بعد كل عرس سياسي يتولد الإنفجار العظيم وتنطبق نظرية البيغ بانغ من جديد لتجديد الأسس السياسية التي تنبني على مقومات سديدة. كذلك جرت العادة في جميع الممارسات الديموقراطية في العالم، فالسياسة تتولد عن ضغوطات المجتمع العديدة والانفجارات التي تتوارى جراء كذلك كصوت مرافق لآهات ومعاناة الشعب، كذلك هي الفطرة السياسية لدى كل شخص فالجميع مهيئ ومستعد فطريا للتعايش والتكيف مع الأوضاع السياسية كيفما كان هولها وثقلها على كاهله.
فالشعب يتقاسم الكثير، ويحط رحاله بعد كل منعطف سياسي ومنعرج مؤسساتي له لمراقبة مدى تحيين القيم التي يتم الترافع بشأنها من طرف القادة. فتارة يتجدد الأمل، وتارة ينقلب التفاؤل إلى تشاؤم وقنوط. فالعيش المشترك في دائرة موحدة وكما هو معلوم غير ممكن لكون جمالية العيش إنما تتجلى في الاختلاف إذ أن أعظم اكتشاف يحظى به الشخص في تأملاته الفكرية يتجلى في السفر عبر العقول وذلك بالدخول من باب التواصل الواسع لتبادل الأفكار ومحاولة فهم التراكمات الفكرية التي تجعل بالشخص يؤمن بما هو عليه اليوم، وهنا التساؤل أهو مقتنع بالقناعات التي بنى عليها قناعاته ؟ أم أن جذور الضرر المعنوي والمعاناة أثرت على المواقف وجعلته متصلبا فكريا عاجزا على معالجة نفسه ؟ كثير هي التساؤلات والإجابات لا يمكن بناءها إلا بعد استشفاف عميق لأغوار النفس البشرية التي لا تكتشف دفعة واحدة، لكنها تتحق، وتتجسد وتتواصل بواسطة الأنا المحرك لذاتها إذ يجعلها هذا الأخير صوتا لخيارين لا ثالث لهما : التحرر والتعالي أم التذمر والمعاناة. فحركة التشخصن للشخص تتحدد بمقومات عديدة تتسارع أحيانا وتتباطئ في بعد ذلك تحسبا للأوضاع الخاصة للظرفية.
إن أجمل ما في تحليل الشخص هو توفره على وسائل التحرر الذاتي والتي تتساوى عند جميع الأفراد على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم، إلا أن الاختلاف الوحيد إنما يكمن في مدى تطويره للسرعة والفعالية في التعامل مع المواقف والتي لا تتأتى ألا بعاطفة جياشة وبالقدرة على التواصل مع القلوب التي تحرك شطرنج الشخص. وفي هذا الإطار يمكن القول أنه بقدر ما يتفاهم الأشخاص فيما بينهم بقدر ما يتعاطفون وبقدر ما يتعاطفون يتواصلون، وكلما ازداد التواصل وتمتن اتسع نطاق التفاهم وذلك طبقا لقواعد التبادل الجدلي والتواصلي.
المغرب اليوم أمام منعطف جديد ومحطة حاسمة، أمام التحديات الجمة التي تواجهها قطاعات عديدة يحتاج لشخصنة جديدة مبنية على روح التعاون البناء لاستكمال مساره التنموي الجديد ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال آليات فعلية وواقعية تتجلى على أرض الواقع بسياسات تعكس مختلف أبعاد القضايا الكبرى للمملكة.
وهنا التساؤل من جديد حول مدى جاهزية السياسي لمواجهة هذه التحديات والتصدي لها بما يتناسب والمنطق السليم الذي يوجبه بتفعيل جميع آليات التواصل لبناء قناطر اتقاد الشعب من أجل التغيير الذي لازال ويظل هاجس كل مواطن على ربوع المملكة. فالسياسة هي وقبل كل شيء حق نمارسه دون أن نشعر، نعبر عنه في كل محطة من حياتنا، على اختلاف الأساليب إلا أنها تجمعنا، وتوحدنا لمواجهة كبرى التحديات، تلك التي تجعل من استيقاظنا كل صباح والمثابرة على العمل معنى، ذلك التصبر الذي يتحلى به المغاربة رغم الصعاب الكثيرة والآهات المتجددة في خضم رحم المعاناة ينشئ الأمل ويتجلى في التعابير المختلفة لقول "لا " أو "نعم بمنطق السيادة الشعبية، منطق آمال شعبية لا تموت.