من الأسباب الدالة على اتساق الشريعة الإسلامية مع الاحتجاج بالمصادر الاجتهادية المتوافقة مع العصر، اختار الملك الراحل الحسن الثاني الدروس الحسنية، التي أطلق عليها هذا الاسم سنة 1963، لتكون طقسا ملكيا راسخا خلال شهر رمضان، للنظر في الأحكام والمقاصد وتطويعها من أجل جلب المصالح ودرء المفاسد، مع الإلمام التام بأهمية الواقع ومراعاة أحوال التطور.
وتنبني الدروس الحسنية على دعوة الباحثين والباحثات في الفكر الإسلامي، والفقهاء والفقيهات الذين يشهد لهم بالقوة واليقظة والمعرفة، سواء أكانوا مغاربة أو أجانب، من أجل الإحاطة بجملة من القضايا الحيوية التي تهم المسلمين، وقياس أثر الشرع عليها، من خلال مصادر الشريعة الإسلامية الأصلية واجتهادات العلماء والمجامع الفقهية، بما يتطلب ذلك من إمعان نظر وبصيرة ثاقبة وحس سياسي لا خلاف عليه، حيث أصبح الدرس الافتتاحي الذي يلقيه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مشحونا بحمولة سياسية واضحة، وبات يتضمّن الرؤيا الرسمية لتدبير الشأن الديني. وهو ما وقفنا عليه في الدرس الافتتاحي الذي ألقاه الوزير أحمد التوفيق، يوم الجمعة 14 مارس 2024، بعنوان: "تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين".
وتنبني الدروس الحسنية على دعوة الباحثين والباحثات في الفكر الإسلامي، والفقهاء والفقيهات الذين يشهد لهم بالقوة واليقظة والمعرفة، سواء أكانوا مغاربة أو أجانب، من أجل الإحاطة بجملة من القضايا الحيوية التي تهم المسلمين، وقياس أثر الشرع عليها، من خلال مصادر الشريعة الإسلامية الأصلية واجتهادات العلماء والمجامع الفقهية، بما يتطلب ذلك من إمعان نظر وبصيرة ثاقبة وحس سياسي لا خلاف عليه، حيث أصبح الدرس الافتتاحي الذي يلقيه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مشحونا بحمولة سياسية واضحة، وبات يتضمّن الرؤيا الرسمية لتدبير الشأن الديني. وهو ما وقفنا عليه في الدرس الافتتاحي الذي ألقاه الوزير أحمد التوفيق، يوم الجمعة 14 مارس 2024، بعنوان: "تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين".
لقد شكلت الدروس الحسنية، منذ تأسيسها، آلية دينية لتكريس إمارة المؤمنين، وأيضا آلية سياسية لمواجهة الإيديولوجيات القومية والدينية الدخيلة، وهذا ما جعل الملك محمد السادس حريصا على إقامتها منذ اعتلائه العرش، والتعامل معها كمُجَمّع ديني حامل للرؤية التنويرية. حيث استمر تشهد هذه الدروس حضور النخبة السياسية من مستشارين ووزراء ورئيسي مجلسي البرلمان وكبار المسؤولين الأمنيين والقضائيين وباقي الشخصيات العلمية والثقافية وأعضاء السلك الديبلوماسي. وهو ما يعني أن الدولة لا تتبع هواها، أو هوى البشر أياً كانوا، وأنها غير معرضة عما أنزل الله، بحيث تخرج عن القواعد الشرعية، أو تخالف النصوص الدينية الصحيحة في ثبوتها. كما يعني أن الدولة، بكل رموزها السياسية والفقهية والأمنية والقضائية، تقبل النظر في مواضع الاجتهاد، وترضى باختلاف وجهات النظر في فهم النص الثابت، بما تراه أرجح ديناً ومقصدا، فهماً جديداً لم ينقل عن السابقين.
وتبعا لذلك، فإن إمارة المؤمنين تقبل هذا الاجتهاد من علماء المسلمين، سواء أكانوا مالكية أم شافعية أم حنفية أم حنابلة، بل أكثر من ذلك إنها لا تتحرج من استقبال مرجعيات شيعية أو صوفية، مثلما فعل الملك الحسن الثاني حين دعا موسى الصدر لحضور الدروس الحسنية سنة 1971.
ويرأس الملك الدروس الرمضانية، لأن إمارة المؤمنين هي التمظهر المركزي لحكمه، بل هي التجلي الأسمى لنظامه كنسق سياسي يزاوج بين عدة مرتكزات تعمل كلها من أجل تمتين إدارة الدولة دون المساس بعمق الموروث التاريخي الذي يعتبر مركزيا. وهذا ما يفسر أن إمارة المؤمنين تشغل أيضا خارج الحدود الرسمية للبلاد، وتتجاوز ذلك إلى بلدان أخرى، وعلى رأسها بلدان غرب إفريقيا. وهو ما يجعل للدروس الحسنية منصة دينية وسياسية للإشعاع الديبلوماسي للمغرب، إقليميا ودوليا، وأيضا لإبراز الزعامة الدينية لأمير المؤمنين، ونقل نموذج عصري ومنفتح ووسطي عن الدين الإسلامي، كما يحمله المغاربة.
وتحظى الدروس الحسنية باهتمام النخبة الدينية والسياسية الوطنية، وأيضا الإسلامية والدولية، نظرا لأهمية الأجوبة والإشارات التي تقدمها حول جملة من القضايا الشائكة المطروحة للنقاش العمومي، منها تلك القضايا التي يغلب عليها الطابع الخلافي أو السجالي، كما وقع مؤخرا مع «الاختلاف بين الربا والفائدة»، فضلا عن «لزوم الانفتاح على فلسفة الأخلاق لدى الغرب»، و«تعديل نظام الإرث» إلى غير ذلك من القضايا التي يبني عليها النظام الرسمي انشغاله بما يُطرح عليه من قضايا راهنة، ومنها مواجهة التطرف والإرهاب وكل أشكال الإجرام، فضلا عن إبراز الدور المحوري للمرأة في الإسلام، وذلك من خلال دعوة مجموعة من النساء لإلقاء الدروس، مثل الأستاذة رجاء ناجي المكاوي (2003) التي ساهمت بدرس حول الأسرة بعنوان «كونية نظام الأسرة في عالم متعدد الخصوصيات»، والأستاذة فريدة زمرد (2005) بدرس بعنوان «المرأة في القرآن بين الطبيعة والوظيفة»، والقاضية السعدية بلمير (2006) بدرس حول «حركة التقريب بين المذاهب» منطلقاتها وآفاقها المستقبلية"، والقاضية زينب العدوي (2007) بدرس «حماية الأموال العامة في الإسلام».. إلخ.
لقد تحولت الدروس الحسنية، مع الملك محمد السادس، من ملتقى لتدارس القضايا الدينية إلى منصة للانفتاح الرمزي والقانوني والسياسي على الحداثة والاجتهاد بروح العصر، حيث استمر فتح الأبواب في وجه جميع العلماء والفقهاء بغض النظر عن مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية. ومن أوجه هذا الانفتاح الحرص على ترجمتها إلى اللغات العالمية الرئيسية، كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية، ووضعها رهن إشارة المهتمين والدارسين والباحثين، خاصة أن الاجتهاد أصبح من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم، ذلك أن الدرس الحسني، في عمقه ومجمله، يجيب عن مشكلات وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس الحاجة لمعرفة حكمها الشرعي.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"