السبت 23 نوفمبر 2024
في الصميم

هكذا أنصفتني ملائكة أمريكا وخذلتني شياطين المغرب !

هكذا أنصفتني ملائكة أمريكا وخذلتني شياطين المغرب ! عبد الرحيم أريري
في ليلة واحدة تمكن الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، مساء الخميس 28 مارس 2024 في مانهاتن بنيويورك، من جمع مبلغ قياسي لتمويل حملته الانتخابية المقررة في الخريف القادم. المبلغ الذي تم جمعه في تلك الليلة هو 25 مليون دولار ( 25 مليار سنتيم مغربية).
وذكرت محطة "ان بي سي نيوز"، أن كلفة التقاط صورة مع الرئيس بايدن تصل إلى 100 ألف دولار(100 مليون سنتيم مغربية).
 
المقام هنا ليس بغرض استعراض حجم النفقات والمبالغ المرصودة من قبل المرشحين للانتخابات الأمريكية( انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية)، بل القصد هو التوقف عند الشفافية والوضوح الذي يعتمده النسق السياسي الأمريكي، والحرص على تحديد مسار tracabilté تمويل كل مرشح، ومن هي الجهة أو المجموعة التي تمول حملته الانتخابية، حتى إذا فاز فلان أو فرتلان يكون الرأي العام على بينة نسبيا من التوجهات العامة للسياسة العمومية في شفافية ووضوح.
 
في المغرب، يتم إنفاق الملايير في الانتخابات البرلمانية والمحلية، من طرف معظم الأحزاب دون أن يكون الرأي العام على بينة من مصادر التمويل، وهل مصدرها أرباب شركات صناعية أو شركات عقارية، أو فلاحون كبار جدا أو مهربو مخدرات أو تجار البشر وتجار سلاح.
 
وإذا انتصب سائل يطلب توضيحات حول تمويل الانتخابات بالمغرب، يواجه بأن الدولة هي من تمول الانتخابات. والحال أن هذا كذب وافتراء، على اعتبار أن مجموع ماترصده الدولة المغربية للانتخابات لا يتجاوز في أحسن الحالات 360 مليون درهم ( أي 36 مليار سنتيم)، موزعة على الدعم المقدم ل 31 حزب شارك في الاقتراع، واقتناء سيارات وهواتف ولوحات إلكترونية، وطبع أوراق الاقتراع وتأمين اللوجستيك وأداء تعويضات مراقبي العملية الانتخابية الذين يتم تجنيدهم من موظفي الجماعات الترابية والتعليم وباقي المرافق العمومية. وبالتالي فالادعاء أن الانتخابات بالمغرب لم تكلف سوى 36 مليار سنتيم ب 92 دائرة تشريعية، هو استبلاد لنضج المغاربة، بالنظر إلى الأموال الباهظة، التي تقاطرت بالملايير، في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي يجهل مصدرها وداعميها !
 
أذكر أنه في لقاء سابق لي مع مسؤولي مدينة بورتلاند( عاصمة ولاية أوريغون الأمريكية) في إطار زيارة للتعرف على كيفية تدبير المرافق العمومية بالمدينة، سألت السيدة "إيمي بارس" Amy Barss، مسؤولة مكتب الزوار الأجانب بالبلدية، عن كلفة انتخاب عمدة "بورتلاند" ومن مول الحملة. فاستأذنت للخروج من القاعة وغابت لمدة 10 دقائق. ولما عادت للقاعة التي كنا مجتمعين فيها، أحضرت Amy Barss سجلا كبيرا ( يشبه سجلات العدول وسجلات التصديق على الإمضاء بالجماعات بالمغرب)، وناولتني إياه قائلة: "هاهو السجل..تصفح كل الأسماء وهاهي كل المبالغ المسلمة لتمويل انتخابات عمدة بورتلاند".
 
فأصبت بصاعقة، ليس لكوني وقفت على مسارب تمويل حملات المرشحين في الانتخابات الأمريكية "بالريال وخوه"، بل رغم أني لا أحمل الجنسية الأمريكية، ولا أتوفر على بطاقة التعريف الأمريكية، ولا أسدد أي ضريبة لخزينة أمريكا، ولا أملك بطاقة الصحافة الأمريكية، بل لست أصلا ناخبا أمريكيا، ومع ذلك لما طالبت الاطلاع على كشوفات تمويل الحملة الانتخابية للعمدة، قدمتها لي المسؤولة بمدينة بورتلاند في رمشة عين.
 
في حين أنا المسمى عبد الرحيم أريري، أقطن بالمغرب وأحمل الجنسية المغربية وأتوفر على بطاقة التعريف الوطنية وأسدد ضرائبي في كل سنة في آجالها، ومسجل في القوائم الرسمية كناخب في كل الاستحقاقات منذ أن بلغت سن الرشد الانتخابي، وأتوفر على بطاقة رسمية للصحافة، ومع ذلك توصد الأبواب في وجهنا كلما طالبنا بلوائح تمويل انتخابات كل مرشح بالبرلمان المغربي، حتى نعرف من يمول من، ولأي هدف، ولمصلحة من؟