الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
فن وثقافة

وفاة المبدع المتعدد لحسن زينون.. طائر النار

وفاة المبدع المتعدد لحسن زينون.. طائر النار الراحل لحسن زينون، "تصوير الفنان الفوطوغرافي عبد السلام حضيري"

خبر مفجعٌ تلقاه المشهد الفني والثقافي في المغرب، اليوم الثلاثاء 16 يناير 2024، بوفاة الكوريغرافي و السينمائي المبدع لحسن زينون، بعد مرض ألمَّ به مما استدعى نقله إلى إحدى مصحات الدار البيضاء، حيث أجريت له عملية جراحية أدت بعدها إلى دخوله في غيبوبة استمرت لعدة أيام...

"أنفاس بريس" و"الوطن الآن" تتقدمان بأحر التعازي والمواساة إلى زوجته ميشال وابنه قيس، وإلى كافة صديقاته وأصدقائه من المبدعات والمبدعين، وإلى كل من ترك فيهم لحسن زينون بصمة فرح ومرح في هذه الحياة.

في ما يلي ننشر نصا عن ملامح تجربته في الحياة والإبداع.

 

 

«الجسم ليس منفردا كجيفة،

لكنه غريب كحبة ملح

لا تزال على طرف الجبل».

(جلال الدين الرومي، تأويل محمد عيد إبراهيم)

«ينبغي قبل كل شيء أن نتعلم كيف نسمع حركة الأقدام».

كي نسمع هذهِ الحركة، هل علينا أن نتعلم الرقص؟

هل علينا أن نتعلم كيف نشاهد الرقص إذا فاتنا عمر تعلم الرقص؟

الأمر في كلتا الحالتين يحتاج إلى التعرف على الحالة الداخلية للجسد الراقص، يحتاج إلى السفر في اتجاه فك لغز الجسد.

وحتى نحب الرقص، لابد من أخذ المسافة... لابد أن يكون البين بيننا وبينه. لابد أن يكون الرقص أمامنا لا وراءنا... فالرقص (لا) يسمع.. الرقص يرى.. الرقص يسمع ويرى...

يصبح الرقص موضوع الجسد والذاكرة.. يصبح خطا وخيطا رابطا بينهما.

الرقص لا يخرج عن منطق باقي الأجناس الإبداعية، فهو مثلها، تماما، تعبير عن مخزون الذاكرة، إلا أنه استثناء من حيث جرأة التعبير... فالجسد في الرقص لا يخضع للأنساق الأخلاقية ولا للأنساق الاجتماعية ولا لسلطة العقل... ذلك لأن الجسد فيه يصبح علامة فارغة من الثقافة.. وحين تفرغ العلامة من الثقافة المكتسبة تصير محلا للانفعال، محلا للأنثوي، محلا للطبيعة لا للتطبع. أي أننا نصبح معه (الرقص) أقرب إلى الميتوس أبعد عن اللوغوس.

يضع الرقص الجسد في حالة تراجيدية، في حالة انجذاب بين السماء والأرض.

ألهذا أعلن نيتشه بأنه لا يؤمن بإله لا يجيد الرقص؟

ألهذا استلهم الراقص والكوريغرافي موريس بيجار رائعته «زرادشت، أغنية الرقص» من فيلسوف التراجيديا نيتشه؟

ألهذا، أيضا، أعاد المبدع الكوريغرافي لحسن زينون تشخيص باليه «طائر النار» لإيجور فيودوروفيتش سترافينسكي؟

«إذا حاولتم قمع الذاكرة، لا مفر من أن يعود شيء منها إلى السطح. أنا هو من يعود».

يغلب علي الظن أني سمعت هذه العبارة تنبس من شفتي الكوريغرافي لحسن زينون، ذات لحظة في مهرجان رقص معاصر بالدار البيضاء...

ففي كل مرة يذكر اسم لحسن زينون يعود الرقص إلى الذاكرة وإلى الجسد. يعود لحسن زينون نفسه راقصا مالكا سر الحركة وسر الإيقاع. يعود ويعيد للعين تلك الطبيعة التي لا يمكن أن نكتشفها ونعلن عنها إلا في غمرة الرقص أو في غمرة النظر إليه.

إن وضعية الراقص، كما حاول لحسن زينون ترسيخها في أذهان البعض، هي تماما كمثل عارية الرسام الفرنسي مانيه «أولامبيا» التي تحدق في المشاهد دون خجل ودون أدنى شعور بالدونية... نظراتها تخترق إطار اللوحة لتعلن، من خلالها ومن خلال جسدها العاري، حريتها ورفضها لأي انصياع...

الرقص لا يترك الجسد خاضعا لمنطق اللوغوس.. الرقص يحايث الميثوس، يدخلنا إلى منطقة اللاشعور حيث لا قيود ولا حواجز لحياة الجسد-الطبيعة...

ولهذا كلما واجهني الرقص أشعر أني عار من الأخلاق ومن الأنساق.. أشعر أني أميل إلى الطبيعة أكثر مما أميل إلى الثقافة، أميل إلى البدن لا إلى الجسد.. فالجسد ثقافة، أما البدن فطبيعة.. والبدن-الطبيعة في الرقص يتملك الجسد-الثقافة، ليصير الراقص في الجذب مرتبطا بالأرض أكثر من ارتباطه بالسماء... وهنا يكون الراقص خارج منطق السلطة: سلطة الأب وسلطة النظام.

هناك أثر خفي في علاقة لحسن زينون بالرقص. أثر من شدة خفائه يتشظى في الفناء المهيء للرقص. أليس الخفي هو صوت الوطء على الأرض؟

أتعرف ما معنى أن تُحبَّ؟ هو أن تُوَّحِدَ في جَسدكَ الشِّعرَ والمُوسيقَى والرَّقص.. فإن لم تستطعْ، فبالحضورِ والإنصاتِ والرؤيةِ، أو كُنْ مِرآةً.