1- : إذا كانت بعض الدول تسعى، على المستوى الاستراتيجي، لبناء ذاتها عن طريق تخريب المحيط الإقليمي، فإن هناك دولا أخرى تجعل بناء الذات الوطنية يتم عبر بناء محيطها والعالم. وهذا هو الفرق بين الدولة «الطارئة» والدولة «الأمة». وهو بالضبط الفرق بين المغرب الذي يعتبر كل نجاح لذلك المحيط هو نجاح ذاتي، والجزائر التي تبني علاقتها الدولية على تدمير المحيط، وتحويله إلى أوكار للتهريب والاتجار في البشر والإرهاب. ومن ثم فإن موضوع هذا العدد الوقوف عند بعض الملفات التي اشتغل عليها المغرب في أفق بناء شمال إفريقيا والاتحاد المغاربي. وذلك هو الاختيار التاريخي الذي اعتمده المغرب منذ استقلاله، سواء من خلال تهيئ اللبنات الأولى لخلق ممهدات الحوار من أجل استقلال باقي دول القارة، أو من خلال الإسهام المبدئي والفعلي في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، أو من خلال الإسهام في حفظ السلام والأمن في المناطق التي كانت تشهد نزاعات الحدود، أو تعرف انفجار حرب العرقيات والطوائف والأحزاب... ومن ضمن تلك الملفات يهمنا أن نتوقف، بالخصوص، عند موضوع الأزمة التي تشهدها ليبيا منذ سقوط الدولة إثر تفاعلات ما يسمى بالربيع العربي، وعند موضوع الصراع في مالي، وتهديدات الانفصال في شماله، وكذا التوتر والانفلات الأمني في منطقة الساحل وجنوب الصحراء. وذلك باعتبار الملفات الثلاثة نموذجا للعلاقات الإفريقية والدولية كما يتصورها المغرب، وكما يمارسها كمبدإ راسخ في سياساته الخارجية بالنظر إلى الدور الذي يمارسه المغرب كقوة إقليمية تعتبر كل تفكك أو تهديد لمحيطها هو تهديد للمغرب ولإفريقيا.
2- : حين تصدعت أركان ليبيا إثر أحداث «الربيع العربي» بدا واضحا، منذ البداية، أن التصدع والتفكك لم يكن فقط أصلهما ليبياً. بل كانت هناك أيادي قذرة تسهم في إشعال النار بين أطراف الصراع. ذلك أن الداء الذاتي كان بالفعل سبب التوتر بين شرق البلاد وغربها وجنوبها انطلاقا من رواسب قديمة قبلية وعرقية وسياسية. لكن هذا العطب الذاتي ما كان له أن ينفجر بهذا الاتساع المأساوي لو لم تتدخل أطراف خارجية لحسابات استراتيجية تهم وضع ليبيا في الفضاء الإفريقي والمتوسطي، وتهم كذلك مآلات موارد النفط والغاز. ولقد كانت الجزائر المريضة بحدودها، وبهويتها المفقودة، من تلك الأطراف المشعلة للنار، والمؤججة للضغائن والأحقاد.
في هذا الإطار كان للمغرب دور مميز في الملف الليبي انطلاقا من قناعته بأن سلامة ليبيا هي جزء حيوي من سلامة أمنه الذاتي على اعتبار أن شمال إفريقيا لا يمكن أن ينهض ببلدان تتآكل جزئيا. ولذلك كان مبادرا إلى دعوة الأطراف المتصارعة في الشرق والغرب الليبيين، وكل مكونات النخبة السياسية والقبلية هناك، إلى الاجتماع في الصخيرات، في دجنبر 2015، نتج عنه اتفاق برعاية الأمم المتحدة، وبإسهام فعلي للمغرب من موقع الحياد الإيجابي الذي جعل كل أطراف الصراع ترى فيه المنقذ والحكم العادل. وفي نفس السياق استضاف، في جولة جديدة، مفاوضات أبريل 2018 بالرباط. ثم عاد ليدعو نفس الأطراف، في غشت 2020، من أجل تفعيل اتفاق الصخيرات حيث عقدت تسوية أولى، وعلى مبدأ تواصل اللقاءات مهما كان حجم التحديات...
ولقد كان واضحا أن طريق التسوية كانت سالكة تماما بفضل اتفاق الصخيرات وما بعده، لكن تدخلات الجزائر وغيرها من الأطراف الأجنبية الأخرى كان لها الدور الحاسم في إعادة الصراع إلى نقطة الصفر، وفي تأبيد حالة التوتر إلى اليوم. الأيادي القذرة ذاتها قامت بتنويع مصادر التدخل عبر جر ألمانيا إلى المستنقع، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه. هنا كان على المغرب أن يعلن صراحة بأن قوى الشر هي التي تنتصر في آخر المطاف بدليل ما يتواصل في ليبيا اليوم من تعميق كل عوامل الانشقاق واللاتفاهم. وهو ما يجعل القطر الشقيق أسيرا لاستراتيجيات الطرف الأجنبي.
والحصيلة أن من فشل ليس المغرب، بل الجزائر ومن يدور في فلكها من قوى الشر.
في هذا الإطار كان للمغرب دور مميز في الملف الليبي انطلاقا من قناعته بأن سلامة ليبيا هي جزء حيوي من سلامة أمنه الذاتي على اعتبار أن شمال إفريقيا لا يمكن أن ينهض ببلدان تتآكل جزئيا. ولذلك كان مبادرا إلى دعوة الأطراف المتصارعة في الشرق والغرب الليبيين، وكل مكونات النخبة السياسية والقبلية هناك، إلى الاجتماع في الصخيرات، في دجنبر 2015، نتج عنه اتفاق برعاية الأمم المتحدة، وبإسهام فعلي للمغرب من موقع الحياد الإيجابي الذي جعل كل أطراف الصراع ترى فيه المنقذ والحكم العادل. وفي نفس السياق استضاف، في جولة جديدة، مفاوضات أبريل 2018 بالرباط. ثم عاد ليدعو نفس الأطراف، في غشت 2020، من أجل تفعيل اتفاق الصخيرات حيث عقدت تسوية أولى، وعلى مبدأ تواصل اللقاءات مهما كان حجم التحديات...
ولقد كان واضحا أن طريق التسوية كانت سالكة تماما بفضل اتفاق الصخيرات وما بعده، لكن تدخلات الجزائر وغيرها من الأطراف الأجنبية الأخرى كان لها الدور الحاسم في إعادة الصراع إلى نقطة الصفر، وفي تأبيد حالة التوتر إلى اليوم. الأيادي القذرة ذاتها قامت بتنويع مصادر التدخل عبر جر ألمانيا إلى المستنقع، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه. هنا كان على المغرب أن يعلن صراحة بأن قوى الشر هي التي تنتصر في آخر المطاف بدليل ما يتواصل في ليبيا اليوم من تعميق كل عوامل الانشقاق واللاتفاهم. وهو ما يجعل القطر الشقيق أسيرا لاستراتيجيات الطرف الأجنبي.
والحصيلة أن من فشل ليس المغرب، بل الجزائر ومن يدور في فلكها من قوى الشر.
3- : ارتباطا مع الأزمة الليبية، ومع تواصل آليات التفكك هناك، كانت مالي ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء تعيش هي الأخرى، وبالموازاة، نفس الداء بعد تفجر الصراع في الشمال إثر قيام أطراف انفصالية متمردة مسنودة بفصائل دينية متطرفة، وهو ما أدخل المنطقة ضمن مخاطر الانشقاق تحت تهديد التدخلات الخارجية، وتضخم عمل شبكات الإرهاب والتهريب والاتجار في البشر، بحيث جعلت المنطقة بؤرة تنذر بكل المخاطر خاصة إذا استحضرنا تقاطع المصالح والأهداف مع الكيان الإرهابي الآخر «البوليساريو» الذي ترعاه دولة الجنرالات في الجزائر.
هنا كان على المغرب، ومن منطلق أدواره السلمية الثابتة أن يتدخل بمقترحات عملية لحماية أمن مالي، ولدعم نهضتها على قاعدة التعاون جنوب ـ حنوب، ولتنمية اقتصادها اعتمادا على ما خصص من استثمارات مغربية هناك. في هذا السياق كان خطاب الملك محمد السادس، يوم 19 شتنبر 2013، بالعاصمة باماكو، ، إثر حفل تنصيب الرئيس إبراهيم بوباكار كيتا حيث هنأ الجميع على «هذا الانتصار الجماعي على قوى الظلامية والانفصال في مالي»، بعد أن تمكنت من «تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات مصداقية، في إطار ممارسة سيادتها»، وأشار الملك إلى «حجم التحديات التي تنتظر هذا البلد، خلال مرحلة المصالحة الوطنية وإعادة البناء، التي هو مقبل عليها»، ومن تلك التحديات:
« - مصالحة هادئة بين جميع أبناء مالي، ومنفتحة على كل الحساسيات. ويعد إحداث «وزارة مكلفة بالمصالحة الوطنية وتنمية مناطق الشمال» من بوادر التعبئة في سبيل هذه المصالحة.
- إعادة بناء مستديمة، من خلال توطيد المؤسسات السياسية والتمثيلية والأمنية، وتأهيل البنيات التحتية الكفيلة بتحقيق التقدم.
هنا كان على المغرب، ومن منطلق أدواره السلمية الثابتة أن يتدخل بمقترحات عملية لحماية أمن مالي، ولدعم نهضتها على قاعدة التعاون جنوب ـ حنوب، ولتنمية اقتصادها اعتمادا على ما خصص من استثمارات مغربية هناك. في هذا السياق كان خطاب الملك محمد السادس، يوم 19 شتنبر 2013، بالعاصمة باماكو، ، إثر حفل تنصيب الرئيس إبراهيم بوباكار كيتا حيث هنأ الجميع على «هذا الانتصار الجماعي على قوى الظلامية والانفصال في مالي»، بعد أن تمكنت من «تنظيم انتخابات رئاسية شفافة وذات مصداقية، في إطار ممارسة سيادتها»، وأشار الملك إلى «حجم التحديات التي تنتظر هذا البلد، خلال مرحلة المصالحة الوطنية وإعادة البناء، التي هو مقبل عليها»، ومن تلك التحديات:
« - مصالحة هادئة بين جميع أبناء مالي، ومنفتحة على كل الحساسيات. ويعد إحداث «وزارة مكلفة بالمصالحة الوطنية وتنمية مناطق الشمال» من بوادر التعبئة في سبيل هذه المصالحة.
- إعادة بناء مستديمة، من خلال توطيد المؤسسات السياسية والتمثيلية والأمنية، وتأهيل البنيات التحتية الكفيلة بتحقيق التقدم.
وأخيرا إعادة هيكلة الحقل الديني. وهو ما يجب القيام به، في احترام تام لسيادة مالي الكاملة وللاختيار الحر لأبنائه».
ولقد تلا تلك الزيارة الاستقبال الملكي للأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد الذي جرى، بمراكش، يوم 31 يناير 2014، حيث أكد الملك «حرص المملكة الدائم على الحفاظ على الوحدة الترابية، وعلى استقرار جمهورية مالي، وكذا ضرورة المساهمة في إيجاد حل، والتوصل الى توافق كفيل بالتصدي لحركات التطرف والإرهاب التي تهدد دول الاتحاد المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء، وبتحفيز التنمية وضمان كرامة الشعب المالي الشقيق، في إطار الوئام بين كل مكوناته».
ضمن نفس المسعى كانت زيارة الملك محمد السادس إلى جمهورية مالي في فبراير من سنة 2014، حيث جدد الملك، كما في البيان المشترك الصادر بالمناسبة، «التعبير عن انشغال المملكة المستمر بخصوص الحفاظ على الوحدة الترابية لجمهورية مالي واستقرارها، وكذا ضرورة المساهمة في التوصل إلى تسوية وتوافق يمكنان من التصدي للحركات المتطرفة والإرهابية التي تهدد على السواء بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء».
ولأن مساعي المغرب كانت تجابه دائما بقوى الشر، فلقد فشلت كل المساعي بما فيها التدخلات الأممية، وتدخل مجموعة دول الساحل الخمس. وما نتج عن ذلك من تفاعلات لاحقة تم على إثرها طرد فرنسا من التواجد على التراب المالي، ودخول البلد ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء في مخاض جديد لها كل احتمالات العناوين المجهولة، وضمنها الفشل النهائي لكل المساعي السلمية مع ثبوت معطى جديد تمثل في امتداد روسيا الباحثة عن منفذ ثان على البحر الأبيض المتوسط بعد المنفذ السوري. والنتيجة أن بلدا إفريقيا ثانيا لا يزال يعيش إلى اليوم آثار التفكك وتهديدات الانشقاق والانفصال على وقع حدة التدخل الأجنبي.
هكذا يتبين أن يد السلام الممتدة دائما من الرباط تقابلها أياد قذرة من الجزائر ونظيراتها في المحيط الإقليمي ومن خارجه ليبقى المغرب مميزا دائما بتدخلاته الإيجابية، وبمساعيه السلمية، إيمانا منه بأن ما يخلق الأمل بإفريقيا قوية ومتقدمة هو مسعى السلام لا مسعى الحرب.
أبناء ليبيا ومالي الأحرار وعموم الأفارقة وحدهم من يقدر قيمة الدور المغربي الجانح دوما نحو السلام، وأهمية ما يعمله من أجل خروج إفريقيا من المخاض العسير بأقل الأضرار والخسائر.
ولقد تلا تلك الزيارة الاستقبال الملكي للأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد الذي جرى، بمراكش، يوم 31 يناير 2014، حيث أكد الملك «حرص المملكة الدائم على الحفاظ على الوحدة الترابية، وعلى استقرار جمهورية مالي، وكذا ضرورة المساهمة في إيجاد حل، والتوصل الى توافق كفيل بالتصدي لحركات التطرف والإرهاب التي تهدد دول الاتحاد المغاربي ومنطقة الساحل والصحراء، وبتحفيز التنمية وضمان كرامة الشعب المالي الشقيق، في إطار الوئام بين كل مكوناته».
ضمن نفس المسعى كانت زيارة الملك محمد السادس إلى جمهورية مالي في فبراير من سنة 2014، حيث جدد الملك، كما في البيان المشترك الصادر بالمناسبة، «التعبير عن انشغال المملكة المستمر بخصوص الحفاظ على الوحدة الترابية لجمهورية مالي واستقرارها، وكذا ضرورة المساهمة في التوصل إلى تسوية وتوافق يمكنان من التصدي للحركات المتطرفة والإرهابية التي تهدد على السواء بلدان المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء».
ولأن مساعي المغرب كانت تجابه دائما بقوى الشر، فلقد فشلت كل المساعي بما فيها التدخلات الأممية، وتدخل مجموعة دول الساحل الخمس. وما نتج عن ذلك من تفاعلات لاحقة تم على إثرها طرد فرنسا من التواجد على التراب المالي، ودخول البلد ومنطقة الساحل وجنوب الصحراء في مخاض جديد لها كل احتمالات العناوين المجهولة، وضمنها الفشل النهائي لكل المساعي السلمية مع ثبوت معطى جديد تمثل في امتداد روسيا الباحثة عن منفذ ثان على البحر الأبيض المتوسط بعد المنفذ السوري. والنتيجة أن بلدا إفريقيا ثانيا لا يزال يعيش إلى اليوم آثار التفكك وتهديدات الانشقاق والانفصال على وقع حدة التدخل الأجنبي.
هكذا يتبين أن يد السلام الممتدة دائما من الرباط تقابلها أياد قذرة من الجزائر ونظيراتها في المحيط الإقليمي ومن خارجه ليبقى المغرب مميزا دائما بتدخلاته الإيجابية، وبمساعيه السلمية، إيمانا منه بأن ما يخلق الأمل بإفريقيا قوية ومتقدمة هو مسعى السلام لا مسعى الحرب.
أبناء ليبيا ومالي الأحرار وعموم الأفارقة وحدهم من يقدر قيمة الدور المغربي الجانح دوما نحو السلام، وأهمية ما يعمله من أجل خروج إفريقيا من المخاض العسير بأقل الأضرار والخسائر.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"