الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: "…ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا…"

أحمد الحطاب: "…ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا…" أحمد الحطاب
عنوان هذه المقالة، هو، في الحقيقة، جزءٌ من الآية رقم 3 من سورة المائدة. بعد ثلاثة وعشرين سنة، وهي المدَّة التي استغرقها نشرُ الرسالة الإسلامية المنزَّلة على آخرِ الأنبياء والرُّسل محمد (ص)، لمَن يوجِّه اللهُ، سبحانه وتعالى، كلامَه في هذه الآية الكريمة؟
هل كلامُ الله موجَّهٌ فقط وحصريا للذين آمنوا من المسلمين في عهد الرسول (ص)؟ أم كلامُه موجَّه لمَن سيتَّخذون الإسلامَ دينا بعد وفاة الرسول (ص)؟
أنا شخصيا، أعتقد أن كلامَ الله، في هذه الآية الكريمة، موجَّهٌ، في آنٍ واحدٍ، للفئتين، أي للذين آمنوا في عهد الرسول (ص)، وكذلك، للذين سيؤمنون بعد وفاة الرسول (ص). لماذا؟
لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، في قرآنه الكريم ، يدعو الناسَ للدخول في الإسلام. فليس من المنطق أن يدعوَ الناسَ للدخول في دين الإسلام، وفي نفس الوقت، يوجِّه كلامَه فقط للذين آمنوا في الماضي، وهو أعلم وأدرى بمَن سيؤمن في المستقبل. 
فما هو المقصود من هذا الجزء من الآية الكريمة رقم 3 من سورة المائدة؟ وحتى أُعطي لهذا الجزء من الآية المذكورة، حقَّه من الاهتمام (علما أن كلَّ آيات القرآن الكريم لها أهمِّية، ماضياً، حاضراً ومستقبلاً)، سأُحلِّل هذا الجزء من هذه الآية بالتَّدريج.
 وأول ما أبدأ به هو : "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ". ما يُثيرُ الانتباهَ هنا هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، يقول "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"، متوجِّها للذين آمنوا، أي الذين اختاروا الدين الإسلامي عن طواعية، أي اختاروه من أعماق قلوبهم وعقولهم. وهذا دليلٌ على أن وحدانيةَ الله لا يُنقَصُ منها شيءٌ أو يُزاد إذا آمن الناسُ أو لا يؤمنوا. إنه، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن عباده، مصداقا لقوله، عزَّ وجلّ : "وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت، 6). وهذا، كذلك، دليلٌ على أن للهَ، سبحانه وتعالى، يُنير للناس، طريقَه المستقيم، ويترك لهم الاختيارَ ليؤمنوا أو لا يؤمنوا.
أما فعل "أَكْمَلْتُ"، فمعناه أن دينَ الإسلام أصبح مكتملا ولا يحتاج إلى مَن يزيد فيه أو ينقص. كما أن نفسَ فعل "أَكْمَلْتُ"، يعني أن الرسولَ (ص) أدى أمانةَ التبليغ على أحسن ما يُرام. وحتى إذا مات الرسول (ص)، فسيترك للناسِ، حاضراً ومستقبلاً، دينا مكتملا لا حاجة للزيادة فيه أو النُّقصان منه.
أما "وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى"، فالمقصود منها هو أن اكتمالَ الدين مصحوبٌ بالنِّعمة. والنِّعمةُ في هذه الآية، المقصود منها هو إخراج مَن آمن من الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والحق والخير. وإخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان  والحق والخير فيه، هو الآخر، نِعَمٌ كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (النحل، 18).
أما "وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا"، فالمقصود منها هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، بعد إكمالِه للدين الإسلامي، رَضِيه، كدينٍ، للمؤمنين منذ أن بعثَ أول رسولٍ، نوح عليه السلام، إلى آخر الرُّسل والأنبياء، محمد (ص). والدليل على ذلك أن كلمةَ "دين" وردَت في القرآن الكريم بصيغة المفرد، أي أن جمعَ هذه الكلمة "أديان" غير واردٍ في هذا القرآن. وهذا برهان قاطعٌ بأن الدينَ عند الله واحدٌ. وهو الدين الذي أمر اللهُ، سبحانه وتعالى، رسلَه بنشره بين الناس.
إذن، بعد وفاة الرسول محمد (ص)، كان الإسلامُ، كما سبق الذكرُ، دينا مكتملا، أي انتهى، سبحانه وتعالى، من بنائه وتِبيانِه للناس. لكن، هل وفاةُ الرسول (ص) تعني نهايةَ نشر الإسلام؟ لا أبدا! بل الرسول (ص) قام بمهمَّة التَّبليغ وترك للناس أعظمَ وأسمى وأنفع كتابٍ منزَّلٍ من عند الله ألاَ وهو القرآنُ الكريمُ المعزَّزٌ بسُنَّة الرسول (ص)، الصحيحة. وما دام الرسول (ص) بُعِثَ للبشرية جمعاء، وما دام القرآن صالحا لكل زمان ومكان، وما دام هذا القرآن موجَّها، هو الآخر، لجميع الناس، فالدعوة إلى الإسلام تبقى قائمة إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها. 
السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو الآتي : "ما دام الإسلامُ، كدينٍ، أصبح مكتمِلاً بعد وفاة الرسول (ص)، وما دام كل الصحابة الذين كانوا يساعدون الرسول في نشر الإسلام أصبحوا كلهم في عِداد الأموات، وما دامت الدعوةُ إلى الإسلام قائمة، وما دام القرآن الكريم صالحا لكل زمان ومكان، فمَن الذي، أو بالأحرى، مَن الذين، من المفروض، أن يتولَّوا مهمَّةَ نشر الدين الإسلامي"؟
وعندما أتحدَّثُ عن نشر الإسلام، فالأمرُ لا يتعلَّق بنشره بالعُنف والقوة، كما كان الشأن في الماضي. بل يتعلَّق الأمرُ بنشرِه بالإقناع والاستدلال بالقرآن والسنة الصحيحة والموغظة الحسنة، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل، 125).
وجوابا على السؤال أعلاه، أقول : "من المفروض أن مَن تقع عليهم مسئوليةُ نشر الإسلام، بعد وفاة الرسول (ص) وكل الصحابة، هم أهل الذكر من علماء وفقهاء، المتخصِّصين في مختلف مجالات المعرفة الدينية".
غير أن أهلَ الذكرِ من فقهاء وعلماء، المتخصصين في مختلف مجالات المعرفة الدينية، عوض أن يُحافظوا على وحدة الدين وأن يعتبروه كاملا ومكتملا، فرَّقوه إلى مذاهب وطوائف وفِرقٍ تتناحر وتتطاحن فيما بينها. وكل مذهب وكل طائفة وكلُّ فرقةٍ يريد/تريد أن يفرضَ/تفرضَ فهمَهذا للدين على الآخرين. وكلما ازداد عدد الشيوخ (فقهاء وعلماء) وأتباعُهم، كلما ازداد الاختلافُ بين المذاهب والطوائف والفِرق. إلى درجة أن لكل مجموعة فهمُها للدين خاصٌّ بها، بينما الدين واحد لا غّبارَ عليه. في شأن هذا الاختلاف في فهم الدين، يقول، سبحانه وتعالى : "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (الروم، 32).
قد يقول قائلٌ : عنوان هذه المقالة ليس إلا جزء من الآية رقم 3 من سورة المائدة. وهذا الجزء مرتبطٌ بما جاء في أول الآية وما جاء في آخرها. هذا صحيح. لكن اللهَ، سبحانه وتعالى، طلب ويطلب منا أن نتدبَّرَ آيات القرآن الكريم. والتَّدبُّر هو الوقوف عند كل كلمة من هذا القرآن  وتمحيصها، وخصوصا أنه، أحيانا، نفسُ الكلمة قد يكون لها معاني مختلفة حسب موقعها في الآية والسياق الذي جاءت فيه. وخلاصة القول، إن اللهَ، سبحانه وتعالى، يريد أن يُخبرنا، من خلال هذه الآية، أن الوحيَ حول الحلال والحرام سيتوقف بعد وفاة الرسول. و وفاة الرسول تعني، أولا، أنه أدى أمانةَ التبليغ، كما تعني، ثانيا، أن الدينَ الذي بُعِثَ من أجله الرسول محمد (ص)، قد اكتمل.
…ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا…
عنوان هذه المقالة، هو، في الحقيقة، جزءٌ من الآية رقم 3 من سورة المائدة. بعد ثلاثة وعشرين سنة، وهي المدَّة التي استغرقها نشرُ الرسالة الإسلامية المنزَّلة على آخرِ الأنبياء والرُّسل محمد (ص)، لمَن يوجِّه اللهُ، سبحانه وتعالى، كلامَه في هذه الآية الكريمة؟
هل كلامُ الله موجَّهٌ فقط وحصريا للذين آمنوا من المسلمين في عهد الرسول (ص)؟ أم كلامُه موجَّه لمَن سيتَّخذون الإسلامَ دينا بعد وفاة الرسول (ص)؟
أنا شخصيا، أعتقد أن كلامَ الله، في هذه الآية الكريمة، موجَّهٌ، في آنٍ واحدٍ، للفئتين، أي للذين آمنوا في عهد الرسول (ص)، وكذلك، للذين سيؤمنون بعد وفاة الرسول (ص). لماذا؟
لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، في قرآنه الكريم ، يدعو الناسَ للدخول في الإسلام. فليس من المنطق أن يدعوَ الناسَ للدخول في دين الإسلام، وفي نفس الوقت، يوجِّه كلامَه فقط للذين آمنوا في الماضي، وهو أعلم وأدرى بمَن سيؤمن في المستقبل. 
فما هو المقصود من هذا الجزء من الآية الكريمة رقم 3 من سورة المائدة؟ وحتى أُعطي لهذا الجزء من الآية المذكورة، حقَّه من الاهتمام (علما أن كلَّ آيات القرآن الكريم لها أهمِّية، ماضياً، حاضراً ومستقبلاً)، سأُحلِّل هذا الجزء من هذه الآية بالتَّدريج.
 وأول ما أبدأ به هو : "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ". ما يُثيرُ الانتباهَ هنا هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، يقول "أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"، متوجِّها للذين آمنوا، أي الذين اختاروا الدين الإسلامي عن طواعية، أي اختاروه من أعماق قلوبهم وعقولهم. وهذا دليلٌ على أن وحدانيةَ الله لا يُنقَصُ منها شيءٌ أو يُزاد إذا آمن الناسُ أو لا يؤمنوا. إنه، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن عباده، مصداقا لقوله، عزَّ وجلّ : "وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت، 6). وهذا، كذلك، دليلٌ على أن للهَ، سبحانه وتعالى، يُنير للناس، طريقَه المستقيم، ويترك لهم الاختيارَ ليؤمنوا أو لا يؤمنوا.
أما فعل "أَكْمَلْتُ"، فمعناه أن دينَ الإسلام أصبح مكتملا ولا يحتاج إلى مَن يزيد فيه أو ينقص. كما أن نفسَ فعل "أَكْمَلْتُ"، يعني أن الرسولَ (ص) أدى أمانةَ التبليغ على أحسن ما يُرام. وحتى إذا مات الرسول (ص)، فسيترك للناسِ، حاضراً ومستقبلاً، دينا مكتملا لا حاجة للزيادة فيه أو النُّقصان منه.
أما "وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى"، فالمقصود منها هو أن اكتمالَ الدين مصحوبٌ بالنِّعمة. والنِّعمةُ في هذه الآية، المقصود منها هو إخراج مَن آمن من الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والحق والخير. وإخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان  والحق والخير فيه، هو الآخر، نِعَمٌ كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (النحل، 18).
أما "وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا"، فالمقصود منها هو أن اللهَ، سبحانه وتعالى، بعد إكمالِه للدين الإسلامي، رَضِيه، كدينٍ، للمؤمنين منذ أن بعثَ أول رسولٍ، نوح عليه السلام، إلى آخر الرُّسل والأنبياء، محمد (ص). والدليل على ذلك أن كلمةَ "دين" وردَت في القرآن الكريم بصيغة المفرد، أي أن جمعَ هذه الكلمة "أديان" غير واردٍ في هذا القرآن. وهذا برهان قاطعٌ بأن الدينَ عند الله واحدٌ. وهو الدين الذي أمر اللهُ، سبحانه وتعالى، رسلَه بنشره بين الناس.
إذن، بعد وفاة الرسول محمد (ص)، كان الإسلامُ، كما سبق الذكرُ، دينا مكتملا، أي انتهى، سبحانه وتعالى، من بنائه وتِبيانِه للناس. لكن، هل وفاةُ الرسول (ص) تعني نهايةَ نشر الإسلام؟ لا أبدا! بل الرسول (ص) قام بمهمَّة التَّبليغ وترك للناس أعظمَ وأسمى وأنفع كتابٍ منزَّلٍ من عند الله ألاَ وهو القرآنُ الكريمُ المعزَّزٌ بسُنَّة الرسول (ص)، الصحيحة. وما دام الرسول (ص) بُعِثَ للبشرية جمعاء، وما دام القرآن صالحا لكل زمان ومكان، وما دام هذا القرآن موجَّها، هو الآخر، لجميع الناس، فالدعوة إلى الإسلام تبقى قائمة إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها. 
السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو الآتي : "ما دام الإسلامُ، كدينٍ، أصبح مكتمِلاً بعد وفاة الرسول (ص)، وما دام كل الصحابة الذين كانوا يساعدون الرسول في نشر الإسلام أصبحوا كلهم في عِداد الأموات، وما دامت الدعوةُ إلى الإسلام قائمة، وما دام القرآن الكريم صالحا لكل زمان ومكان، فمَن الذي، أو بالأحرى، مَن الذين، من المفروض، أن يتولَّوا مهمَّةَ نشر الدين الإسلامي"؟
وعندما أتحدَّثُ عن نشر الإسلام، فالأمرُ لا يتعلَّق بنشره بالعُنف والقوة، كما كان الشأن في الماضي. بل يتعلَّق الأمرُ بنشرِه بالإقناع والاستدلال بالقرآن والسنة الصحيحة والموغظة الحسنة، مصداقا لقوله، سبحانه وتعالى : "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل، 125).
وجوابا على السؤال أعلاه، أقول : "من المفروض أن مَن تقع عليهم مسئوليةُ نشر الإسلام، بعد وفاة الرسول (ص) وكل الصحابة، هم أهل الذكر من علماء وفقهاء، المتخصِّصين في مختلف مجالات المعرفة الدينية".
غير أن أهلَ الذكرِ من فقهاء وعلماء، المتخصصين في مختلف مجالات المعرفة الدينية، عوض أن يُحافظوا على وحدة الدين وأن يعتبروه كاملا ومكتملا، فرَّقوه إلى مذاهب وطوائف وفِرقٍ تتناحر وتتطاحن فيما بينها. وكل مذهب وكل طائفة وكلُّ فرقةٍ يريد/تريد أن يفرضَ/تفرضَ فهمَهذا للدين على الآخرين. وكلما ازداد عدد الشيوخ (فقهاء وعلماء) وأتباعُهم، كلما ازداد الاختلافُ بين المذاهب والطوائف والفِرق. إلى درجة أن لكل مجموعة فهمُها للدين خاصٌّ بها، بينما الدين واحد لا غّبارَ عليه. في شأن هذا الاختلاف في فهم الدين، يقول، سبحانه وتعالى : "مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (الروم، 32).
قد يقول قائلٌ : عنوان هذه المقالة ليس إلا جزء من الآية رقم 3 من سورة المائدة. وهذا الجزء مرتبطٌ بما جاء في أول الآية وما جاء في آخرها. هذا صحيح. لكن اللهَ، سبحانه وتعالى، طلب ويطلب منا أن نتدبَّرَ آيات القرآن الكريم. والتَّدبُّر هو الوقوف عند كل كلمة من هذا القرآن  وتمحيصها، وخصوصا أنه، أحيانا، نفسُ الكلمة قد يكون لها معاني مختلفة حسب موقعها في الآية والسياق الذي جاءت فيه. وخلاصة القول، إن اللهَ، سبحانه وتعالى، يريد أن يُخبرنا، من خلال هذه الآية، أن الوحيَ حول الحلال والحرام سيتوقف بعد وفاة الرسول. و وفاة الرسول تعني، أولا، أنه أدى أمانةَ التبليغ، كما تعني، ثانيا، أن الدينَ الذي بُعِثَ من أجله الرسول محمد (ص)، قد اكتمل.