Saturday 21 June 2025
كتاب الرأي

سعيد ودغيري حسني: حرب الماء آتية

سعيد ودغيري حسني: حرب الماء آتية سعيد ودغيري حسني
الماء
هذا الكائن الصامت الذي لا يطالب بحقه
ولا يصرخ في وجه من أضاعه
ولا يفاوض ولا يساوم
قريبًا سيكتب بقطراته بيان الرفض الأخيرالماءذلك الذي صنع التاريخ دون أن يُذكر في السجلات
سقى الحضارات فكبرت ثم عطشت فماتت
عاش في شرايين المدن والقرى
ولم يشكُ من تعب
سكن في آبار الرُعاة وزوايا الدراويش
ولم يتفاخر
لكنه اليوم ينحسر
ينهار من جوف الأرض كما تنهار الحكاية حين تُنسى
لقد أعطيناه أسماء لا تُعد
البحر والنهر والعين والندى والدمع والسراب
ولكننا لم نُعطه الحرمة
لم نمنحه حقه في أن يبقى طاهرًا
لم ندافع عنه كما ندافع عن التراب والهوية
كل شيء صار يُباع
حتى الماء
زجاجة الماء الآن تُسعر وتُختار وتُعلن لها الإعلانات
وأطفالٌ في أطراف الخرائط يحفرون الأرض بأظافرهم
كي يعثروا على بللٍ لا يُرى
المدن تضيء ليلها برذاذ نافورة
والقرى تُطفئ ليلها بعطش مزمن
والعالم لا يزال يبحث عن الماء في المريخ
وينساه في قلب إفريقيا
سيأتي يوم
تُكتب فيه معاهدات لا من أجل النفط ولا الأرض ولا السلاح
بل من أجل جدول صغير
تُعلن فيه دول أنها لن تسلم قطرة واحدة لجيرانها
تُرسل فيه الجيوش لتحمي خزانًا
وتُغلق فيه السماء أبوابها أمام دعاء المطر
ليس لأن السماء قاسية
بل لأن الأرض خانت أمانتها
أين ذهبت ينابيع الزمن الجميل
أين اختبأت العيون التي كانت ترتوي من الحكايات
أين اختفى الحرف الذي كان يُكتب على جلود الغيم
الصحارى تزحف
لكن ليس لأن الرمل يريد التمدد
بل لأن الماء قرر الانسحاب
قرر أن يتركنا نواجه الغياب دون أن يمد لنا يده
لقد تعب
سُكب في المجاري والخرسانة والمبيدات والأسواق
ولم يجد من يحميه
في حروب المستقبل
لن يُقاتل الجندي من أجل حدود
بل من أجل أن يشرب
لن تُقصف المدن من أجل سلطة
بل من أجل نهر
ولن تنام الشعوب آمنة
حتى تؤمن أن الماء ليس مُلكًا
بل ميراثًا مشتركًا
الماء ليس خزانًا
بل شريان
ليس موردًا
بل حياة
وإن لم نفهم هذا الآن
سنفهمه ونحن نحمل الأموات الذين جفّوا واقفين
زبدة القول
الأرض لا تموت حين تجف
بل حين نرفض أن نُبكيها من ضمائرنا
ومن لا يسقي الماء اليوم
لن يُسقى غدًا
ولو بكى كل دمع الدنيا