة اللثام عن حقيقة أن الجزائر ليست دولة تستضيف لاجئين، وإيضاح بالدليل والبرهان أن دولة تحتجز سكانا ينحدرون من المغرب ومن دول مجاورة، تحت طائل التهديد بالإعدام»، خاصة أن مخيمات الاحتجاز بتندوف هي في الواقع منطقة خارجة عن القانون ومسرحا لانتهاكات خطيرة وواسعة النطاق للقانون الدولي، وهو ما يفرض تحميل المسؤولية «الثابتة» للسلطات الجزائرية.
سادسا :التنديد بتجنيد أطفال مخيمات تندوف وإجبارهم على الانضمام إلى ميليشيات «البوليساريو»، مما يمنح لهذه الممارسة صفة «جريمة حرب» وفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
سابعا :إبراز إقدام العسكر الجزائري، بتنسيق مع زعماء البوليساريو، على سرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تندوف، والتلاعب بها، واقتسام عائداتها، دون أن تصل إلى وجهتها الحقيقية «السكان المحتجزون»، علما أن المجتمع الدولي هو الذي يقدم الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية، بينما «تكتفي» الجزائر بتوفير «منطقة العمليات الحربية» وتخصيص ملايير الدولارات من أموال الشعب الجزائري لتسليح جماعة «البوليساريو» وضمان الدعم الدبلوماسي لها في جميع أنحاء العالم..
ثامنا: فضح انتصار الجزائر لما تسميه «مبدأ تقرير المصير» بخصوص قضية الصحراء، وغض الطرف عن المبدأ نفسه بخصوص حق الشعب القبايلي في تقرير مصيره، وهو الحق الذي كان يطالب به هذا الشعب حتى قبل إنشاء الدولة الجزائرية في العام 1962، علما أن تعداد هذا الشعب يصل إلى 12 مليون نسمة، أي ثلث ساكنة الجزائر.
تاسعا :إدانة رفض الجزائر العودة إلى اجتماعات الموائد المستديرة، وتسجيل أن ذلك يشكل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن والقانون الدولي وشرعية الأمم المتحدة.
عاشرا :توضيح أن السياق الذي عُرضت فيه قضية الصحراء على اللجنة الرابعة انتهى وليس من مبرر لاستمرار إدراجها في جدول أعمال هذه اللجنة، لأن ليس هناك أي مجال للحديث عن تصفية الاستعمار أو ما شابه، ما دام أن المغرب استرجع ترابه وقدم مقترحا للحكم الذاتي، وهو أقصى ما يمكن أن يسمح به لتسوية هذا النزاع المفتعل.
لقد ركز المغرب «عبر سفيره بالأمم المتحدة» أمام العالم أن المغاربة هم الذين يحملون هموم إفريقيا، وأنهم الملتزمون بالقضية الفلسطينية على الأرض، وليس بالمزايدات والشعارات واعتماد الانتهازية السياسية من أجل النيل من المغرب أمام أشقائه العرب والمسلمين، ولو على حساب الإجماع العربي الإسلامي على عدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة.
لقد أدرك المغرب دائما أن كابرانات الجزائر لا يمكنهم أن يستمدوا من ذواتهم قرار «إسكات طبول الحرب» مع المغرب، أولا: لأنهم لا يستطيعون القيام بأي شيء آخر خارج الحرص على إنتاج أسبابها، حتى لو اقتضى الأمر الإقدام على الزعماء السياسيين الأحرار «ولنا في ملف الرئيس محمد بوضياف خير مثال»؛ وثانيا: لأن العسكر يقوم بحرب بالمناولة لصالح قوى أخرى، وعلى رأسها الدولة العميقة بفرنسا «صانعة «الدولة الجزائرية» والقائمة على شؤونها الاستراتيجية»، ولن يجرؤ أي «شنقريحي» منهم على الخروج عن الصف، ما دام المنطق الحربي يجر معه صفقات بملايير الدولارات؛ وثالثا: لأن النخبة العسكرية الجزائرية ترعرعت على أن الفعل السياسي يولد في الثكنات ومراكز الاستخبارات، وأنه لا يعني أي شيء خارج الهيجان اللفظي والسعي إلى الوصول إلى «أقوى جيش في العالم» «أين ذهبت جيوش الحلف الأطلسي؟ وأين ذهب جيش الصين والجيش الروسي والجيش الهندي؟.. إلخ».
من الواضح، إذن، أن المغرب يدرك أن هذا التمادي ليس تعبيرا عن الإحساس بالنقص، بل يتخطى ذلك إلى استراتيجية متكاملة الأركان، تطمح إلى أن تكون دائمة الوجود، وليس للمغرب والحالة هذه إلا أن يستمر في سياسة الإقناع على المستوى الدولي لحيازة اعتراف باقي القوى العظمى بمغربية الصحراء، وفي تقوية الجبهة الداخلية الوطنية، وفي تطوير سلاح القوات المسلحة الملكية وترسيخ مهنيتها وتحديث آلياتها، وفي التوجه نحو المستقبل عوض الانشغال بإبطال المؤامرات التي لم تعد تنطلي على أحد. لقد تغير العالم، والعسكر الجزائري لا يريد العودة إلى ثكناته، ويستبسل من أجل الإبقاء على احتكاره للثروة والسلطة، وإفساد أي تفاهمات إقليمية ممكنة، ولو على حساب الشعب الجزائري..