في كل مناسبة من المناسبات الروحية/الدينية المرتبطة بالتدين المغربي الأمازيغي (وخصوصا المواسم الدينية الكبرى) تنبري أصوات ممثلي انماط التدين الأخرى في المغرب (كالتدين السلفي بأوجهه المتعددة الوهابي أو السلفي المتطرف أو تدين الإسلام السياسي بأوجهه المتعددة (الإخواني، أو التكفيري أو الداعشي..) لتبخيس هذه المناسبات ومحاربتها بربطها بممارسات اعتقادية وثنية أي شركية، الغرض منها محاربة الوجه الثقافي والهوياتي للشعب المغربي، ومن تم يسهل على ممثلي هذه الأنماط التدينية المسيسة منها أو غير المسيسة نشر مشروعهم الإيديولوجي والسياسي أسوة ببعض هذه النماذج المنتشرة في الشرق، والتي أدت إلى إغراق تلك المجتمعات التي انتشرت فيها هذه النماذج في الفوضى أو التخلف الفكري الذي نراه اليوم في الشرق.
لذلك سنرى أنه في كل مناسبة روحية ترتبط بالتدين المغربي الأمازيغي تتعالى هذه الأصوات مستنكرة بدعوى انحراف المغاربة المحتفلين بهذه المناسبة الروحية عن الدين أي عن تصور السلفي أو السياسي والتأويلي للدين الذي يمتح من مرجعية ثقافية مختلفة عن العقلية الثقافية المغربية،(وما الحملات التهجمية على موسم تاعلاط بسوس هذه الأيام، وهو من أكبر المواسم الدينية، إلا صورة من محاولة الإسلام السلفي أو السياسي سلخ المغاربة عن هويتهم الثقافية)،ونحن مع الإصلاح الديني المرتكز على التراث والثقافة المغربية بعمقها الأمازيغي، وضد كل من يحاول فرض نموذجه الديني/ الديني لغرض سياسي أو إيديولوجي لا ينتمي إلى ثقافتنا.
ولفهم المرجعية الثقافية والتدينية لممثلي هذه التيارات الدينية والسياسية المعادية لبعض مظاهر الثقافة المغربية، لا بد أن نتطرق إلى الأشكال والممارسات المختلفة للتدين في المغرب، ورغم أن هذه الأشكال هي أشكال متنوعة ومتناقضة أحيانا ومتجانسة أحيانا أخرى، تجمع ما بين المعتقدات القديمة والمعتقدات الإسلامية، وهو ما شار إليه سابقا بول باسكون حين كتب ".. وإذا كان الله واحدا، فإن الطريقة التي يعبد بها متعددة، وإن مجمل التاريخ الديني للمغرب هو تاريخ إخضاع لغرائز نزعة وثنية لا تكف عن الإنبعاث. فبين السحر والإسلام الشعبي والإسلام السني، والإسلام الصوفي لم تعقد الغلبة قط لأحدها على الباقي،وإنما هناك في أغلب الأحيان تعايش، إن لم يكن تحالف وابدال"(1) .حيث تبقى الممارسات والاعتقادات الدينية متصالحة ومتصارعة أحيانا؛ لكنها منذ التسعينات من القرن الماضي وبعد دخول الإسلام السياسي والوهابي إلى المغرب، اشتد هذا الصراع بين هذا الإسلام
الإيديولوجي وبقية الأنواع الأخرى للتدين المغربي، وهو صراع سياسي بلبوس وإيديولوجية دينية وبمرجعية ثقافية وفكرية مختلفة عن الثقافة المغربية؛ لذلك سنميز بين أنماط أربعة للتدين في المغرب :نمط التدين الشعبي السائد (ذو المرجعية الثقافية المغربية أي الأمازيغية) وهو الأكثر ترسخا وانتشارا،ونمط التدين الرسمي التي تعتمده الدولة،ونمط التدين الصوفي الذي تركز عليه الطرق الصوفية،وهو الأقرب إلى التدين الشعبي (تم تشجيعه مؤخرا بعد أن فقد الكثير من مواقعه)، ونمط التدين السلفي الإيديولوجي الذي تتبناه الجماعات الإسلاموية السياسية والسلفية والوهابية. هذه الأنماط تتصارع فيما بينها خصوصا حين يحاول النمط المسيس منهااحتلال مواقع التدين الشعبي وهو الأكثر ترسخا وانتشارا..
لذلك غالبا ما يلتجئ التدين الرسمي السياسي إلى موالاة التدين الشعبي أو الصوفي لمحاصرة مد التدين الإسلاموي المسيس الذي يحاول إزاحة كل الأنماط الأخرى من الساحة ويصارعها بكل الوسائل الدينية أو الإيديولوجية لتعبيد الطريق نحو إقامة المشروع الديني والسياسي لهذا النمط من الإسلام السياسي للوصول إلى الحكم، والتعبيد هذا لن يستطيع النجاح إلا بتدمير الثقافة المغربية الأمازيغية وتنفير المغاربة من تدينهم المغربي بتصويره تدينا مارقا.
لذلك يمكن فهم الحملات الشرسة من التيار السلفي والوهابي بالمغرب، وخصوصا بعض الدعاة في سوس ضد كل شكل من أشكال الهوية الأمازيغية بما فيها التهجم على الفقهاء والمدارس العتيقة والمواسم الدينية (أي التدين المغربي) والتهجم على الروايس والشعراء والفنانين، ومهاجمة المرأة في إطار معارضتهم لتجديد مدونة الأسرة...
------------------------
1- بول باسكون، مقاله: الأساطير والمعتقدات بالمغرب، ص 96, مجلة بيت الحكمة، العدد 3, 1986.