وصفت رئيسة جمعية خريجات وخريجي مدارس محمد الخامس بالرباط الأستاذة خديجة شاكر، كتاب " في الوطنية والمواطنة .. " لمصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بأنه بمثابة: " نداء تربوي، يدخل ضمن ما يمكن تسميته بتدريس الذاكرة الجمعية، وكذا ضمن الوظيفة الاجتماعية لدرس التاريخ، ويثير في نفس الوقت إشكالية عميقة حول مناهج مادة التاريخ في المؤسسات المدرسية من المرحلة الابتدائية إلى نهاية التعليم المدرسي.
حفظ الذاكرة
لكن الأستاذة شاكر لاحظت في معرض قراءتها لهذا الكتاب خلال الندوة التي نظمتها الأربعاء 21 فبراير 2024 النيابة الجهوية للمندوبية بالرباط، بتعاون وتنسيق مع جمعية خريجات وخريجي مدارس محمد الخامس والجمعية المغربية للتنمية والتكوين والاندماج، أن هذا الإصدار وأكدت على أن مراجعة المناهج التعليمية منذ إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، قد أثمرت الكثير من التعديلات وإعادة النظر في المضامين والأساليب والأدوات؛ " إلا أنها بالمقابل لم تصل بعد إلى ما ترجوه المؤسسات المعنية بحفظ الذاكرة، خاصة بعد أعمال هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها، وتراكم بعض الدراسات التاريخية حول الذاكرة التاريخية الوطنية".
التفكير النقدي
وفي هذا الإطار، ذكرت بأن مجلس حقوق الإنسان بجنيف، قد أوصى في تقريره السنوي، ومنذ سنة 2014، بأن " تدريس التاريخ ينبغي أن يستنهض ويعزز ثقافة المشاركة المدنية، والتفكير النقدي، والنقاش، لكي يعيننا ليس على فهم الماضي فحسب، بل أيضاً على إدراك تحديات العصر الحاضر، مثل التمييز والعنف. وخلص إلى أن أول خطوة يمكن تحقيقها، حتى وإن كان التوصل إلى رواية مشتركة لأحداث الماضي أمراً سابقاً لأوانه أو كان شديد الإيلام؛ تتمثل في إقرار وإدراك تعدد وجهات النظر بشأن أسباب وقوع تلك الأحداث وكيفية وقوعها. ويكمن التحدي في التمييز بين عمليات تحوير التاريخ لغايات سياسية، والعملية المشروعة المتمثلة في إعادة تفسير الماضي باستمرار".
التاريخ المنسي
ومن هذا المنطلق اعتبرت شاكر أن هذه الإشكالية التربوية والبيداغوجية، من المسائل التي تفرض قراءةُ هذا الكتاب طرحَها والبحث فيها، وحول أبعادها التربوية والتاريخية والاجتماعية والسياسية، خاصة وأن كتابة التاريخ لا بد أن تُعْنى بالهوامش المقصية، وبصانعي التاريخ المنسيين، سواء منهم العمال أو الفلاحين أو النساء على حد قول المتدخلة.
وثيقة تاريخية
وفي معرض قراءتها لمضامين الكتاب شددت على أنه يمثل، " وثيقة تاريخية زاخرة بالوقائع والأحداث التي عرفها المغرب منذ حرب تطوان 1859- 1860 كدرس، من دروس المقاومة الشعبية ضد الغزو الإسباني، وانتفاضة فاس في أبريل 1912، مرورا بالمعارك والانتفاضات التي قام بها المغاربة عبر جميع ربوع الوطن، ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني؛ وصولا إلى ذكر عطاء وسير أعلام مغربية بصموا تاريخ المغرب بالمقاومة والأدب والفقه والثقافة".
قضايا معاصرة
ومن جهة ثانية، لاحظت أن الكتاب يطرح قضايا راهنة يعيشها المغرب المعاصر، ويساهم في تناول إشكالاتها القائمة، كمسألة التنمية، والحكامة، ومسألة التربية على القيم وعلى المواطنة، وموقع المغرب وأدواره في العالم. لذلك فهذه الوثيقة الغنية بالأفكار التي تزخر بها، والقيم التي تنادي بها، والأسماء التي تحتفي بها، والأحداث والوقائع التي تَذْكرها وتُذكّر بها؛ وثيقةٌ تتدفق بالحياة، وتضج بالحركة المستمرة بين الماضي والحاضر، جيئة وذهاباً، إنها تجسد ذلك الإحياء المتواصل للذاكرة الجماعية، وتلك الإرادة الدؤوبة لمحاربة النسيان، ومواجهة اللامبالاة والنكران، كما تجسّد ذلك الاستلهام العميق لدروس المقاومة المغربية ضد جميع أشكال الاضطهاد والظلم وعِبَرِهَا، في طرح وتناول قضايا الراهن ومعضلاته.
تثمين الذاكرة
وسجلت أن الكاتب انتبه جيدا إلى موضوع رئيسي رابط بينها يتجلى في تثمين الذاكرة التاريخية الوطنية، وإبراز منظومة القيم الوطنية." (ص 10) موضحة أن هذا الموضوع الرئيسي وهو الرابط الوثيق، ينتظم بكل ثقله وتنوعه في إطار دال: "الوطنية والمواطنة"، وهو العنوان البليغ الذي يفتح مضامين الكتاب على قراءات متعددة، ويوجهها نحو المبتغى والمنتهى.
أبعاد المواطنة
وبكل أبعاد المواطنة، تتحققٌ القيم الإيجابية المرتبطة بكافة الحقوق اللازمة لممارسة الحرية والمساواة والعدالة في إطار دولة الحق والقانون، مع الالتزام بقواعد السلوك المدني وبالواجبات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، والمشاركة والمساهمة في كافة أوجه المبادرات العامة ومجالات العمل العام تقول الاستا\ة شاكر التي أضافت في هذا الإطار إلى أنه يمكن إظهار بعض الأبعاد التي يحيل إليها الكتاب ويحملها بين طيات صفحاته، وهي أبعاد مستوحاة من تصنيف خاص للمضامين التي تملأ العروض والدروس، يُيَسِّر قراءةً غير متخصصة في التاريخ، ويسهل التواصل مع المهتمين ومع عموم القراء.
أبعاد متعددة
وبعدما توقفت مطولا عند دلالات ما يتضمنه المؤلف من هذه الأبعاد التي تشمل ميادين تحررية وتربوية وثقافية، عبرت الأستاذة شاكر عن اعتقادها بأن قراءة هذا الكتاب " فتحت الكثير من مجالات التفكير"، سواء ما تعلق منها بالتاريخ والذاكرة، أو بمفاهيم من قبيل الهوية، الوطنية، المواطنة، الذاكرة الوطنية، القيم الوطنية، صيانة وحفظ الذاكرة المشتركة... كما أنها أثارت إشكاليات ترتبط بالمجال التربوي وبالمجال الثقافي، وبأسئلة التنمية والحكامة والجهوية المتقدمة.
استشراف المستقبل
وخلصت القول إن " الوطنية والمواطنة .." كتاب غني بحكايات التاريخ الموثَّقة، وبأفكار متجددة حول قضايا المغرب الراهن، وبعودة هادفة إلى الماضي من أجل فهم الحاضر واستشراف المستقبل؛ يتوجه بكل ثقله المعرفي والوطني إلى الأجيال الناشئة ويقدم مواد ثرية للبحث والدراسة تساعد على إغناء الحقل التاريخي والثقافي بالمغرب.
وكانت الأستاذة شاكر قد عبرت باسم جمعية خريجات وخريجي مدارس محمد الخامس، في مستهل مداخلتها عن بالغ السرور بالمشاركة في تنظيم هذا اللقاء العلمي والفكري، الذي احتضنته القاعة الكبرى للمؤسسة، وشارك فيه كذلك كلا من عبد الفتاح بلعمشي أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش ونبيل الصافي، رئيس المجمع الوطني للثقافة، بحضور عدد من الفعاليات، تقديرا للدور الوطني الذي قامت به مدارس محمد الخامس، منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وعلى مكانتها العريقة إلى جانب المدارس الوطنية الحرة في تاريخ المغرب وعبره، كمهد لمقاومة الاستعمار ومواجهة مخططاته الماسّة بالهوية والقيم الوطنية.