Friday 1 August 2025
سياسة

عبد الله استيتو: كيف أعاد الملك محمد السادس الاعتبار لتاريخ المغرب فـي بعده العام والشامل

 
عبد الله استيتو: كيف أعاد الملك محمد السادس الاعتبار لتاريخ المغرب فـي بعده العام والشامل الدكتور عبد الله استيتو،أستاذ باحث في التاريخ بجامعة ابن زهر
لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المتأمل‭ ‬في‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للمغرب،‭ ‬سيخرج‭ ‬بقناعة‭ ‬راسخة‭ ‬أن‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬الأمانة‭ ‬العظمى‭ ‬للمغاربة،‭ ‬فهو‭ ‬قارب‭ ‬إشكالات‭ ‬الدولة‭ ‬مقاربة‭ ‬مندمجة‭ ‬وشاملة،‭ ‬لم‭ ‬تدع‭ ‬مجالا‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬إلا‭ ‬وناولته‭ ‬حظه‭ ‬من‭ ‬العناية‭ ‬والاهتمام،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬أو‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بالقضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والسياسية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؛‭ ‬لكن‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬المتتبعين‭ ‬لهذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬العميقة‭ ‬لأوضاع‭ ‬المغرب،‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يدركون‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تدبيره‭ ‬للشؤون‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬والأصعدة،‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لتاريخ‭ ‬المملكة‭ ‬وذاكرتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأن‭ ‬يضفي‭ ‬عليه‭ ‬طابعا‭ ‬واقعيا،‭ ‬وأن‭ ‬يجعله‭ ‬قطاعا‭ ‬حيويا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى‭.‬

إذن،‭ ‬كيف‭ ‬أعاد‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الاعتبار‭ ‬لتاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬بعده‭ ‬العام‭ ‬والشامل؟
إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬الملكية‭ ‬للذاكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬وللتاريخ‭ ‬المغربي‭ ‬عموما،‭ ‬يستوجب‭ ‬تحديد‭ ‬مفهوم‭ ‬واضح‭ ‬لمعنى‭ ‬التاريخ‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية؛‭ ‬لأن‭ ‬قراءة‭ ‬متأنية‭ ‬وفاحصة‭ ‬للخطابات‭ ‬الملكية‭ ‬وما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬حسابها‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬وظهائر‭ ‬ومكاتبات‭ ‬تهم‭ ‬الشأن‭ ‬الداخلي‭ ‬للمملكة‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الخارجية‭ ‬مع‭ ‬معظم‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القارات،‭ ‬يُستنتج‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تجديدا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لمفهوم‭ ‬التاريخ،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬وما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬وأحداث‭ ‬وانتصارات‭ ‬وانكسارات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؛‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬رافعة‭ ‬للتنمية‭ ‬السياسية‭ ‬والبشرية،‭ ‬وأصبح‭ ‬فضاء‭ ‬واسعا‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الذاكرة‭ ‬والثقافة‭ ‬والفن،‭ ‬ويحيل‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الدولة‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بمحيطها‭ ‬الخارجي،‭ ‬وأنه‭ ‬الوعاء‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬كل‭ ‬التحولات‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مبادرة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬الواعدة،‭ ‬إلا‭ ‬ولها‭ ‬خلفيات‭ ‬تاريخية،‭ ‬تمتح‭ ‬منها‭ ‬مقوماتها،‭ ‬وتؤصل‭ ‬لوجودها‭ ‬وكينونته‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬إعادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬الاعتبار‭ ‬للتاريخ‭ ‬المغربي،‭ ‬وإدراجه‭ ‬ضمن‭ ‬رؤى‭ ‬مندمجة‭ ‬فاعلة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬تتسم‭ ‬بالتحيين‭ ‬والواقعية‭ ‬ومواكبة‭ ‬الأحداث‭ ‬الراهنة،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬كينونته‭ ‬وأصالته‭ ‬وربط‭ ‬حاضره‭ ‬بماضيه؛‭ ‬نجد‭ ‬ما‭ ‬يلي:
‭-‬‮ ‬العناية‭ ‬بالموروث‭ ‬الثقافي‭ ‬المادي‭ ‬واللامادي‭: ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬المغربي،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬فن‭ ‬الملحون‭ ‬الأصيل‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إدراجه‭ ‬ضمن‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬للبشرية،‭ ‬وأصدر‭ ‬تعليماته‭ ‬لتعزيز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬التراث‭ ‬المغربي‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬نشره‭ ‬وإخراجه‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود،‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المتاحف‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬مغربية،‭ ‬أهمها‭ ‬متحف‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للفن‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬بالرباط،‭ ‬ومتحف‭ ‬في‭ ‬مراكش،‭ ‬وآخر‭ ‬في‭ ‬فاس‭ ‬وأكادير‭ ‬وطرفاية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬هذه‭ ‬الأوعية‭ ‬التاريخية‭ ‬بامتياز،‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬فنيا‭ ‬وثقافيا‭ ‬وتاريخيا؛
 
‭-‬ إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬المدن‭ ‬العتيقة‭: ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مظاهر‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للتاريخ‭ ‬المغربي؛‭ ‬لأن‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬بأسوارها‭ ‬وأحيائها‭ ‬ودورها‭ ‬ومساجدها‭ ‬ومختلف‭ ‬مرافقها،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬سجلات‭ ‬تاريخية‭ ‬صامتة،‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانبها‭ ‬يحكي‭ ‬تاريخيا‭ ‬مغربيا‭ ‬أصيلا‭ ‬وصادقا؛‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الملك‭ ‬أولى‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬إدراكا‭ ‬منه‭ ‬للمورثات‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية‭ ‬التي‭ ‬تستبطنها،‭ ‬فترأس‭ ‬جلالته‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬لتثمين‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬وتأهيلها‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لتاريخها؛‭ ‬مثل‭ ‬مدن:‭ ‬تطوان،‭ ‬طنجة،‭ ‬سلا،‭ ‬الرباط،‭ ‬مكناس،‭ ‬فاس،‮ ‬‭ ‬مراكش،‭ ‬الصويرة،‭ ‬تارودانت‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الصيانة‭ ‬والترميم‭ ‬والتهيئة‭ ‬الشاملة؛
 
‭ -‬دعم‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية‭: ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬حرص‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬الصناعة‭ ‬التقليدية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬واجهة‭ ‬تاريخية‭ ‬وحضارية‭ ‬للمملكة‭ ‬المغربية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الألبسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الخزف‭ ‬أو‭ ‬الصناعة‭ ‬الجلدية‭ ‬وغيرها؛‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الموروثات‭ ‬وتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬المشتغلين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع؛
 
‭-‬ تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التراث‭: ‬دعا‭ ‬الملك‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬غير‭ ‬المادي،‭ ‬وأنشأ‭ ‬مركزا‭ ‬وطنيا‭ ‬للتراث‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬لتثمين‭ ‬المكتسبات‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال؛
 
‭-‬ حفظ‭ ‬الأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬أكبر‭ ‬خدمة‭ ‬لتاريخ‭ ‬المغرب‭: ‬أولى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬للأرشيف‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرات‭ ‬ملكية‭ ‬شخصية‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬استرجاع‭ ‬المغرب‭ ‬لعدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬التاريخية‭ ‬المتنوعة‭ ‬الموجودة‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬أجنبية؛‭ ‬مثل‭ ‬الخزانة‭ ‬الزيدانية‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬السلطان‭ ‬السعدي‭ ‬زيدان‭ ‬الناصر‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬المنصور‭ ‬الذهبي،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬5000‭ ‬مخطوط‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المخطوطات‭ ‬العربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والتركية‭ ‬واليونانية،‭ ‬والتي‭ ‬استولى‭ ‬عليها‭ ‬قراصنة‭ ‬إسبان‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬عام‭ ‬1612،‭ ‬ونقلوا‭ ‬محتوياتها‭ ‬إلى‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وتم‭ ‬إيداعها‭ ‬في‭ ‬خزانة‭ ‬الإسكوريال؛‭ ‬حيث‭ ‬فشل‭ ‬السلطان‭ ‬السعدي‭ ‬في‭ ‬استرجاعها؛‭ ‬كما‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السلطان‭ ‬المولى‭ ‬إسماعيل‭ ‬عام‭ ‬1690‭ ‬م،‭ ‬بعدما‭ ‬أرسل‭ ‬في‭ ‬شأنها‭ ‬سفيره‭ ‬الوزير‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬الغساني‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإسبان‭ ‬حول‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الأسرى‭ ‬المسلمين‭ ‬وعرض‭ ‬تبادل‭ ‬أسرى‭ ‬المسيحيين‭ ‬مقابل‭ ‬استرجاع‭ ‬الخزانة‭ ‬الزيدانية؛‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬فبقيت‭ ‬محتوياتها‭ ‬في‭ ‬الديار‭ ‬الإسبانية‭ ‬لما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬أربعة‭ ‬قرون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬هذا‭ ‬الكنز‭ ‬التاريخي‭ ‬النوعي‭ ‬إلى‭ ‬موطنه‭ ‬الأصلي‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬يوليو‭ ‬2013‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬مدريد؛‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬المملكة‭ ‬نسخة‭ ‬رقمية‭ ‬من‭ ‬الخزانة‭ ‬الزيدانية‭ ‬على‭ ‬الميكرو‭ ‬فيلم؛‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للذاكرة‭ ‬والتاريخ‭ ‬الوطنيين؛‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬بمبادرات‭ ‬مماثلة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأرشيف‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أعطى‭ ‬تعليماته‭ ‬المولوية‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬تأسيس‭ ‬مؤسسة‭ ‬أرشيف‭ ‬المغرب‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬والتي‭ ‬انطلق‭ ‬العمل‭ ‬بها‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011؛‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬الاعتبار‭ ‬فعليا‭ ‬للتاريخ‭ ‬المغربي؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬بلادنا‭ ‬توافرت‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬أرشيف‭ ‬تاريخي‭ ‬منظم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤسسة‭ ‬عمومية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية؛‭ ‬
 
‭-‬ دعم‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬التنمية‭: ‬اعتبر‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬للتنمية‭ ‬الوطنية‭ ‬الشاملة،‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬بنية‭ ‬ملائمة‭ ‬للإنتاج‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬مع‭ ‬إيلاء‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالثقافة‭ ‬مثل‭ ‬المسارح‭ ‬والمتاحف‭ ‬والمعارض‭ ‬وما‭ ‬إليها؛
 
‭-‬ ترسيخ‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬وإصلاح‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭:‬‭ ‬قارب‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬هذه‭ ‬الواجهة‭ ‬التاريخية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ورش‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬للثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬بحمولاتها‭ ‬التاريخية،‭ ‬معتبرا‭ ‬إياها‭ ‬انفراجا‭ ‬هائلا‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الراهن،‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬خطاب‭ ‬أجدير‭ ‬سنة‭ ‬2001،‮ ‬‭ ‬ودسترة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬وطنية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دستور‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬واعتماد‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬عطلة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2023؛‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬دعم‭ ‬التعددية‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬بتشجيع‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬والحسانية‭ ‬واليهودية‭ ‬وغيرها،‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬خصوبة‭ ‬التاريخ‭ ‬المغربي،‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬للتعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬والتساكن‭ ‬والتضامن؛‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الإصلاح‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬أحاط‭ ‬به‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المذهبية‭ ‬والعقيدة‭ ‬الأشعرية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة؛

‭-‬ الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الخارجية‭:‬‭ ‬وهذا‭ ‬الاستثمار‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الملكية‭ ‬الفاعلة‭ ‬والمؤثرة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات،‭ ‬مثل:
-‭ ‬قيام‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬بإعادة‭ ‬المغرب‭ ‬إلى‭ ‬دبلوماسية‭ ‬نشطة‭ ‬وقوية،‭ ‬خصوصا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي؛‭ ‬حيث‭ ‬استثمر‭ ‬مكانة‭ ‬المغرب‭ ‬التاريخية‭ ‬وثقله‭ ‬الديني‭ ‬لتعزيز‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬واستعادة‭ ‬مكانة‭ ‬المغرب‭ ‬المشروعة‭ ‬داخل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬ودعم‭ ‬دوره‭ ‬الجيو-‭ ‬استراتيجي‭ ‬إقليميا‭ ‬وقاريا‭ ‬ودوليا؛
 
‭ -‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬جيدة‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭:‬‭ ‬حرص‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬علاقات‭ ‬المملكة‭ ‬مع‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الكبرى‭ ‬علاقة‭ ‬تعاون‭ ‬واحترام‭ ‬متبادل؛‭ ‬مستفيدا‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬الصاعدة‭ ‬للمملكة،‭ ‬وارتباط‭ ‬تاريخ‭ ‬المغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬بعلاقات‭ ‬متجددة‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬متمسكا‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‮ ‬‭ ‬ووحدة‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬مكانة‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية؛
 
- ‬الدور‭ ‬الحاسم‭ ‬والمحوري‭ ‬للملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬ملف‭ ‬الصحراء‭ ‬المغربية‭ ‬دوليا؛‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬دبلوماسية‭ ‬نشطة،‭ ‬مكنت‭ ‬من‭ ‬كسب‭ ‬تأييد‭ ‬دولي‭ ‬متزايد‭ ‬لمغربية‭ ‬الصحراء،‭ ‬بعدما‭ ‬نجح‭ ‬جلالته‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬اعترافات‭ ‬دولية‭ ‬واسعة‭ ‬ووازنة،‭ ‬أعقبتها‭ ‬إقامة‭ ‬قنصليات‭ ‬عامة‭ ‬أجنبية‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية؛‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الدول‭ ‬التقليدية‭ ‬والصديقة؛‭ ‬مثل‭ ‬إسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإنجلترا‭ ‬وألمانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وتأييد‭ ‬مقترح‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬المغربي؛
 
- أسس‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المغرب‭ ‬موقعه‭ ‬كقوة‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬وأوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬وأسيا،‭ ‬جاعلا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الوطني‭ ‬منطلقا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬دولي‭ ‬أوسع‭ ‬وتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬مستدامة‭.‬

وعموما،‭ ‬فإن‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬ربط‭ ‬التاريخ‭ ‬المغربي‭ ‬العريق‭ ‬بموقع‭ ‬المغرب‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عبر‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ملكية‭ ‬قوية‭ ‬ومبادرات‭ ‬عالمية،‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬وحدة‭ ‬المغرب‭ ‬وشرعيته‭ ‬الدولية،‭ ‬وطوّر‭ ‬علاقاته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬بشكل‭ ‬يدعم‭ ‬تاريخ‭ ‬وحاضر‭ ‬ومستقبل‭ ‬المملكة‭ ‬الشريفة‭.‬‮  ‬
 
الدكتور عبد الله استيتو،أستاذ باحث في التاريخ بجامعة ابن زهر