من المفترض أن جلسة الإحاطة المغلقة بمجلس الأمن الثلاثاء 16 أبريل 2024 والتي قدم فيها كل من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء "ألكسندر ايفانكو" رئيس بعثة المينورسو وكذلك "ستيفان دي ميستورا" المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، أن تكون كسابقتها في أبريل من السنة الماضية لولا عديد الاعتبارات التي رافقت الدينامية التي عرفها الملف في السداسية الأولى بعد تمديد ولاية المينورسو بناءا على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2703 (2023) وهو ما فرض نوعا من التوجس حول مآلات التوافق الممكنة.
اللافت أن المفاوضات المتوقفة منذ مارس 2019 بين الأطراف وكذلك حث المجلس الدولي على استئنافها، وعلى مشاركة الأطراف بروح من الواقعية والتوافق في العملية السياسية التي أطلقتها منظمة الأمم المتحدة من أجل إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم، لم تعد لوحدها رهان نجاح الوساطة، بل إن الفهم المتنامي لعمق هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء أصبح على محك خبرة المبعوث الأممي لاستخلاص العبر ممن سبقوه.
"دي ميستورا" خلال فترة ستة أشهر الماضية كثف مشاوراته وتدارس عن قرب بما يكفي لإطلاع أعضاء مجلس الأمن الدولي على أهم عقبات رمال الصحراء، ورسم على الأقل ملامح خارطة الطريق كمرحلة أولى لإدارة تدبير هذا الخلاف سواء أكان معلنا أم خفيا.
لقد بات من شبه المؤكد أن "دي ميستورا" بذل جهودا دبلوماسية هائلة لدفع الجزائر والبوليساريو إلى العودة إلى طريق الحوار والحلول التوفيقية، فالجزائر التي فند قرار مجلس الأمن الدولي الأخير أطروحة حيادها، حين ذكرها خمس مرات، إما كطرف أساسي في النزاع ينبغي أن يتحمل مسؤوليته في البحث عن حل نهائي للنزاع أو كعضو أساسي في الموائد المستديرة التي اعتمدها المبعوث الشخصي للأمين العام، كمنهجية للتفاوض من أجل التوصل لحل سياسي لا يبدو أنها تميل إلى الحلول التوفيقية أو حتى تسهيل مهمة المبعوث الأممي، أما بالنسبة للمغرب فإن النجاحات الدبلوماسية التي حققتها المملكة في السنوات الأخيرة تجعله في وضع مريح ومستمر في بذل مجهوداته من أجل تحقيق التنمية في منطقة الصحراء.
وكما كان متوقعا فإن إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة وكذلك الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة المينورسو "ألكسندر ايفانكو" والتي كانت في جلسة مجلس الأمن المغلقة الثلاثاء 16 ابريل الجاري، لم تخرج عن سياق ثوابت الحل السياسي التي مافتئ مجلس الامن في قراراته الأخيرة يحث أطراف هذا النزاع المفتعل على الانخراط فيها وبالخصوص القرار رقم 2703 (2023) ورغم المعطيات الشحيحة التي تسربت فإنها تنبأ بأن دي ميستورا لازال لايملك بما يكفي من التصور لمقاربته في تقريب وجهات النظر المتباعدة أو أن الأمر ميدانيا قد أصبح محكوم بتوجيه بوصلة الحل السياسي المرتقب من الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا وهو الأمر الذي قد يفسر بتحركات نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس السابقة وبالأمس قبيل انطلاق جلسة الإحاطة وحتى الانزعاج الى حد الارتباك الظاهر على الدبلوماسية الجزائرية من سفر على عجل إلى نيويورك لوزير خارجيتها عطاف أو هرولة زعيم الجبهة الانفصالية وحاشيته لقصر المرادية مما ينبأ أن حياد وتملص الجزائر لم يعد ورقة مناورة في هذا الملف.
احاطة دي ميستورا بالأمس وإن مرت في الجلسة المغلقة تماشيا مع متطلبات المعالجة التي يتبناها مجلس الأمن، فإن القراءة الأولية توحي بأنها محطة كانت مهمة للمبعوث الشخصي للأمين العام للصحراء والذي من المفروض بعد عامين ونصف من توليه هذا المنصب، أن تكون له تصورات واضحة على تعقيدات هذا النزاع المفتعل، وهو أمر قد يرجح فرضية عجز أممي عن فرض الحل السياسي الذي لن يتم إلا بانخراط الأطراف الحقيقية المعنية والتي هي الجزائر في مفاوضات مباشرة مع المغرب وأي تنصل سيكون بمثابة إطالة او تمديد لهذا الخلاف الإقليمي.
هذا التأخير هو الذي سبق وان نبهت إليه الإدارة الأمريكية مؤخرا وأبلغت الجزائر والبوليساريو بالتحلي بالواقعية وهو مايعني استحالة أي عودة إلى خطة التسوية التي أصبحت من ماضي التماطل الجزائري المتواري خلف قرار مجلس الأمن 690 (1991).
كما أن مواقف الدول الأعضاء بمجلس الأمن عموما والتي تم التعبير عنها تفيد بأن هناك شبه إجماع على التشديد على احترام عمل بعثة المينورسو دعما للاستقرار، وهو ماعبرت عنه سويسرا وكوريا واليابان وغينيا وسيراليون ثم دولة مالطا التي ترأس حالياً المجلس، مما يدفع إلى إدانة ضمنية لجبهة البوليساريو المتورطة في خرق وقف إطلاق النار، وهو ما علله الأمين العام في تقريره الأخير في مجلس الأمن الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2023 إذ أشار إلى أنه في الفترة الممتدة مابين شتنبر 2022 ومارس 2023 قد سجلت 550 حالة إطلاق النار مضيفا في فقرته 13 الإشارة إلى القيود التي تفرضها جبهة البوليساريو على حرية التنقل، والتي تمنع البعثة من الاحتفاظ بسلسلة آمنة موثوقة للوجيستيات وخدمات الصيانة وإعادة التموين التي تربطها بمواقع الفرق التابعة لها شرق الجدار الرملي.
أما مواقف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بما فيهم روسيا، فقد جاءت متطابقة مع مضمون القرار الأممي إذ رسخت ثوابت العملية السياسية من خلال التأكيد على دعم وساطة دي ميستورا، وهو مايعني علنا المضي في البحث عن حل سياسي واقعي ودائم متوافق بشأنه وهو أمر لن يتأتى، إلا عبر المفاوضات السلمية التي لحد الآن الطرف المتعنت في مباشرتها هي الجزائر المعنية في قرارات مجلس الأمن الأخيرة سواء تعلق الأمر بقرار 2602 (2021) او 2654 (2022) ثم القرار الأخير.
رهان الجزائر على عضويتها في مجلس الأمن الدولي لم يعد كافيا لمنحها هامش المناورة وهو ما ظهر جليا، حيث أن أي مخرجات ممكنة لأي تسوية أصبح من المؤكد أنها ستخضع لضوابط النزاع الإقليمي بحضور كافة الا طراف المعنية و البحث عن حلول واقعية توافقية ترجح الدور المحوري لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، وتزيد من نسف أي طرح بديل ولعل هذا ما جعل الدبلوماسية المغربية محصنة في التعاطي إيجابيا مع كافة المقترحات المقدمة والتي بأي حال من الاحوال لن تخرج عن شبه الإجماع الدولي الذي قارب 84% من الدول بالأمم المتحدة مؤمنة بهذه المبادرة وتخلي الوسطاء الأمميين وقرارات مجلس الأمن عن خطة التسوية منذ القرار 1359 (2001) بحيث أن أي اجتهاد لن يخرج عن إمكانية التوصل للحل السياسي.
الواقع أن للدعوتين التي تبناها معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي سواء باحترام وقف إطلاق النار أو التعاون مع المبعوث الأممي تترجم سعي مجلس الأمن للحفاظ على الأقل على الحد الأدنى من التواصل مع الأطراف وتجنب القطيعة حتى يتسنى للمياه أن تمر تحت جسر اللقاءات غير الرسمية والمساعي التي تقودها الأطراف الفاعلة والتي لم يعد من مصلحتها استمرار هذا النزاع وتداعياته رغم قناعتها بأنه استنفد كل مقومات عودته كنقطة ساخنة للتصعيد، وهذا ما يفسر انخراط الدول المتزايد في مشروع تنمية الأقاليم الجنوبية كمؤشر على أن السيادة المغربية على الصحراء خارجة عن كل مساومة أو حسابات.
ابراهيم بلالي اسويح/ محلل سياسي وعضو بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية