الذين يتذكرون دعم المغرب لنيلسون مانديلا عندما كان يحارب الميز العنصري في بلاده، عليهم التحلي بالواقع والإدراك أن الرهانات الجيوسياسية لا تكتب بعواطف التاريخ وإنما براهنية الواقع. والواقع اليوم هو أن جنوب أفريقيا تتعامل اليوم مع المغرب كخصم حتى لا نقول كعدو، وفي ذات الإتجاه تستعمل أخبث الوسائل لمحاربة المملكة. لكن مالذي يجعل بلداً يبعد عنا ب 11 ألف كيلومتر ولا تجمعنا معه لا مصالح ولا خصومات، يتعامل معنا بهذا الكم من العدوانية؟
تحطم عملاق من ورق
قبل خمسة عشر سنة كانت جنوب افريقيا هي الإقتصاد الأول بأفريقيا، وكانت الصحافة الدولية تنعثها بأمريكا القارة الأفريقية. في ذات الحين كانت دول إفريقية أخرى تنهج سياسات تنموية بصمت، ومن ضمنها المغرب. فالمملكة كانت حينها تضع لبنات شبكة اقتصادية مغربية متنوعة تفرض وجودها بالقارة بمبدأ التعاون و الربح المشترك. الوصفة المغربية التي لاقت نجاحاً كبيراً خلفت كذلك متاعب للمغرب بفعل تضايق جهات عدة كانت مستفيدة من وضع يدها على القارة بشكل انفرادي كفرنسا، وكذلك جنوب افريقيا. فهاته الأخيرة كانت الدولة الإفريقية الأولى من حيث تنوع اقتصادها حتى صعد المغرب كمنافس قوي، أزاح جنوب أفريقيا من المرتبة الأولى للدول المصنعة للسيارات، و أصبحت الدارالبيضاء، أول سوق مالي للإستثمار وتوظيف رؤوس الأموال بأفريقيا متجاوزة سوق جوهانسبورغ المالي. بينما أرسى المكتب الشريف للفوسفاط قاعدته بالقارة بواسطة درعه OCP أفريكا والذي بنى شراكات قوية في عدة دول من بينها من كانت تعتبر حليفة لجنوب أفريقيا. هكذا استشعرت هاته الأخيرة خطورة الصعود القوي للتواجد المغربي بقارته، فجعلت من قضية الصحراء المعول الذي تريد أن تهدم به الإقتصاد المغربي لثنيه عن مساره التنموي الناجح في قارته.
ورغم توالي الخيبات، فبريتوريا لا تتعب ولا تكل في التصدي للمغرب بشراسة. ولعل النموذج الذي أستحضره دائماً و الذي ذكرته في كتابي: "محمد السادس، ملك إفريقي"، هو الجهد الكبير الذي بذله رئيس جنوب أفريقيا في يناير 2017 عندما كان الإتحاد آلافريقي يناقش عودة المغرب ضمن هذا الإتحاد. الفشل الكبير الذي صدم وفد جنوب أفريقيا و هو يرى أن 42 بلداً كانوا مع مبادرة المغرب فيما لم تتمكن جنوب أفريقيا من جمع أكثر من 12 صوتاً مشكلاً من دول الجوار المغلوب على أمرها و الضلع المكسور الآخر، الجزائر.
وكلما توالت خيبات وانكسارات نظام جنوب أفريقيا، وآخرها مواقف إسبانيا وألمانيا و إسرائيل، إلا وزاد سعاره و عدوانيته التي يواجهها المغرب التام، تكريساً لديبلوماسية الواقع و عدم الإنسياق وراء السياسات المدمرة للقارة.
ورغم توالي الخيبات، فبريتوريا لا تتعب ولا تكل في التصدي للمغرب بشراسة. ولعل النموذج الذي أستحضره دائماً و الذي ذكرته في كتابي: "محمد السادس، ملك إفريقي"، هو الجهد الكبير الذي بذله رئيس جنوب أفريقيا في يناير 2017 عندما كان الإتحاد آلافريقي يناقش عودة المغرب ضمن هذا الإتحاد. الفشل الكبير الذي صدم وفد جنوب أفريقيا و هو يرى أن 42 بلداً كانوا مع مبادرة المغرب فيما لم تتمكن جنوب أفريقيا من جمع أكثر من 12 صوتاً مشكلاً من دول الجوار المغلوب على أمرها و الضلع المكسور الآخر، الجزائر.
وكلما توالت خيبات وانكسارات نظام جنوب أفريقيا، وآخرها مواقف إسبانيا وألمانيا و إسرائيل، إلا وزاد سعاره و عدوانيته التي يواجهها المغرب التام، تكريساً لديبلوماسية الواقع و عدم الإنسياق وراء السياسات المدمرة للقارة.
قصة قمة بريكس-أفريقيا
مجموعة بريكس هي تجمع اقتصادي لخمس دول هي: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، أُنشأَ من أجل خلق توازن آمن أمام الهيمنة الإقتصادية للدول الغربية. لكن هذا التجمع لا يتوفر على الصفة القانونية كمجموعة تحظى بالقرار السياسي الموحد كالإتحاد الأوروبي أو الناتو. هو نادي اقتصادي ليس إلا. لكن يبدو أن جنوب افريقيا تريد أن تُسيسه، وأن تُهربه الى حلبة صراعات ومشاكل أفرو-أفريقية من قبيل قضية الصحراء.
فبلاغ وزارة الخارجية المغربية كان واضحاً صريحاً وهو يشير إلى أن مجموعة "بريكس"، لم تنادي بأي قمة لها مع أفريقيا، وإنما هي مبادرة معزولة من جنوب أفريقيا.
وهنا لا يجب أن تكون خبيراً في الشؤون الجيوسياسية الإفريقية لتدرك أن جوهر هذه المبادرة هو تصريف خُبث نظام بريتوريا عبر محاولة أخرى لفرض الكيان الوهمي للبوليساريو ومنحه منصة يعبر من خلالها عن أضغاث أحلامه. أما في الواقع، فالكل يعرف أن قضية الصحراء هي اختصاص خالص لمنظة الأمم المتحدة ومجلس الأمن المنبثق عنها. عدى ذلك، فهي محاولات يائسة لن تجر من خلالها جنوب افريقيا أو حليفتها الجزائر، سوى الهزائم المتكررة. لذلك سيكون من الأفيد لجنوب أفريقيا أن تركز على اقتصادها الذي فقد توهجه وتقهقر كثالث اقتصاد بأفريقيا بعد نيجيريا ومصر، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أنه بحلول العام 2028 سيصبح اقتصاد نيجيريا ضِعفَ اقتصاد جنوب افريقيا الذي سيواصل تراجعه، بحيث لن يكسب في الخمس سنوات المقبلة سوى 8,7% فيما ستكسب مصر حوالي 30% والمغرب 21%.
هذا هو الرهان الأساسي لمواطني جنوب افريقيا، أما الجري وراء سراب الإنفصاليين فهو كمن يحارب طواحين الهواء. ولعل خسائر نظام الجزائر خلال نصف قرن من وراء قضية الصحراء أكبر عبرة ل "أصدقائنا" بجنوب أفريقيا.
فبلاغ وزارة الخارجية المغربية كان واضحاً صريحاً وهو يشير إلى أن مجموعة "بريكس"، لم تنادي بأي قمة لها مع أفريقيا، وإنما هي مبادرة معزولة من جنوب أفريقيا.
وهنا لا يجب أن تكون خبيراً في الشؤون الجيوسياسية الإفريقية لتدرك أن جوهر هذه المبادرة هو تصريف خُبث نظام بريتوريا عبر محاولة أخرى لفرض الكيان الوهمي للبوليساريو ومنحه منصة يعبر من خلالها عن أضغاث أحلامه. أما في الواقع، فالكل يعرف أن قضية الصحراء هي اختصاص خالص لمنظة الأمم المتحدة ومجلس الأمن المنبثق عنها. عدى ذلك، فهي محاولات يائسة لن تجر من خلالها جنوب افريقيا أو حليفتها الجزائر، سوى الهزائم المتكررة. لذلك سيكون من الأفيد لجنوب أفريقيا أن تركز على اقتصادها الذي فقد توهجه وتقهقر كثالث اقتصاد بأفريقيا بعد نيجيريا ومصر، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أنه بحلول العام 2028 سيصبح اقتصاد نيجيريا ضِعفَ اقتصاد جنوب افريقيا الذي سيواصل تراجعه، بحيث لن يكسب في الخمس سنوات المقبلة سوى 8,7% فيما ستكسب مصر حوالي 30% والمغرب 21%.
هذا هو الرهان الأساسي لمواطني جنوب افريقيا، أما الجري وراء سراب الإنفصاليين فهو كمن يحارب طواحين الهواء. ولعل خسائر نظام الجزائر خلال نصف قرن من وراء قضية الصحراء أكبر عبرة ل "أصدقائنا" بجنوب أفريقيا.