Friday 27 June 2025
خارج الحدود

إدريس الفينة: هل تتجه CNN لإشعال مواجهة جديدة مع إيران؟

إدريس الفينة: هل تتجه CNN لإشعال مواجهة جديدة مع إيران؟ المرشد الإيراني علي خامئني والرئيس الأمريكي ترامب يتوسطهما لوغوCNN
في لحظة بدا فيها أن الشرق الأوسط التقط أنفاسه، قررت قناة CNN أن تفتح فم البركان. تقريرها الأخير، الذي يفترض أنه استند إلى تقييم “أولي” من وزارة الدفاع الأميركية والموساد الإسرائيلي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، زلزل الرواية الرسمية الأميركية. تقول القناة إن الضربات الأميركية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية لم تُصِب جوهر البرنامج، لأن طهران نقلت مخزونها من اليورانيوم المخصب قبل الهجوم بأيام.
 
المفارقة أن التصريحات الإيرانية الرسمية لم تنفِ ذلك، بل أكدت أن إيران تمتلك اليوم يورانيومًا مخصبًا بنسبة 84%، أي على عتبة إنتاج سلاح نووي في أي لحظة. والأخطر من ذلك، أن هذه التصريحات جاءت على لسان مسؤولي طهران، وكأن هذه الأخيرة لم تعد تخشى شيئًا. هل نحن أمام انتصار استراتيجي إيراني أم أمام فشل استخباراتي أميركي تُحاول CNN كشفه مبكرًا؟
 
الروايات تضاربت داخل واشنطن. بينما تحدّثت وكالة الاستخبارات الدفاعية عن “تأخير مؤقت” في برنامج إيران النووي لا يتجاوز أشهرًا قليلة، خرج مدير CIA ليناقض ذلك مؤكدًا أن المواقع الحيوية دُمّرت بالكامل، وأن قدرة إيران تراجعت لسنوات. في المقابل، وصف البيت الأبيض تسريب تقييم DIA بأنه “خيانة استخباراتية”، وهاجم وسائل الإعلام لنشرها معلومات “غير دقيقة” في توقيت حرج.
 
لكن الدخان الذي خلفه القصف لم يكن فقط في سماء إيران، بل في كواليس السياسة الأميركية نفسها. فهل كان هذا الهجوم مجرد خطوة انتخابية استعراضية لطمأنة الداخل الأميركي؟ أم أنه فشل تكتيكي تحاول الإدارة تغطيته إعلاميًا؟
 
الجانب الإيراني بدوره استثمر الموقف. فأعلن أن الأضرار سطحية، وأن عمليات التخصيب مستمرة. لم تنف طهران الاتهامات، بل أكدت امتلاكها للمادة الانشطارية، موحية بأنها تملك خيار القنبلة إذا دعت الضرورة. بهذا المنطق، صارت إيران تحتفظ بسلاح مزدوج: القدرة التقنية، والورقة النفسية.
 
هذه الوضعية الجديدة جعلت من اتفاق وقف الأعمال القتالية بين طهران وتل أبيب أقرب إلى هدنة إعلامية مؤقتة لا أكثر. إسرائيل لن تقبل بوجود قنبلة إيرانية . وقد بدأت بالفعل بتحريك أدواتها الاستخباراتية داخل إيران لرصد مواقع التخزين وتحديد لحظة الضربة التالية. فهي تعتبر أن مجرد وجود المعرفة النووية بحد ذاته تهديد وجودي.
 
ومع كل تقرير صحفي “مسرّب”، أو إعلان منسوب إلى مصادر استخباراتية، تزداد هشاشة التوازن الحالي. بل إن ما يجري الآن ليس سوى إدارة مؤقتة لنزاع قد ينفجر في أية لحظة. كل الأطراف تعيد ترتيب أوراقها، من الداخل الإيراني المتوتر اقتصاديًا، إلى الداخل الإسرائيلي المنشغل بحكومته الهشة، إلى الولايات المتحدة التي تعيش صراعًا داخليًا بين مراكز القوى قبل انتخابات رئاسية قادمة.
 
من هنا يصبح السؤال: هل تلعب CNN دور الناقل المحايد، أم أنها تحولت إلى عنصر مزعزع للسلام؟ ولماذا اختارت نشر هذه القنبلة الإعلامية الآن تحديدًا؟ هل هي محاولة للضغط على إدارة ترامب المترددة، أم تمهيد لحرب مؤجلة يحتاجها البعض لفرض واقع جديد في المنطقة؟
 
قد لا تطلق CNN صاروخًا، لكنها اليوم تمسك بأحد أصابع الزناد. وقد لا ترد إسرائيل غدًا، لكنها تملك الجاهزية الكاملة للضربة التالية. أما إيران، فهي تلعب دور الغامض والواثق، ما بين الردع والتصعيد، مدركة أن بقاءها لاعبًا إقليميًا قويًا بات مرهونًا بإقناع الجميع بأن اللعب معها خطير.
 
لقد تغيّر السؤال من “هل تقع الحرب؟” إلى “متى؟” و”كيف سيبدو شكلها؟”. وإذا كان الإعلام يسبق اليوم المعركة، فإن من يتجاهل هذه المؤشرات، سيكون أول من يحترق برمادها. الشرق الأوسط لا ينقصه الجنون، لكنه كان دائمًا ضحية من يشعل الحرائق من وراء الستار… هذه المرة، قد يكون الستار مصنوعًا من الألياف البصرية، وصوت الرصاص… من موجات الـWi-Fi.