سجون التامك.. من يحرك الحملة ضدها ومن المستفيد؟

سجون التامك.. من يحرك  الحملة ضدها ومن المستفيد؟ صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون، يتفقد مؤسسة سجنية
يحيط‭ ‬بدينامية‭ ‬الشأن‭ ‬الحقوقي‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وضع‭ ‬مفارق‭ ‬تتخلله‭ ‬صورتان،‭ ‬الواحدة‭ ‬منهما‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬الأخرى‭.‬
الأولى‭ ‬ترسم‭ ‬المغرب،‭ ‬برصانة‭ ‬وموضوعية،‭ ‬إذ‭ ‬تشيد‭ ‬بحالة‭ ‬المغرب‭ ‬كبلد‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يراكم‭ ‬المكتسبات‭  ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الحقوقي‭ ‬والسياسي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬منتصرا‭ ‬على‭ ‬إخفاقات‭ ‬الماضي‭ ‬وتحديات‭ ‬الحاضر،‭ ‬مؤسسا‭ ‬لصحوة‭ ‬حقوقية‭ ‬بوأت‭ ‬المغرب‭ ‬مكانا‭ ‬محترما‭ ‬في‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭. ‬أما‭ ‬الصورة‭ ‬الثانية‭ ‬فترسم‭ ‬المغرب‭ ‬لوحة‭ ‬سوداء‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬الجزائر،‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬تركيز‭ ‬مشبوه‭ ‬مبيت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬النقائص‭ ‬أو‭ ‬الهفوات‭ ‬التي‭ ‬تخلقها‭ ‬كل‭ ‬الديناميات‭ ‬التي‭ ‬تتحرك،‭ ‬فيما‭ ‬يتم‭ ‬إغفال‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التشريع‭  ‬كما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الممارسة‭ ‬والبرمجة‭ ‬والتنفيذ‭.‬
السؤال‭ ‬المشروع:
أين‭ ‬يكمن‭ ‬الخلل‭ ‬والعيب؟‭ ‬هل‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬معطى‭ ‬عام‭ ‬معروض‭ ‬أمام‭ ‬الجميع،‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج؟‭ ‬أم‭ ‬في‭  ‬المُصوِّر‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬التقاط‭ ‬الجانب‭ ‬الفارغ‭ ‬من‭ ‬الكأس‭ ‬خدمة‭ ‬لأجندات‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬الموضوعية‭ ‬أو‭ ‬الرصانة،‭ ‬ولكن‭ ‬أساسا‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭.‬
ذلك‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬سنعمل‭ ‬على‭ ‬توضيحه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ملف‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬يرصد‭ ‬بعض‭ ‬معالم‭ ‬المشهد‭ ‬الحقوقي‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬محددة‭ ‬تهم‭ ‬الحملات‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المندوبية‭ ‬العامة‭ ‬لإدارة‭ ‬السجون،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السجنية‭ ‬بشكل‭ ‬متواتر‭ ‬منذ‭ ‬مدة،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬منظمات‭ ‬غربية‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬البيانات‭ ‬والبلاغات‭ ‬المكتوبة‭ ‬من‭ ‬محبرة‭ ‬واحدة‭.‬
التوضيح‭ ‬سيتم‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬وقائع‭ ‬ومعطيات‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬منها‭ ‬إعطاء‭ ‬انطباع‭ ‬وردي‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭.  ‬بل‭ ‬تحاول‭ ‬فقط‭ ‬ألا‭ ‬تبخس‭ ‬المجهودات‭ ‬المقام‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬تنكر‭ ‬ما‭ ‬يشوب‭ ‬بعضها‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬أو‭ ‬نقائص‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬ليست‭ ‬تحديدا‭ ‬تصوير‭ ‬السجون‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬الفردوس،‭ ‬فالسجون‭ ‬وحيثما‭ ‬كانت،‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬هولندا‭ ‬أو‭ ‬اليابان‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬هي‭ ‬دائما‭ ‬فضاء‭ ‬مغلق‭ ‬تسلب‭ ‬فيه‭ ‬الحرية‭. ‬وسواء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬فالحرمان‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬يطرح‭ ‬دائما‭ ‬مشاكل‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬وضع‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬
ونحن‭ ‬إذ‭ ‬نستحضر‭ ‬هذه‭ ‬المسلمة‭ ‬فلنتساءل‭ ‬فقط:‭ ‬لماذا‭ ‬تركز‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية،‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬الماضية،‭ ‬على‭ ‬مؤسسة‭ ‬السجون‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الانتقاد‭ ‬والتبخيس،‭ ‬وفقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬منفردة‭ ‬محدودة‭. ‬وجعلها‭ ‬هي‭ ‬المشهد‭ ‬العام،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مبرر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المدار‭ ‬الحقوقي‭ ‬الكوني‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬فالحقيقة‭ ‬الموضوعية‭ ‬تقتضي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تسجيل‭ ‬الوقائع‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬يريدها‭ ‬"مُصوِّر"‭ ‬بغايات‭ ‬مسبقة‭. ‬وتقتضي‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬تتبع‭ ‬مراحل‭ ‬تطوير‭ ‬القوانين‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمؤسسة‭ ‬السجون،‭ ‬والمجهود‭ ‬المرافق‭ ‬الذي‭ ‬يهم‭ ‬النهوض‭ ‬بالبنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬وبرصد‭ ‬الاعتمادات‭ ‬لتطوير‭ ‬السجون‭ ‬المغربية‭ ‬وتحديتها‭ ‬وملائمة‭ ‬التشريعات‭ ‬الوطنية‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬الأممية‭. ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الملك،‭ ‬باعتباره‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة،‭ ‬أولى‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬العرش‭. ‬وكانت‭ ‬أولى‭ ‬خطواته،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬زيارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬السجنية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يحرس‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬بحيث‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬زهاء‭ ‬18‭ ‬زيارة‭ ‬ملكية‭. ‬ولا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬رئيسا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قام‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الملك،‭ ‬وبالموازاة‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يخصص‭ ‬في‭ ‬خطاباته‭ ‬دائما‭ ‬جزءا‭ ‬لتوضيح‭ ‬أبعاد‭ ‬المجهود‭ ‬الحقوقي،‭ ‬وللتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬قصور‭ ‬نظرة‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬والدول‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬مجهودات‭ . ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬رسمية‭ ‬للنهوض‭ ‬بهذا‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أنسنته‭ ‬وتأهيله،‭ ‬وبما‭ ‬يعني‭ ‬كذلك‭ ‬تأكيد‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬سنوات‭ ‬الرصاص،‭ ‬وطي‭ ‬صفحة‭ ‬الماضي‭ ‬بعد‭ ‬إقرار‭ ‬مبادئ‭ ‬الإنصاف‭ ‬والمصالحة،‭ ‬وفتح‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬وضمنها‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭. ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأوضاع‭ ‬قد‭ ‬شهدت‭ ‬تطويرا‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقر‭ ‬بأن‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬أوضاع‭ ‬السجون‭ ‬في‭ ‬الستنيات‭ ‬والسبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬20‭. ‬وبالتعبير‭ ‬الموجز‭ ‬الدال‭ ‬فالأمر‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬السويد‭ ‬أو‭ ‬كندا‭ ‬حتما،‭ ‬ولكنه‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬الجزائر‭ ‬أو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭  ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭. ‬بل‭ ‬تركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬خمس‭ ‬أو‭ ‬ثمان‭ ‬حالات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭. ‬فخلال‭ ‬أحداث‭ ‬كديم‭ ‬إيزيك‭ ‬مثلا‭ ‬سنة‭ ‬2010‭ ‬تم‭ ‬التركيز،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الحالات‭ ‬المحدودة‭ ‬للصحراويين‭ ‬الانفصاليين،‭ ‬وخلال‭ ‬سنة‭ ‬2014‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬معتقلين‭ ‬يحملون‭ ‬جنسية‭ ‬فرنسية،‭ ‬وفي‭ ‬2016‭ ‬عام‭ ‬تم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حالة‭ .......‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمرحلة‭ ‬"كوفيد‭ ‬19" الذي‭ ‬عاشه‭ ‬المغرب‭ ‬والعالم‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إهمال‭ ‬ما‭ ‬بذلته‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬مجهود‭ ‬كبير‭ ‬ليتم‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬الأجنبي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اعتبر‭ ‬"تجاوزات"‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬السلطة‭ ‬إزاء‭ ‬المواطنين‭. ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬هذا‭ ‬التركيز‭ ‬المفضوح‭ ‬حول‭ ‬حالات‭ ‬أخرى‭ ‬لهاربين‭ ‬من‭ ‬العدالة،‭ ‬أو‭ ‬لعملاء‭ ‬ولنصابين‭ ‬مبتزين‭ ‬أو‭ ‬إرهابيين‭ ‬يتم‭ ‬إلحاقهم‭ ‬تعسفا‭ ‬بالحقوقيين‭ ‬والصحافيين‭... ‬
خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬حملات‭ ‬تتجدد‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وبعناوين‭ ‬مختلفة‭ ‬تعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بوجود‭ ‬قائد‭ ‬أوركسترا‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يرتب‭ ‬حملات‭ ‬تسويد‭ ‬الصورة‭ ‬وتشويهها‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬متكتما‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينجز‭ ‬من‭ ‬مجهودات‭ ‬تروم‭ ‬تجويد‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬السجنية،‭ ‬وتطوير‭ ‬الرسانة‭ ‬القانونية‭.‬
وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬مفتح‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬فلقد‭ ‬صار‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬قائد‭ ‬الأوكسترا‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬"المُصوِّر"‭ ‬الفاقد‭ ‬للبوصلة‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬مكمن‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬اختار‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يواجهه‭ ‬بالعمل‭ ‬اليومي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأهيل‭ ‬قطاع‭ ‬السجون‭ ‬تجاوبا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬القطاعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬الحقوقية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.   ‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا