Saturday 20 September 2025
كتاب الرأي

لهلالي: هل تقود إسبرطة الشرق الأوسط إلى حرب بلا نهاية؟

لهلالي: هل تقود إسبرطة الشرق الأوسط إلى حرب بلا نهاية؟ يوسف لهلالي
تباهى نتنياهو بأن إسرائيل هي إسبرطة(1) الشرق الأوسط، تشبيه يعكس عقلية عسكرية تقوم على الحروب المستمرة والعيش في عزلة وعداء مع المحيط. لكن السؤال: هل يمكن لهذه المقاربة أن تقود المنطقة إلى صراع بلا نهاية؟ والى سباق محموم نحو التسلح أكثر مما هي عليه الان. التصريح الاسرائلي جاء بعد العدوان على قطر، وأردف في نفس التصريح الى اتباعه، "هذا الوضع الذي سيجعلكم منبوذين ومحاصرين من طرف الجميع." زعيم الكيان الصهيوني يبدو انه في كامل الوعي بما يقوم به وما سنتتج عليه سلوكاته على المستوى الدولي، لكن الدعم المطلق للإدارة الامريكية يشجعه على الاستمرار في هذا المنحى المظلم. 
 
سبارطة العدوانية والعسكرية التي أشعلت الحروب في اليونان انتهت في النهاية إلى السقوط، ولم تنفعها الانتصارات التي حققتها على جيرانها في الدوام والاستمرار.
 
العدوان على قطر شكّل سابقة خطيرة، إذ استهدف دولة حليفة تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، وهو رسالة سيئة لجميع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. هذا الإحساس بالخُذلان عبّرت عنه القمة العربية الإسلامية التي انعقدت في الدوحة تضامنًا مع قطر إثر العدوان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود. وقد انعكس الاستياء من الحليف الأمريكي على خطابات القمة، خصوصًا لدى دول الخليج ومصر التي دعت صراحة إلى البحث عن بدائل.
 
هذا القلق عبّر عنه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بكلمات واضحة، مشيرًا إلى الخطر المتزايد من سيطرة إسرائيل على الفضاء الإقليمي بدعم أمريكي، مضيفًا أن إسرائيل تحلم بأن يكون الشرق الأوسط منطقة نفوذ خالصة لها. وبدوره عبّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي –وهو حليف آخر لواشنطن– عن قلقه، متهمًا إسرائيل بأنها تقوّض اتفاقات السلام وتهدد استقرار المنطقة برمّتها من خلال تصرفاتها العدوانية. بل توجّه مباشرة إلى الشعب الإسرائيلي في خطابه بالدوحة قائلاً:
 
"ما يحصل الآن يمس بمستقبل السلام ويهدد أمن جميع شعوب المنطقة، ويمنع أي فرصة لاتفاقات جديدة، بل يدمّر اتفاقات قائمة. التداعيات ستكون قاسية، وسنعود إلى أجواء الحروب، وسنفقد كل الجهود التاريخية لإقامة السلام. هذا ثمن سندفعه جميعًا بلا استثناء. لا تتركوا جهود السابقين تذهب أدراج الرياح." هل وصلت الرسالة في مجتمع أصبح التطرف وجنون العظمة بلا حدود.
 
لكن نتنياهو ما زال يواصل تهديداته، فبعد العدوان على قطر أعاد ترديد سمفونية "ضرب أعداء إسرائيل في أي مكان"، وهو ما يعني أن دولًا حليفة لأمريكا مثل مصر والأردن وتركيا باتت ضمن دائرة الاستهداف، رغم أنها لم تقطع علاقاتها رسميًا مع إسرائيل. وهو ما يشير إلى أن ساحة العدوان المستمر لن تقتصر على سوريا أو لبنان أو إيران التي تحولت إلى ملعب مفتوح للطيران الإسرائيلي.
 
أمام انهيار المنظومة الأمنية في المنطقة وتغيّر التحالفات والمؤشرات، يُطرح السؤال: هل ستنجح دول المنطقة في تشكيل قوة ردع موحدة لمواجهة هذا الخطر الجديد؟ وهل يمكن أن تتجاوز الانقسامات العميقة وانعدام الثقة وتضارب المصالح لتوحيد الصفوف؟ فقد فشلت سابقًا في تشكيل تحالف عسكري فعال ضد الحوثيين أو في مواجهة التمدد الإيراني.
 
لكن العدوان على قطر غيّر المعادلة، إذ إن اتفاقات إبراهيم جاءت نتيجة الخوف من نظام ولاية الفقيه والحاجة إلى بناء ائتلاف إقليمي ضد إيران، في ظل إدراك إقليمي ودولي أن الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط آخذ في التراجع، وأن الاعتماد على واشنطن عند الحاجة لم يعد مضمونًا.
 
ولعل تجارب السنوات الأخيرة تثبت ذلك: السعودية تعرضت لهجمات مكثفة بطائرات مسيرة إيرانية على منشآت الطاقة، وخاضت مواجهة صعبة مع الحوثيين، أما الإمارات فلها علاقات جوار معقدة مع طهران وتعرضت لهجومات بطائرات بدون طيار، في حين واجهت البحرين محاولة انقلاب مدعومة من إيران فوق أراضيها.
 
لذلك، يبدو أن دول الخليج ستكون مجبرة على بناء قوة موحدة، وتخصيص إمكانيات ضخمة لها، بما في ذلك نسج تحالفات جديدة بعيدًا عن الاعتماد الكامل على الإدارة الأمريكية التي تغض الطرف عن العربدة الإسرائيلية في المنطقة. ويمكن لهذه الدول أن تستفيد من التجربة الأوروبية، حيث وجدت أوروبا نفسها وحيدة أمام التهديد الروسي واضطرت لبذل جهود استثنائية لبناء أمنها المستقبلي. وهدا الأسبوع عقدت السعودية تحالف الدفاع المشترك مع باكستان.
 
إلى جانب ذلك، تملك دول المنطقة أوراق ضغط كثيرة لكبح مغامرات نتنياهو، أهمها إقناع الدول الغربية –وخاصة الإدارة الأمريكية– بأن الحل العادل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة وفق مبدأ حل الدولتين هو الطريق الوحيد للحفاظ على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وكذلك لضمان استمرار المصالح الأمريكية فيه. فالسياسات العدوانية لنتنياهو لن تؤدي إلا إلى تسريع انخراط العالم في دعم هذا المسار.
 
بلدان المنطقة العربية وصلتها الرسالة، وعليها بناء موازن قوة جديدة من جهة واستعمال الأوراق السياسية التي لديها لدفع الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي فرض حل الدولتين.
 
1 - مدينة يونانية كانت في القرن التاسع قبل الميلاد، وعرفت بحروبها الطويلة مع اثنيا. وكان في اوجها يحكمها العسكر، وكانت لها اهداف توسعية دائمة، وأصبحت الحرب بها. وسيلة الكسب، فضلا عن تنظيم العمل العسكري في المجتمع الاسبرطي، وأصبح فيها الجندي في اعلى درجات السلك الاجتماعي قبل ان تنهار وتختفي.