الاثنين 25 نوفمبر 2024
فن وثقافة

عباس التعارجي: كبير مؤرخي مراكش في القرن العشرين

عباس التعارجي: كبير مؤرخي مراكش في القرن العشرين عباس التعارجي
حيوية فكرية أشبه بالنهضة:
قال الكاتب الإعلامي عبدالإله التهاني في مستهل حلقة برنامج "مدارات" من الإذاعة الوطنية بالرباط، والتي خصصها للمؤرخ والفقيه والشاعر القاضي عباس التعارجي،  بأن سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، قد شهدت حيوية علمية وأدبية.
في أهم حواضر المغرب التاريخية، كفاس ومراكش  وتطوان والرباط وسلا ومكناس، ومنطقة سوس.
وأضاف بأن تلك الحيوية، كانت بالنظر إلى زخمها وتزامن إنتاجات أقطابها، أشبه بنهضة فكرية، كان  من ثمراتها صدور مؤلفات تاريخية وأدبية وحضارية وفقهية عديدة، وأنه زاد من وتيرة تلك النهضة، تطور الطباعة وانتقالها من طباعة حجرية إلى طباعة عصرية، وكذا ظهور صحف ومجلات كانت تولي للجانب العلمي والادبي حيزا مهما في صفحاتها.
 
نموذج للجيل الرائد:
واعتبر أن شخصية الفقيه والمؤرخ والشاعر القاضي عباس التعارجي ، تنتمي إلى هذا الجيل الذي كان رائدا في إغناء الحركة العلمية، منذ مطلع القرن العشرين، علما أنه ولد عام 1877 بمدينة مراكش ، وأبان منذ صغره عن نباهة وذكاء لافتين، وهويتعلم القواعد الأولى في اللغة والعبادات على يد فقيهه محمد بن عطية، ولاسيما إقباله على حفظ القرآن الكريم، قبل أن ينتقل إلى التمكن من المتون الفقه واللغة والمنطق ، على يد كبار علماء مراكش وقتها، كمحمد بن ابراهيم السباعي، والعربي الرحماني البريوشي، وعبدالرحمان بلقرشي، ومحمد بن المهدي بنشقرون، وعلي بن مبارك الروداني. 

وأوضح عبدالإله التهاني استنادا إلى ما ذكره الباحث أحمد متفكر، من أن المؤرخ عباس التعارجي درس لمدة عشر سنوات عدة علوم ،منها علم المنطق ، وعلم الكلام، وعلم الاصول، وعلم الفقه وعلمي التفسير والحديث، وعلم التوقيت، وعلم الحساب، وعلم اللوغاريتم، وعلم الفرائض. 
 
الأثر العلمي لرحلاته: 
وانتقل عبدالإله التهاني إلى الحديث عن للرحلات التي قام بها عباس التعارجي إلى  عدة  أقطار بآسيا وأوروبا، وأثرها العلمي عليه، بدءا بزيارته الأولى لبلاد الحجاز قصد أداء مناسك الحج ، ثم حجته الثانية التي عاد بعدها عبر القطار عبر تركيا، مخترقا عدة عواصم ومدن أوروبية،  قبل وصوله إلى الجزيرة الخضراء بإسبانيا، ومنها بحرا إلى طنجة. 
 
إجازات من علماء المغرب والمشرق: 
واعتبر عبدالإله التهاني أن هذه الرحلات، سمحت للتعارجي  باللقاء مع كبار علماء المشرق العربي .كما أتاحت له الحصول على ذخيرة من المؤلفات، حيث التقى خلال حجته الأولى بالعالم الكبير والزعيم الوطني الليبي البارز أحمد بن الشريف السنوسي، الذي قاوم التغلغل الإيطالي شرق ليبيا في مطالع القرن العشرين،  وتصدى أيضا للغزو الاستعماري الفرنسي والانجليزي والايطالي في تشاد والسودان.
 
وقد تسلم منه التعارجي إجازة علمية، كما حظي خلال نفس هذه الرحلة الحجازية، بإجازات من علماء آخرين كالشيخ محمد حسين، والشيخ بوسف الدجوي الذي كان من كبار علماء الأزهر. 

كما أجازه كل من الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية، وقتئذ، والعلامة محمد السمالوطي كبير المحدثين بمصر، والعلامة محمد حسين العدوي شيخ الأزهر.
 
وذكر معد ومقدم برنامج  "مدارات "،  أن هذه الإجازات العلمية، تنضاف إلى الاجازات التي سبق له أن حظي بها، من العلماء المغاربة البارزين وقتها،  ومنهم الشيخ ماء العينين،؛ والعربي الرحماني البربوشي، وأحمد بلخياط، ومحمد بن قاسم القادري، ومحمد بن جعفر الكتاني وأبي شعيب الدكالي، وعبدالرحمن بن القرشي، وأحمد بن الجيلالي الامغاري. 
 
من التدريس والإفتاء إلى ظهير الرضا والتوقير من السلطان: 
وبخصوص المهام العلمية الاولى التي تولاها عباس التعارج، أشار التهاني إلى قيام التعارجي بداية من  1899، بالتدريس في جامع روض العروس بمدينة مراكش، بشكل تطوعي ودون مقابل، قبل أن يتم تعيينه مدرسا براتب بداية من عام  1901، وبعدها بسنتين سيتولى مهمة الإفتاء مع مواصلته إعطاء  دروسه بنفس الجامع، وهو المسجد الذي لم يفارق فيه كرسي الإمامة والخطابة لسنوات طويلة. 

وتوقف التهاني عند الظهير الذي أصدره السلطان مولاي عبدالحفيظ، بعد موافقته على تعيين عباس التعارجي ضمن
 فئة الرتبة الأولى للعلماء بمراكش، حيث أضفى عليه السلطان كامل الرضا والاعزاز والتوقير في الظهير المذكور:
( يعلم من ظهيرنا هذا أسمى الله قدره ، وجعل في الصالحات طيه ونشره، أننا بحول الله وقوته،  اسدلنا على ماسكه،  كاتبنا الفقيه السيد عباس بن إبراهيم المراكشي،  وعلى والده المسن المذكور وأخيه محمد ، أردية التوقير والاحترام، والرعي الجميل المستدام .

وأشار معد البرنامج  إلى أن عباس التعارجي،  كان  ضمن ثلاثة علماء من مراكش، رافقوا السلطان مولاي عبدالحفيظ، حين غادر هذه المدينة  التي كان خليفة فيها  لاخيه مولاي عبدالعزبز، وتوجه إلى فاس في أول زيارة له إلى هذه المدينة، بعد مبايعته سلطانا. 
كما عين كاتبا في ديوان الصدر الأعظم.
وذكر أن التعارجي سيعود إلى مراكش، بعد تنازل مولاي عبدالحفيظ عن العرش لاخيه مولاي يوسف، إثر تداعيات التوقيع على معاهدة الحماية سنة  1912.
 
من التدريس والإفتاء إلى مزاولة  القضاء: 
وتوقف معد البرنامج عند الحياة الجديدة للمؤرخ عباس التعارجي، بعد رجوعه من فاس، حيث سيستأنف مهنته المحببة، ويقوم بالتدريس في مسجد المواسين بمراكش الذي كان له إشعاع ديني وعلمي، إضافة إلى اضطلاعه بمهام الإفتاء ووظيفة التوقيت، ثم عين بعدها عالما بمجلس الأملاك الفرعية
 وفي سنة 1915. سيصبح عضوا بمجلس الاستئناف الشرعي بالرباط بتزكية من الشيخ أبي شعيب الدكالي، ثم سيتولى قضاء سطات سنة 1920، وبعده قضاء مدينة لجديدة، ليعود إلى مسقط رأسه مراكش مجددا، ويشغل مهمة قاض بمحكمة المنشية، وأورد عبدالاله التهاني مارواه الباحث الأستاذ أحمد متفكر، الذي ذكرى أن "التعارجي سلك في حياته القضائية، مسلك الجادة، إذ كانت أحكامه تتسم بالدقة والنزاهة، وأنه هذا جعله يعتز بنفسه وبأحكامه".
 
مؤلفاته وآثاره العلمية والأدبية: 
 
وانتقل معد ومقدم برنامج "مدارات"، إلى استعراض مؤلفات المؤرخ والفقيه والشاعر عباس التعارجي، مشيرا إلى أن أشهرها هو كتابه الضخم (الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام)، وهو الكتاب الذي أورد الباحث أحمد أن التعارجي شرع في تأليفه سنة 1909.

وصدرت خمسة أجزاء منه إبان حياة التعارجي، وتحديدا من 1936 وإلى 1938. كما أشار إلى أن المؤرخ المرحوم عبد الوهاب بنمنصور، قد قام بداية من سنة  1973، بإخراج مجموع الاجزاء العشرة من هذا الكتاب وطبعها، مع مراجعتها ووضع تقديم لها، وذلك بعد مرور حوالي أربعة عشر عاما، على رحيل مؤلفها المؤرخ عباس التعارجي الذي توفي سنة  1959.
 
وأوضح التهاني أن هذا الكتاب، يعد موسوعة حول تاريخ مراكش وأغمات التي تقع جوارها، وأن التعارجي ترجم فيه لحوالي  1600شخصية، ممن أقاموا  فيهما أو زارهما من الاعلام الكبار، من قبيل الأدباء والعلماء والوزراء والقضاة والاولياء. 

كما أشار إلى كتبه الأخرى ومنها:
- كتاب "إظهار الكمال في مناقب سبعة رجال "،  وفيه يشرح منظومته المسماة " درر الحجال في مناقب سبعة رجال ".
وقد قام الأستاذ الباحث أحمد متفكر  بتحقيقه ونشره .
- كتاب "جواهر الماس فيمن  اسمه العباس"، وقد حققه ونشره أيضا نفس الباحث .
- كتاب " تاريخ ثورة أحمد الهيبة".
- كتاب"رسالة احتلال مراكش" ،وتقع  في ثلاثة تقييدات .
- كتاب "الجواب الموجز الوسيط عن سؤال الوزير المفضل غريط" . ومضمون هذا الكتاب يدور حول الألغاز.
- كتاب " الإمتاع بأحكام الاقطاع" .
وذكر عبدالإله التهاني بأن المؤرخ التعارجي ألف هذ الكتاب،  استنادا إلى خبرته بالتشريع المتعلق بالاراضي، حيث كانت له دراية كبيرة بالمنازعات التي تحصل بشأنها .
- كتاب " إحراز الفضل في فهرسة ابي الفضل "، وهو خاص بسيرته العلمية ورحلاته ، وما حصل عليه من إجازات علمية ، وما اتصل بهذه الأمور. 
كما أشار معد البرنامج ، إلى أن للتعارجي رسالة حول أولياء مراكش وجوامعها ، والزوايا التي فيها .
- كتاب "شرح منظومة السلطان مولاي عبدالحفيظ لجمع الجوامع". 
- كتاب "النوازل الفقهية" 
كما أورد أن  له تعاليق على مسند الإمام أحمد بن حنبل،  وكراسة في شكل حاشية على صحيح مسلم ، وشرح لمنظومة في أصول الفقه.
وفي ذات السياق أورد معد برنامج "مدارات " ، إلى ما ذكره الباحث المحقق الأستاذ أحمد متفكر، من أن للتعارجي كتابا مخطوطا، بعنوان "القضاء على الإسلام بيد أبنائه"، إضافة إلى عدة تقاييد وحواشي أخرى، علما أن أغلب هذه الكتابات مازال مخطوطا.
 
عباس التعارجي شاعرا :
وأوضح التهاني أنه بالإضافة إلى كل ما ذكر،  من المؤلفات التاريخية والفقهية للعالم والمؤرخ عباس التعارجي، هناك الجانب الشعري في شخصيته، ممثلا بديوان قصائده،  الذي قد يكون رتبه وهو على قيد الحياة، لكن من دون أن يتم العثور عليه كاملا تاما، بعد وفاته رحمه الله سنة 1959وهو في سن الثانية والثمانين من عمره .
وفي هذا الصدد، أشار إلى الجهود التي بذلها الباحث في التراث الادبي والعلمي المغربي الأستاذ أحمد متفكر، للتنقيب عن ديوان التعارجي في الخزانات العامة والخاصة، لكن دون نتيجة، لكنه تمكن  مع ذلك من جمع عدد مهم من القصائد المتفرقة في عدة مصادر، وهي التي شكلت جزءا مهما من الكتاب الذي أصدره هذا الباحث،  تحت عنوان " القاضي عباس التعارجي المراكشي: حياته وشعره " .
وكان عبدالإله التهاني قد ختم حديثه الإذاعي عن المؤرخ عباس التعارجي، بقراءة نماذج من شعره الديني ، ومقاطع من قصائده التي قالها في الحنين إلى مدينته مراكش ، خلال مقامه بفاس ، إضافة إلى تقديم  نموذج من شعره الغزلي العفيف.