Monday 12 May 2025
سياسة

سجون التامك.. من يحرك الحملة ضدها ومن المستفيد؟

سجون التامك.. من يحرك  الحملة ضدها ومن المستفيد؟ صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، يتفقد مؤسسة سجنية
يحيط‭ ‬بدينامية‭ ‬الشأن‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وضع‭ ‬مفارق‭ ‬تتخلله‭ ‬صورتان،‭ ‬الواحدة‭ ‬منهما‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬الأخرى‭.‬
الأولى‭ ‬ترسم‭ ‬المغرب،‭ ‬برصانة‭ ‬وموضوعية،‭ ‬إذ‭ ‬تشيد‭ ‬بحالة‭ ‬المغرب‭ ‬كبلد‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يراكم‭ ‬المكتسبات‭  ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحقوقي‭ ‬والسياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬منتصرا‭ ‬على‭ ‬إخفاقات‭ ‬الماضي‭ ‬وتحديات‭ ‬الحاضر،‭ ‬مؤسسا‭ ‬لصحوة‭ ‬حقوقية‭ ‬بوأت‭ ‬المغرب‭ ‬مكانا‭ ‬محترما‭ ‬في‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭. ‬أما‭ ‬الصورة‭ ‬الثانية‭ ‬فترسم‭ ‬المغرب‭ ‬لوحة‭ ‬سوداء‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬الجزائر،‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تركيز‭ ‬مشبوه‭ ‬مبيت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬النقائص‭ ‬أو‭ ‬الهفوات‭ ‬التي‭ ‬تخلقها‭ ‬كل‭ ‬الديناميات‭ ‬التي‭ ‬تتحرك،‭ ‬فيما‭ ‬يتم‭ ‬إغفال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التشريع‭  ‬كما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الممارسة‭ ‬والبرمجة‭ ‬والتنفيذ‭.‬
السؤال‭ ‬المشروع:
أين‭ ‬يكمن‭ ‬الخلل‭ ‬والعيب؟‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬معطى‭ ‬عام‭ ‬معروض‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج؟‭ ‬أم‭ ‬في‭  ‬المُصوِّر‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬التقاط‭ ‬الجانب‭ ‬الفارغ‭ ‬من‭ ‬الكأس‭ ‬خدمة‭ ‬لأجندات‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬الموضوعية‭ ‬أو‭ ‬الرصانة،‭ ‬ولكن‭ ‬أساسا‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭.‬
ذلك‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬سنعمل‭ ‬على‭ ‬توضيحه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملف‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬يرصد‭ ‬بعض‭ ‬معالم‭ ‬المشهد‭ ‬الحقوقي‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬محددة‭ ‬تهم‭ ‬الحملات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المندوبية‭ ‬العامة‭ ‬لإدارة‭ ‬السجون،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السجنية‭ ‬بشكل‭ ‬متواتر‭ ‬منذ‭ ‬مدة،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬منظمات‭ ‬غربية‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬البيانات‭ ‬والبلاغات‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬محبرة‭ ‬واحدة‭.‬
التوضيح‭ ‬سيتم‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬وقائع‭ ‬ومعطيات‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬منها‭ ‬إعطاء‭ ‬انطباع‭ ‬وردي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭.  ‬بل‭ ‬تحاول‭ ‬فقط‭ ‬ألا‭ ‬تبخس‭ ‬المجهودات‭ ‬المقام‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬تنكر‭ ‬ما‭ ‬يشوب‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬أو‭ ‬نقائص‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬ليست‭ ‬تحديدا‭ ‬تصوير‭ ‬السجون‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الفردوس،‭ ‬فالسجون‭ ‬وحيثما‭ ‬كانت،‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬هولندا‭ ‬أو‭ ‬اليابان‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬هي‭ ‬دائما‭ ‬فضاء‭ ‬مغلق‭ ‬تسلب‭ ‬فيه‭ ‬الحرية‭. ‬وسواء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬فالحرمان‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬يطرح‭ ‬دائما‭ ‬مشاكل‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬وضع‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬
ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نستحضر‭ ‬هذه‭ ‬المسلمة‭ ‬فلنتساءل‭ ‬فقط:‭ ‬لماذا‭ ‬تركز‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية،‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬السجون‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الانتقاد‭ ‬والتبخيس،‭ ‬وفقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬منفردة‭ ‬محدودة‭. ‬وجعلها‭ ‬هي‭ ‬المشهد‭ ‬العام،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مبرر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المدار‭ ‬الحقوقي‭ ‬الكوني‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬فالحقيقة‭ ‬الموضوعية‭ ‬تقتضي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تسجيل‭ ‬الوقائع‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬يريدها‭ ‬"مُصوِّر"‭ ‬بغايات‭ ‬مسبقة‭. ‬وتقتضي‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬تتبع‭ ‬مراحل‭ ‬تطوير‭ ‬القوانين‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمؤسسة‭ ‬السجون،‭ ‬والمجهود‭ ‬المرافق‭ ‬الذي‭ ‬يهم‭ ‬النهوض‭ ‬بالبنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬وبرصد‭ ‬الاعتمادات‭ ‬لتطوير‭ ‬السجون‭ ‬المغربية‭ ‬وتحديتها‭ ‬وملائمة‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬الأممية‭. ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الملك،‭ ‬باعتباره‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬أولى‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬العرش‭. ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬خطواته،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬زيارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬السجنية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يحرس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬بحيث‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬زهاء‭ ‬18‭ ‬زيارة‭ ‬ملكية‭. ‬ولا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رئيسا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قام‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الملك،‭ ‬وبالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يخصص‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬دائما‭ ‬جزءا‭ ‬لتوضيح‭ ‬أبعاد‭ ‬المجهود‭ ‬الحقوقي،‭ ‬وللتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬قصور‭ ‬نظرة‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬مجهودات‭ . ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬رسمية‭ ‬للنهوض‭ ‬بهذا‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنسنته‭ ‬وتأهيله،‭ ‬وبما‭ ‬يعني‭ ‬كذلك‭ ‬تأكيد‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص،‭ ‬وطي‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي‭ ‬بعد‭ ‬إقرار‭ ‬مبادئ‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة،‭ ‬وفتح‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬وضمنها‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭. ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تطويرا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقر‭ ‬بأن‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭ ‬في‭ ‬الستنيات‭ ‬والسبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬20‭. ‬وبالتعبير‭ ‬الموجز‭ ‬الدال‭ ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬كندا‭ ‬حتما،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬الجزائر‭ ‬أو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭  ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭. ‬بل‭ ‬تركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬أو‭ ‬ثمان‭ ‬حالات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭. ‬فخلال‭ ‬أحداث‭ ‬كديم‭ ‬إيزيك‭ ‬مثلا‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬تم‭ ‬التركيز،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الحالات‭ ‬المحدودة‭ ‬للصحراويين‭ ‬الانفصاليين،‭ ‬وخلال‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬معتقلين‭ ‬يحملون‭ ‬جنسية‭ ‬فرنسية،‭ ‬وفي‭ ‬2016‭ ‬عام‭ ‬تم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حالة‭ .......‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمرحلة‭ ‬"كوفيد‭ ‬19" الذي‭ ‬عاشه‭ ‬المغرب‭ ‬والعالم‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إهمال‭ ‬ما‭ ‬بذلته‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مجهود‭ ‬كبير‭ ‬ليتم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬الأجنبي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اعتبر‭ ‬"تجاوزات"‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬السلطة‭ ‬إزاء‭ ‬المواطنين‭. ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬المفضوح‭ ‬حول‭ ‬حالات‭ ‬أخرى‭ ‬لهاربين‭ ‬من‭ ‬العدالة،‭ ‬أو‭ ‬لعملاء‭ ‬ولنصابين‭ ‬مبتزين‭ ‬أو‭ ‬إرهابيين‭ ‬يتم‭ ‬إلحاقهم‭ ‬تعسفا‭ ‬بالحقوقيين‭ ‬والصحافيين‭... ‬
خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬حملات‭ ‬تتجدد‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وبعناوين‭ ‬مختلفة‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بوجود‭ ‬قائد‭ ‬أوركسترا‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يرتب‭ ‬حملات‭ ‬تسويد‭ ‬الصورة‭ ‬وتشويهها‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬متكتما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينجز‭ ‬من‭ ‬مجهودات‭ ‬تروم‭ ‬تجويد‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬السجنية،‭ ‬وتطوير‭ ‬الرسانة‭ ‬القانونية‭.‬
وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مفتح‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬فلقد‭ ‬صار‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬قائد‭ ‬الأوكسترا‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬"المُصوِّر"‭ ‬الفاقد‭ ‬للبوصلة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬مكمن‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يواجهه‭ ‬بالعمل‭ ‬اليومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأهيل‭ ‬قطاع‭ ‬السجون‭ ‬تجاوبا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬الحقوقية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.   ‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا