الخميس 28 نوفمبر 2024
فن وثقافة

سعيد يقطين: لاسياسة دون خلفية ثقافية.. ولاثقافة دون رؤية سياسية (2)

سعيد يقطين: لاسياسة دون خلفية ثقافية.. ولاثقافة دون رؤية سياسية (2) الناقد المغربي سعيد يقطين
أزمة الثقافة والمثقفين:
قال الباحث والناقد المغربي سعيد يقطين، خلال الجزء الثاني من الجلسة الفكرية مع برنامج "مدارات " بالاذاعة الوطنية، متحدثا عن كتابه "معجم المشكلات الثقافية"، بأن  التفكير في المادة الأساسية لهذا الكتاب،  كان قائما منذ بداية اهتمامه بما هو ثقافي وفكري وأدبي بصفة عامة، وحتى عندما كان يشتغل في جريدة "أنوال"، أو كان ينشر مقالاته في جريدة "الصباح"
وأضاف بأنه كان منشغلا بمشكلات الواقع الثقافي، ومن ثمة كان يرى بأن مواجهة هذه المشاكل، من خلال التحليل والوقوف على الإكراهات، يمكن أن يفتح نافذة للنقاش، لتجاوز مختلف الإكراهات التي تعترض العمل الثقافي. وشدد الأستاذ يقطين على أن العمل الثقافي، إذا لم يكن مؤسسا على أرضية واضحة، وعلى أهداف سامية، فإنه سيكون غير مختلف عن غيره من الأعمال، التي لا تهم المواطن المغربي أو العربي بصفة عامة. واستحضر في نفس السياق أن هيئة التحرير بجريدة "القدس العربي" طلبت منه سنة 2014، أن يكتب مقالة أسبوعية، حيث كانت أول مادة كتبها تخص المثقف. ومن ثمة بدأت تظهر له في كل مرة، ظاهرة من الظواهر المتصلة بعزلة المثقف، بطريقة تفكيره، بعلاقة المثقفين فيما بينهم، وعلاقتهم بالمؤسسة. 
وأوضح أن كل هذه القضايا بعد مرور الزمن، ظهرت لديه أهمية جمع هذه المادة، وتقديمها على شكل معجم، للتدليل على أنه كما للغة معجما، فإن للثقافة كذلك معجمها الخاص بها، في صلتها بالمثقفين. وهكذا قام بتجميع وإصدار كل المقالات التي تدور حول هذا الموضوع، لطرح المشكلات الثقافية والعوائق التي تحول دون تطويرها.
 
الفرق بين مثقف اليوم وفقيه الأمس:
وردا على سؤال من الاعلامي عبدالاله التهاني، يتعلق بمقارنة صورة مثقف اليوم وخفوت صوته في الحياة العامة،  بصورة الفقيه في مجتمع الأمس، أوضح سعيد يقطين أن الفقيه هو مثقف زمانه، وأهم خاصية  كان يتميز بها، هي أن له اختصاصا محددا يشتغل به، ويعمق ثقافته فيه، فالفقيه الذي يبحث في علوم القرآن، ليس هو الذي يبحث في علوم الحديث، أو في علم الأصول، أو في الفقه أو في اللغة أو ما شابه ذلك.
واعتبر سعيد يقطين أن هذه الميزة الأساسية، هي التي تعطي للفقيه مصداقية داخل المجتمع العربي في العصور السابقة. 
وأبرز أن في المغرب نماذج كثيرة لهذا النوع من الفقهاء، مشيرا إلى خاصية أساسية أخرى كان يتميز بها  الفقيه، باعتباره مثقفا، وهي أنه كان يقوم بعمله عن حب وعن إيمان. وكان يعتبر ما يقوم به ، قربى إلى الله، حيث وجد بأن كثيرا من الفقهاء كانوا يؤكدون على هذه الصفة في مقدمات كتبهم، ويشددون على أن هذا العمل الذي يقومون به، هو محبة وتقرب إلى الله.
وأوضح الباحث سعيد يقطين الذي كان يتحدث في برنامج مدارات بالاذاعة الوطنية، أن هاتين الميزتين  هما اللتان 
جعلتا الفقهاء، رغم ما قد يسجل من اختلاف بينهم أحيانا، أن يكون بينهم حوار، وأن يعتبروا أنفسهم جسما موحدا.
وأوضح بأنه يمكن أن تقع هناك مشاكل بينهم، كالتي تحدث في كل زمان حول المثقفين،من تحاسد أو تباغض، لسبب من الأسباب، ولكن بصفة عامة فالأجواء التي كانت تسود خلال عمل الفقهاء، هي التي أعطتنا الكثير من الأعمال الجميلة التي تتصل بعملهم، سواء في المشرق أو المغرب . 
وفي سياق حديثه عن المثقف العربي، اعتبر الأستاذ سعيد يقطين أن هذا مفهوم جديد، ارتبط ارتباطا وثيقا بمن يمارس الكتابة أولا، باعتبار أن له مستوى ثقافيا، ومعرفة بما هو قديم إلى درجة ما، وبما هو حديث بصورة كبيرة جدا. وأضاف بأن المثقف هو من يقوم بوظيفة داخل المجتمع بهدف تغييره والنهوض به، منذ أن صار تغيير المجتمع العربي، نتيجة تأثير الاتصال بالغرب، قضية أساسية ومركزية.
وفي هذا السياق، أوضح ضيف برنامج "مدارات"،  أن هؤلاء المثقفين سينقسمون في تقديره إلى قسمين: قسم يعمل لوحده، حيث يكتب في مختلف الموضوعات، كالآداب والسياسة والاجتماع في التاريخ، ونوع آخر من المثقفين، هم المنخرطون في مؤسسات سياسية أو اجتماعية خاصة. وهذان النوعان يريان أن لهما وظيفة اجتماعية يقومان بها، ومتى انفرط عقد صلتهم بالسياسة، نجدهم يعيشون أسئلة، قد لا تتوافق مع ما يفرضه المجتمع، لأنه في غياب إبدال معرفي أو سياسي أو اجتماعي أو فكري، يجمع بينهم، تسود الفردانية والعزلة وتسود الشللية، وما شابه ذلك من القضايا والسلوكيات  التي طرحها في كتابه " معجم المشكلات الثقافية ".
 
حين نمارس السياسية دون ثقافة: 
وجوابا على سؤال يتعلق بما قاله من أننا " نمارس الثقافة بلا سياسة، ونشتغل بالسياسة دون ثقافة، وأن  من تبعات غياب السياسة الثقافية ونتائجها، هو انعدام الثقافة السياسية في المجتمع"، أكد الأستاذ سعيد يقطين بأن المثقف شأنه في ذلك شأن المفكر، فهو يطرح الأسئلة المتصلة بالواقع الذي يعيش فيه، أيا كان اختصاصه، سواء في العلوم الإنسانية أو العلوم الاجتماعية، أو في الإبداع الأدبي، أو في الإعلام، وبالتالي فهو يريد أن يفهم هذا المجتمع، ويريد كذلك أن يساهم في نشر وعي جديد وثقافة جديدة،  تستجيب لما يمكن أن يسهم في تطوير المجتمع. ووصف هذا الدور، بأنه رسالة سامية، قام بها المفكرون في تاريخ البشرية.
واستدرك موضحا بأن هذا المثقف، ولظروف تاريخية عاشها الوطن العربي، سواء في عصر النهضة، أو بعد هزيمة 1967 أو خلال غزو العراق، أو إبان فترة الإرهاب، سنجد أن المثقف ينحاز إلى إحدى الطروحات الأساسية، أو إلى أحد الإبدالات السائدة في المجتمع، وهذا هو الذي سيؤدي إلى اختلاف المثقفين، وابتعادهمعن رسالتهم الأساسية، بمعنى أن كل واحد أصبح يرى أن رأيه هو الموقف الصحيح، وبالتالي عدم احترام الآراء الأخرى.
وخلص إلى القول بأن هذه الظاهرة، هي التي ساهمت في تشرذم المثقفين، وعندما تزول الفترات التي كانوا فيها متخندقين مع أو ضد تصور ما، يكتشفون أنهم لم يراكموا شيئا أساسيا، لأنهم كانوا يفكرون في ضوء ما تمليه عليهم لحظة سياسية عابرة، ولذلك ينتهون نهايات في رأيي غير سليمة،  وتجعل عملهم متوقفا في لحظة معينة. واعتبر في ذات السياق  بأن المثقف الحقيقي في برأيه، هو من يمتلك مشروعا، ويعمل على تطويره بواسطة ممارسة سياسية، ولكن دون أن ينخرط فيها ،بالصورة التي تجعله تابعا لما هو سياسي.
 
لاحل لمعضلات المجتمع العربي دون ربطها بالثقافة: 
وردا على سؤال يتعلق بما طرحه في كتابه "معجم المشكلات الثقافية"، من أنه لا يمكن حل كل المعضلات والمشاكل، التي يتخبط فيها المجتمع العربي الحديث، بدون ربطها بالمعضلة الكبرى وهي الثقافة، أوضح سعيد يقطين أن  الحق في الثقافة، يبدأ أولا من الحق في التعليم، إذ أنه لا يمكن أن نتحدث عن الثقافة بدون التعليم.
لانه هو الأساس، وأننا عندما نقول بضرورة الحق في الثقافة فإننا نعني ضرورة الحق في التعليم الذي يتيح للمواطن إمكانية الإرتقاء بمستواه، علما أن هذا التعليم ينبغي أن يكون موجها، لتأسيس الإنسان القادر على الفعل والتأثير في الزمن الذي يعيش فيه. وهذا لا يمكن أن يتم بدون أن تكون له رؤية ثقافية، أن يكون له وعي بالمجتمع أن يكون له وعي بضرورة العمل الذي عليه أن يقوم به من أجل تطوير المجتمع.
واستنتج سعيد يقطين أن هذا هو مقصد الحق في الثقافة، أي الثقافة التي تساهم في تطوير المجتمع، وفي الحفاظ على القيم الراقية والسامية، مشددا على أن الهدف هو الإرتقاء بالإنسان، إلى المستوى الذي يجعله فاعلا ومتأثرا ومؤثرا كذلك. وإذا لم يتأثر بما يجري في المجتمع لا يمكنه أن يفكر أن يكون مؤثرا. 
 
الحداثة مفهوم مستورد:
وعن  سؤال حول منظوره للحداثة، قال سعيد يقطين بأنه وهو طالب، كان يشعر بنوع من الحساسية إزاء هذا النوع من المفاهيم، مضيفا أنه حين كان يسمع كلمة الحداثة، كان يعتبر أن هذا مفهوم لا علاقة له بثقافتنا، ولا علاقة له بواقعنا، على اعتبار أننا نستقبله من ثقافة أخرى عرفت تطورا مختلفا عنا منذ القرن السادس عشر إلى الآن.
وشدد على أننا  عندما نستورد  هذه المفاهيم (وليس نتفاعل معها) فإننا  نختزلها في أشياء محددة، في أشياء بسيطة جدا، وأغلب ما تختزل فيه هذه الأشياء هي البعد السياسي، أي أننا نعتبر الحداثة هي ضد ما هو تراثي، بل ضد ما هو واقعي. واعتبر من يقول بأنه سيفجر اللغة، وبأنه سيكتب أشياء لاندري من أي فضاء جاءت، هو ضرب من مفاهيم لايستسيغها، وأنه لم يستعملها أبدا في كل كتاباته.
 
رفض تقليد تراث الاخر: 
واستطرد موضحا بأننا انتقلنا من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، وما بعد بعد الحداثة، وفي كل هذه السيرورة،  كنا برأيه  ننقل أفكارا من عند الآخرين، سواء كمبدعين أو كنقاد، دون أن نتمثلها على الوجه الامثل، وأنه كان علينا أن نتحدث عن مفهوم  التجديد، أو عن مفهوم التطوير، وهذا التطوير والتجديد برأيه،  ينبغي أن يتلائم مع ذوق جديد، مع رؤية جديدة، وأن يكون هذا المبدع أولا حرا في التفكير، الذي يجعله يقدم أشياء جديدة.
وفي نفس السياق، عبر سعيد يقطين عن رفضه، لتقليد ما هو موجود في تراث الآخر، مؤكدا  أنه ليس ضد التفاعل مع ثقافة الآخر، ولكن أن يكون هذا التفاعل مبنيا، على ما يجعل إبداعنا قادرا على التعبير عما نعيشه، وقادرا كذلك على أن يجعل الآخر يرى فيه شيئا جديدا، معتبرا أن هذا هو التجديد الذي آمن به. أما أن نرى الحداثة كمقابل للتراث، فهذا  فهم إيديولوجي، لا علاقة له بالإبداع،  ولا علاقة له بالفكر.