الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد بنمبارك: الصحراء فالريف.. ثم ماذا بعد يا حكام الجزائر

محمد بنمبارك: الصحراء فالريف.. ثم ماذا بعد يا حكام الجزائر محمد بنمبارك
في‭ ‬تخريجة‭ ‬عدائية‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬منتظرة،‭ ‬طلع‭ ‬بها‭ ‬علينا‭ ‬نظام‭ ‬الجزائر‭ ‬كعادة‭ ‬زلاته،‭ ‬تقضي‭ ‬ــ‭ ‬ودون‭ ‬مقدمات‭ ‬ــ‭ ‬بفتح‭ ‬مكتب‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الجزائرية‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬"الحزب‭ ‬الوطني‭ ‬الريفي"‭. ‬وقد‭ ‬عقد‭ ‬فاروق‭ ‬الريفي،‭ ‬ممثل‭ ‬هذا‭ ‬الحزب‭ ‬مؤتمرا‭ ‬صحفيا‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬أكد‭ ‬فيه‭ ‬«أن‭ ‬حزبه‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬الريف»‭ ‬ويعتزم‭ ‬«طرح‭ ‬قضية‭ ‬الريف‭ ‬على‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة»‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬سماه‭ ‬«الجرائم‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬السلطات‭ ‬المغربية»‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭. ‬

فماذا‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬المقامرة‭ ‬الجزائرية‭ ‬الجديدة/‭ ‬القديمة‭ ‬ذات‭ ‬البعد‭ ‬الانفصالي‭ ‬لمملكة‭ ‬12‭ ‬قرن؟،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬لتتراكم‭ ‬وتنضاف‭ ‬إلى‭ ‬خردة‭ ‬المغالطات‭ ‬والمناورات‭ ‬والدسائس‭ ‬الجزائرية‭ ‬الاستفزازية‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المغرب‭ ‬الهادئ‭ ‬المستكين‭ ‬المراقب‭ ‬المتابع،‭ ‬لسياسة‭ ‬قادة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬أضناهم‭ ‬الركض‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يزعزع‭ ‬استقرار‭ ‬وأمن‭ ‬المملكة‭ ‬الشريفة‭ ‬ويعرقل‭ ‬مسيرتها‭ ‬التنموية‭ ‬ويحد‭ ‬من‭ ‬صيت‭ ‬وسمعتها‭ ‬الدولية‭ ‬المرموقة‭ ‬وصلاتها‭ ‬الواسعة‭ ‬إفريقيا‭ ‬وعربيا‭ ‬وأوربيا‭ ‬وأمريكيا‭.‬

الخطوة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬لم‭ ‬تحرك‭ ‬ساكنا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المغاربة‭ ‬ملكا‭ ‬وحكومة‭ ‬وشعبا،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬مفاجأة‭ ‬لكن‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬الجزائري‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬السخرية،‭ ‬بعدما‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناورات‭ ‬والمغامرات،‭ ‬بالصمت‭ ‬وغض‭ ‬الطرف‭ ‬وعدم‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النزق‭ ‬السياسي‭ ‬والتحرشات‭ ‬المتواصل‭. ‬
 
لكن‭ ‬دعونا‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬مسبباتها‭ ‬هذه‭ ‬العَمْلَة‭ ‬لحكام‭ ‬قصر‭ ‬المرادية،‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬متواضعة،‭ ‬لما‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬دفع‭ ‬بهم‭ ‬الى‭ ‬اتخاذ‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬وجَنّدَهم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ورفع‭ ‬سقف‭ ‬تحدياتهم‭...‬
 
- ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬لم‭ ‬يدرسوا‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬وبالتالي‭ ‬بدا‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬دخول‭ ‬مغامرة‭ ‬الريف‭ ‬هكذا‭ ‬مسلحين‭ ‬بحزب‭ ‬مجهول‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬بِمَكانْ‭ ‬تنفيذ‭ ‬مخططها،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يئسوا‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬مرادهم‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الصحراء‭ ‬فقرروا‭ ‬اعتماد‭ ‬مخطط‭ ‬ثاني‭ ‬«ما‭ ‬قدو‭ ‬الفيل‭ ‬زيدوه‭ ‬الفيلة»‭ ‬لإرباك‭ ‬المغرب‭ ‬وإشغاله‭ ‬بقضية‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬انتظار‭ ‬مخطط‭ ‬انفصالي‭ ‬ثالث‭ ‬ورابع‭ ‬وخامس‭ ‬تحبل‭ ‬به‭ ‬الجزائر‭ ‬لتلد‭ ‬لنا‭ ‬أجساما‭ ‬كرتونية‭ ‬معوقة‭ ‬مشوهة‭ ‬تفتقر‭ ‬لمقومات‭ ‬الحياة،‭ ‬تمارس‭ ‬بها‭ ‬هوايتها‭ ‬الانفصالية‭. ‬
- قد‭ ‬يكون‭ ‬الدافع‭ ‬الأساسي‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الخطوة‭ ‬الجزائرية‭ ‬الغير‭ ‬المحسوبة‭ ‬العواقب‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬المشكلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬المستعصية‭ ‬الحل‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر،‭ ‬والتي‭ ‬تقض‭ ‬مضاجعهم‭ ‬والقابعة‭ ‬كقنبلة‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬دعاة‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬ومناصريه‭ ‬ليكتووا‭ ‬بنارها،‭ ‬استعدادَ‭ ‬رئيس‭ ‬القبائل‭ ‬للإعلان‭ ‬عن‭ ‬ميلاد‭ ‬دولة‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬أبريل‭ ‬2024،‭ ‬وإعلان‭ ‬استقلالها‭ ‬والاحتفال‭ ‬بعيدها‭ ‬الوطني،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬ضاغطة‭ ‬تهديدية‭ ‬للسلطات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوضاع‭ ‬بمنطقة‭ ‬القبائل‭ ‬ومنح‭ ‬الشعب‭ ‬القبائلي‭ ‬كافة‭ ‬حقوقه‭ ‬واستعادة‭ ‬حرياته‭ ‬المسلوبة‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬المعتقلين‭ ‬وإلغاء‭ ‬قرارات‭ ‬الإعدام‭ ‬وغيرها‭. ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ميدانية‭ ‬متواصلة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬مسلسل‭ ‬صراع‭ ‬دموي‭ ‬قوي‭ ‬مجسد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬وسكان‭ ‬منطقة‭ ‬القبائل‭.  ‬
 
- بأية‭ ‬حجج‭ ‬وبراهين‭ ‬سترافع‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬الريف‭ ‬أمام‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬لم‭ ‬تتخلص‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬ورطتها‭ ‬الصحراوية،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ستدافع‭ ‬عن‭ ‬ملف‭ ‬لا‭ ‬شأن‭ ‬لها‭ ‬به‭ ‬سوى‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬لبلد‭ ‬جار‭ ‬وإقحام‭ ‬نفسها‭ ‬فيما‭ ‬لا‭ ‬يعنيها‭ ‬والداء‭ ‬الانفصالي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬بيتها‭. ‬وقد‭ ‬اكتشف‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬زيف‭ ‬ادعاءاتها،‭ ‬وكَوْنَ‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬سوى‭ ‬خلافات‭ ‬قديمة‭ ‬يتحجج‭ ‬بها‭ ‬ورثة‭ ‬بومدين‭ ‬ويجترونها‭ ‬لإدامة‭ ‬حالة‭ ‬الفرقة‭ ‬والتنافر‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬التقارب‭ ‬والاندماج‭ ‬والتعاون‭ ‬البناء‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬المصالح‭ ‬الواسعة‭ ‬ثنائيا‭ ‬ومغاربيا‭.
- ‬يأتي‭ ‬افتتاح‭ ‬مكتب‭ ‬انفصالي‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الجزائر‭ ‬بتدبير‭ ‬وتخطيط‭ ‬وإرادة‭ ‬وإدارة‭ ‬وتمويل‭ ‬وتوجيه‭ ‬واحتضان‭ ‬وكلفة‭ ‬ثقيلة‭ ‬برفع‭ ‬علم‭ ‬وفتح‭ ‬مكتب‭ ‬وتجنيد‭ ‬دبلوماسي‭ ‬وشراء‭ ‬ذمم‭ ‬ولهت‭ ‬وركض،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬لن‭ ‬تزيد‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬المتاعب‭ ‬والصعوبات‭ ‬والارهاق‭ ‬والاستنزاف‭ ‬المالي‭ ‬لخزينة‭ ‬دولة‭ ‬البقرة‭ ‬الحلوب،‭ ‬خزينة‭ ‬يتربص‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬تحضنهم‭ ‬للتحرك‭ ‬والعلاوات‭ ‬والهدايا‭ ‬والهبات‭ ‬والسفريات‭ ‬وفنادق‭ ‬5‭ ‬نجوم‭ ‬وغيرها‭. ‬فما‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬سوى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمسلسل‭ ‬جديد‭ ‬درامي‭ ‬أقحمت‭ ‬فيه‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬لا‭ ‬تحسد‭ ‬عليه‭. ‬
‭  ‬
- هذه‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬التقسيم‭ ‬والتشطير‭ ‬للأمم‭ ‬والأقوام‭ ‬هي‭ ‬سياسة‭ ‬معروفة‭ ‬نجدها‭ ‬عند‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ ‬مخلفات‭ ‬القرنين‭ ‬19‭ ‬و20،‭ ‬وهي‭ ‬سياسة‭ ‬مارستها‭ ‬دول‭ ‬أوربية‭ ‬بإفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭. ‬ويبدو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬أنهم‭ ‬تبنوا‭ ‬النهج‭ ‬الاستعماري،‭ ‬حين‭ ‬لبسوا‭ ‬عباء‭ ‬الاستعمار‭ ‬المطبوعة‭ ‬بضمان‭ ‬ديمومة‭ ‬زرع‭ ‬الفتن‭ ‬والنزاعات‭ ‬والحروب‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭. ‬وما‭ ‬مشاكل‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬والمغرب،‭ ‬سوى‭ ‬صورة‭ ‬للأدوار‭ ‬المنبوذة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الانتفاض‭ ‬عليها،‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬سياستها‭ ‬التي‭ ‬حرصت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬تجزئة‭ ‬المجزأ‭ ‬والسعي‭ ‬لتفتيت‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬وشغلها‭ ‬بمشاكل‭ ‬داخلية‭ ‬وصراعات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الموروثة‭ ‬التي‭ ‬كسبتها‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وجعلتها‭ ‬بقدرة‭ ‬قادر‭ ‬عاشر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬المسروقة‭ ‬غربا‭ ‬وشرقا‭ ‬وجنوبا‭ ‬زمن‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الفرنسية،‭ ‬لدولة‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬النور‭ ‬حتى‭ ‬سنة‭ ‬1962،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬بالمنطقة‭  ‬سوى‭ ‬تركة‭ ‬استعمارية‭ ‬أرضا‭ ‬وسياسة‭ ‬ونهجا‭ ‬وبؤرة‭ ‬لتصدير‭ ‬النزاعات‭ ‬والمشاكل،‭ ‬وبتعريف‭ ‬دقيق‭ ‬«دولة‭ ‬الفوضى‭ ‬الهدامة»‭ ‬بشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والساحل‭ ‬والصحراء‭.‬

- ‬اهتمام‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر‭ ‬بقضية‭ ‬الريف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات،‭ ‬يدعو‭ ‬البوليساريو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تأخذه‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد،‭ ‬فهو‭ ‬بمثابة‭ ‬دخول‭ ‬منافس‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الانشغال‭ ‬السياسي‭ ‬والتمويلي‭ ‬وأجندة‭ ‬الأولويات‭ ‬للجزائر،‭ ‬وعلى‭ ‬قادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬تأمل‭ ‬المشهد‭ ‬الراهن‭ ‬والمستقبلي‭ ‬جيدا‭ ‬بالجزائر‭ ‬المتقلبة‭ ‬المزاج‭ ‬والمصالح‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬صفيح‭ ‬ساخن‭ ‬داخليا،‭ ‬وانتهاز‭ ‬فرصة‭ ‬إجراء‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬لمواقفهم،‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الوطن‭ ‬الأم‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬المشروع‭ ‬المغربي‭ ‬للحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بدعم‭ ‬دولي‭ ‬كاسح،‭ ‬وعدم‭ ‬الارتهان‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬وتوجيهات‭ ‬وتعليمات‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬والعيش‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬نظام‭ ‬حكـم‭ ‬عسكري‭ ‬ديكتاتوري‭ ‬مهدد‭ ‬داخليا‭ ‬وخارجيا‭. ‬لذلك‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬التوجه‭ ‬الجزائري‭ ‬نحو‭ ‬الريف‭ ‬فرصة‭ ‬لانعتاق‭ ‬صحراوي‭ ‬تندوف‭. ‬
 
- ‬تَغَيُر‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الجزائري‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬جبهة‭ ‬الريف،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬49‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬والإرهاق‭ ‬والاستنزاف‭ ‬والانهاك‭ ‬السياسي‭ ‬والمالي‭ ‬والعسكري‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬برمال‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية،‭ ‬التي‭ ‬ضاع‭ ‬حظهم‭ ‬بها،‭ ‬فتحطمت‭ ‬آمالهم‭ ‬وفشلت‭ ‬مخططاتهم‭ ‬ومؤامراتهم‭ ‬أمام‭ ‬الإرادة‭ ‬المغربية‭ ‬الصلبة‭ ‬ملكا‭ ‬وشعبا‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بالوحدة‭ ‬الترابية،‭ ‬وكسب‭ ‬المعركة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬بتزايد‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وبادرت‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وأجنبية‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬قنصلياتها‭ ‬بمدن‭ ‬العيون‭ ‬والداخلة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الدينامية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬وظفها‭ ‬المغرب‭ ‬للنهوض‭ ‬بأوضاع‭ ‬أقاليمه‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬بنياتها‭ ‬التحتية،‭ ‬وفتح‭ ‬أوراش‭ ‬كبرى‭ ‬للاستثمار‭ ‬برا‭ ‬وبحرا،‭ ‬دفعت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬الاقبال‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الصحراوية‭. ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬ضيقت‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬وأضعفت‭ ‬موقفها‭ ‬وبددت‭ ‬مشاريعها‭ ‬الانفصالية‭ ‬وأطماعها‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬واللهث‭ ‬وراء‭ ‬حلم‭ ‬الراحل‭ ‬بومدين‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬منفذ‭ ‬بحري‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الاطلسي‭.‬
 
- الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬ورطة‭ ‬جديدة‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬تدعو‭ ‬دولها‭ ‬إلى‭ ‬الاحتراز‭ ‬وأخذ‭ ‬الحيطة‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬سياستها‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬التقسيم‭ ‬وزعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والاخلال‭ ‬بالأمن‭ ‬وخلق‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر‭ ‬والنزاع‭ ‬ومحاولة‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬دركي‭ ‬المنطقة،‭ ‬فعرقلت‭ ‬مشروع‭ ‬الوحدة‭ ‬المغاربية،‭ ‬ورفضت‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬وأغلقت‭ ‬الحدود‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭ ‬وقطعت‭ ‬الصلات،‭ ‬واتجهت‭ ‬نحو‭ ‬التحالفات‭ ‬المضادة‭ ‬وتسميم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬المغاربية،‭ ‬والسعي‭ ‬لاحتواء‭ ‬دول‭ ‬بالمنطقة‭ ‬ترى‭ ‬بأنها‭ ‬ضعيفة‭ ‬وضمها‭ ‬تحت‭ ‬عباءتها‭ ‬تونس‭ ‬نموذج،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬جعلت‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬شفى‭ ‬حفرة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭. ‬والمغامرة‭ ‬الجزائرية‭ ‬الجديدة‭ ‬بمحاولة‭ ‬إشعال‭ ‬الفتنة‭ ‬بالريف‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬التخريبية‭.‬
 
- إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬والحركات‭ ‬الانفصالية‭ ‬منتشرة‭ ‬بكل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭ ‬بإسبانيا،‭ ‬تركيا،‭ ‬العراق،‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬الصين،‭ ‬وروسيا،‭ ‬وإيران‭ ‬والجزائر‭ ‬نفسها‭ ‬إقليم‭ ‬القبائل،‭ ‬والتي‭ ‬تطالب‭ ‬بتقرير‭ ‬المصير‭ ‬والاستقلال،‭ ‬وبحكم‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر‭ ‬يدعون‭ ‬أنهم‭ ‬يحملون‭ ‬لواء‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬وأنهم‭ ‬قبلة‭ ‬ثوار‭ ‬العالم،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬يتبنون‭ ‬قضايا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬كحالات:‭ ‬كطالونيا‭ ‬بإسبانيا،‭ ‬وأكراد‭ ‬تركيا،‭ ‬وكيب‭ ‬الغربي‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وإقليم‭ ‬بافاريا‭ ‬بألمانيا،‭ ‬وعربستان‭ ‬بإيران،‭  ‬ويفتحون‭ ‬مكاتب‭ ‬لها‭ ‬بالعاصمة‭ ‬الجزائرية‭ ‬ويناصرون‭ ‬قضاياها‭ ‬ويمولونها‭ ‬سلاحا‭ ‬ومالا‭ ‬ودبلوماسية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمغرب‭ ‬بفتح‭ ‬مكتب‭ ‬للبوليساريو‭ ‬وفتح‭ ‬مكتب‭ ‬الريف‭ ‬وفتح‭ ‬مكتب‭ ‬الله‭ ‬أعلم‭ ‬غدا،‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬للاستهتار‭ ‬والانحطاط‭ ‬السياسي  ‬الجزائري‭ ‬الرخيص‭ ‬والبغيض‭...‬
 
- ‬لقد‭ ‬أساءت‭ ‬الجزائر‭ ‬بفعلتها‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬الريف‭ ‬الأحرار،‭ ‬بشرائها‭ ‬ذمة‭ ‬أحد‭ ‬خونة‭ ‬الوطن‭ ‬وضعاف‭ ‬النفوس‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬للجزائر‭ ‬أن‭ ‬خاضت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬حين‭ ‬اختبرت‭ ‬وطنيين‭ ‬مغاربة‭ ‬شرفاء‭ ‬لجأوا‭ ‬إليها‭ ‬سنوات‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وحاولت‭ ‬تجنيدهم‭ ‬ضد‭ ‬بلدهم‭ ‬المغرب،‭ ‬لكنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬أجندتها‭ ‬التخريبية‭ ‬وتمسكوا‭ ‬بوطنيتهم،‭ ‬فغادر‭ ‬معظمهم‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ورغم‭ ‬محاولات‭ ‬إغرائهم‭ ‬سياسيا‭ ‬وماليا‭ ‬ومحاولة‭ ‬استغلال‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬مروا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬فإنهم‭ ‬أظهروا‭ ‬شجاعة‭ ‬وإخلاصا‭ ‬وروحا‭ ‬وطنية‭ ‬عالية،‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬تلك‭ ‬المؤامرات‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬أبو‭ ‬الفتن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬هواري‭ ‬بومدين‭ ‬ومعاونيه‭ ‬إقحامهم‭ ‬بها‭. ‬
 
- كل‭ ‬هذه‭ ‬المؤامرات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬استنكار‭ ‬وامتعاض‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬من‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬ومحاولاتهم‭ ‬العبث‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬البلاد،‭ ‬فلن‭ ‬تربكه‭ ‬أو‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬قدره‭ ‬ومكانته‭ ‬أو‭ ‬تزعزع‭ ‬ثقته‭ ‬بوطنيته‭ ‬ومملكته‭ ‬العريقة،‭ ‬كما‭ ‬لن‭ ‬يزيده‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬إلا‭ ‬تمسكا‭ ‬وإصرارا‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬وحدته‭ ‬الترابية‭ ‬من‭ ‬الصحراء‭ ‬إلى‭ ‬الريف،‭ ‬ولعساكر‭ ‬الجزائر‭ ‬تجربة‭ ‬49‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬المغربية‭ ‬الشرسة‭ ‬للمخطط‭ ‬الانفصالي‭  ‬الذي‭ ‬طلعوا‭ ‬منه‭ ‬بـ‭ ‬«خُفَيْ‭ ‬حُنَيْن»،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ضحية‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬الشقيق‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬ضريبة‭ ‬وكلفة‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عيشه‭ ‬الكريم‭  ‬وازدهاره‭ ‬ورفاهيته‭ . ‬
 
- ‬المغرب‭ ‬معروف‭ ‬مغاربيا‭ ‬وعربيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬ودوليا،‭ ‬أنه‭ ‬بلد‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمان‭ ‬ويسعى‭ ‬لحسن‭ ‬الجوار‭ ‬ورسائل‭ ‬وخطابات‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬واضحة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬هذه‭ ‬رسالة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الملكية‭. ‬ومن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬الفتنة‭ ‬والحرب‭ ‬بالمنطقة‭ ‬برمتها‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬كاملة‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬فلن‭ ‬نفتح‭ ‬أوكرانيا‭ ‬جديدة‭ ‬بشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وجنوب‭ ‬أوربا،‭ ‬التي‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لكي‭ ‬يلتفت‭ ‬الأوربيون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الثور‭ ‬الجزائري‭ ‬الهائج‭ ‬بالمنطقة‭ ‬«فُتُوَة‭ ‬الحارة»‭ ‬وكبح‭ ‬جماحه،‭ ‬وكفانا‭ ‬من‭ ‬غزل‭ ‬الغاز،‭ ‬فأمن‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬واستقرارها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬أوربا‭.‬
 
قد‭ ‬تكون‭ ‬قضية‭ ‬الريف‭ ‬التي‭ ‬اختلقها‭ ‬نظام‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬استفزاز‭ ‬المغرب‭ ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬الرد‭ ‬بصيغة‭ ‬أو‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المناورات‭ ‬والدفع‭ ‬بالمنطقة‭ ‬نحو‭ ‬الفتنة،‭ ‬التي‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬منفذا‭ ‬للإفلات‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬العويصة‭ ‬التي‭ ‬تحاصرهم‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭. ‬أما‭ ‬المغرب‭ ‬فلن‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المهاترات‭ ‬والانزلاقات‭ ‬الجزائرية‭ ‬المتكررة،‭ ‬والريف‭ ‬كباقي‭ ‬ربوع‭ ‬الوطن،‭ ‬كان‭ ‬وسيظل‭ ‬أهله‭ ‬متشبثين‭ ‬بوطنيتهم‭ ‬الصادقة،‭ ‬متمسكين‭ ‬بوحدة‭ ‬بلاهم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التعبئة‭ ‬الشاملة‭ ‬لكل‭ ‬المغاربة،‭ ‬منشغلين‭ ‬بقضايا‭ ‬التنمية‭ ‬والبناء‭ ‬والتقدم‭ ‬والازدهار‭.  ‬