الجمعة 7 فبراير 2025
كتاب الرأي

ضياء الدين الطرشاوي: ظاهرة تغيير المدربين في المغرب.. الأسباب والحلول

ضياء الدين الطرشاوي: ظاهرة تغيير المدربين في المغرب.. الأسباب والحلول ضياء الدين الطرشاوي
ظاهرة تغيير المدربين كانت ولا تزال موجودة على كل المستويات وفي كل بلدان العالم، لكنها في المغرب أخذت هذا الموسم أبعادا وصيغا جديدة بين الرحيل الإرادي والترحيل القصري، سواء عند النجاح أو الإخفاق بقرار من الإدارة التي تحمله مسؤولية الإخفاق فتقوم بترحيله، أو بقرار من المدرب ذاته الذي زادت أهميته وقيمته وصار يبحث عن آفاق أخرى في أندية أفضل تمنحه الوقت والمال الوفير، خاصة إذا أدرك صعوبة تكرار الإنجاز الموسم المقبل، أو تأكد أن الإدارة لن توفر له الموارد المالية التي تسمح له بتدعيم الفريق للحفاظ على مستواه فيفضل الرحيل.
في مايخص ظاهرة او إشكالية تغيير المدربين بوتيرة سريعة خلال الموسم الرياضي بعد عدة دورات أو فترة تعيين قصيرة للطاقم الفني لفريق معين داخل البطولة الوطنية بكل أقسامها راجع لعدة أسباب وخلفيات، منها ما هو تدبييري وتسييري ومنها ما هو مالي اقتصادي، ومنه ماهو تقني ومنها ما هو مقرون بالنتائج والمؤشرات.
نستهل المداخلة التوضيحية بالجانب التسييري وواقع الأندية والجمعيات الرياضية التي تعيش تخبطا كبيرا بسبب سوء التسيير الإداري و التقني والتواصلي داخل النادي. فسياسة الدولة الحالية ومناشدة الجامعة بضرورة خلق شركات رياضية والإلحاح الكبير على تفعيلها وردة فعل النوادي والجمعيات البطيئة التي تسبح عكس التيار  وما يسير عليه الواقع في العالم الذي  سبقنا بأشواط كبيرة (هنا نحتذي بالدول الأوروبية والمتقدمة بصفة عامة) في الصناعة الرياضية.
إذ أن اللبنة الأساسية في النجاح و الثبات لأي منظومة مقرون باحترام التخصصات والحكامة الممنهجة والمشاريع المسطرة على المدى القريب والمتوسط والبعيد واستقلالية الكيان الرياضي عن كل ما هو سياسي و مصلحة خاصة، أكيد ستكون نتائج واستقرار على كل المستويات .
فالواقع الحالي للنوادي الرياضية خاصة كرة القدم التي تعيش نفس المشاكل و دوران في حلقة مفرغة مقصودة نوعا ما، لأن الوضوح والشفافية و احترام التخصصات والمتابعة والمحاسبة الدقيقة ليس في صالح أغلبية المسييرين والإداريين، وعشوائية تكوين المكاتب والأعضاء والهروب من إنشاء الشركات يطغى بشكل كبير واستئصاله يطلب تدخل وصبر كبير يكون عكس مصلحة الرياضة والرياضيين الممارسيين،ويعطل عجلة التطور وجعل المغرب بلد رائد بامتياز،  لما لا ونحن نتوفر على كل الإمكانيات اللوجيستيكية والبشرية و المادية والكفاءات للنهوض بالقطاع ككل بكل تخصصاته.
يجب كذللك رفع سقف وشروط رئاسة وتسيير نوادي لإبعاد أي شبهة استغلال أو مصلحة خاصة، مثلا نلاحظ بنوادي أوروبية أنها تطالب الرئيس بتوفره على نسبة معينة من رأس مال النادي وجعلها رهن إشارة النادي وتأكيد على أنه سيستقدم مستشهرين ..
وهنا نخلص في شق التدبيير أنه أساس كل نجاح و إستقرار للنادي لا من ناحية التقنية والنتائج أو المالية أو تواصلية مع الجمهور وبين مكونات النادي .
(الحكامة الرياضية الجيدة  والشفافة  لبنة كل نادي ناجحة او مؤسسة رياضية).
بالنسبة للجانب المالي والاقتصادي:
كل النوادي في العالم تعاني مشاكل مادية هذا واقع نعيشه وأزمات لفرق عريقة ومشاكل بالجملة وفساد أخلاقي وتسييري واختلاسات ..   لكن الاختلاف بينه و بين المغرب أننا نعاني مشكل قاعدي أي أن الأساس غير مهيكل ومشروع والغاية من إنشاء نادي غير واضح ..   
الجانب التقني والتواصلي:
العديد من المتابعين جمهور ومهنيين ....وبكل عاطفة ومشاعر تلقي اللوم على لاعبين والمدرب والإدارة الفنية لنادي معين في سوء النتائج ... ولكن في منظوري الخاص  بعيدا عن العاطفة يجب التدقيق وربط الأمور لأنه منطقيا لا يوجد ردة فعل أو نتيجة دون فعل مسبق او تخطيط قبلي إذن الحال الذي عليه النوادي وخاصة النتائج و تغيير مدرب وتحميله سوء النتائج لوحده هنا نفتح القوس كبير لتمحيص في الصورة الكاملة .
الكفاءات والتقنيين المغاربة مشهود لهم بالكفاءة و الخبرة و الصبر في كل المواقف دوليا لا نناقش هذا الجانب، بالعكس نشجع و نندد بضرورة تشجيع المدربين المغاربة وإعطائهم فرصة  ومجال أكبر للإبداع وقيادة الفرق وخاصة أنه مؤخرا ظهر جيل من الشباب أبرز قدراته و كفاءته العالية نذكر على سبيل المثال .. وليد الركراكي .. دميعي .. سكيتوي ... رضوان حيمر .. سفري ...جمال سلامي و اللائحة طويلة ..
لكن على النادي حين يتفاوض مع المدرب يضع مشروع واضح المعالم..سقف تنافسي عالي هل يوفر إمكانيات كاملة تعاقد مع لاعبين حسب الطلب والإمكانيات المادية، هل أهداف النادي مسطرة؟هل هنالك ضمانات على استمرار النهج على ما هو عليه طيلة الموسم او طيلة عقد المدرب الساري المفعول؟ هل تم الاعتناء بفئة الشباب الأمل لتدعيم الفريق في حالة الحاجة له( كما لاحظنا مؤخرا في عز ازمات الفرق الكبيرة) ؟هل الأساسيات متوفرة بشكل جيد تنقل مبيت .. معدات رياضية ملعب قار للعب وتداريب ؟ توفير طاقم فالمستوى المطلوب ام فقط أصحاب بذل رياضية تحمل شعار فريق ؟ هل للمدرب اختيار  كامل ام مفروض عليه أسماء معينة و تدخل الإدارة في قرارات ...؟
نحن لا نقول أن المدرب دائما على صواب و أنه ليس له دخل في نتائج و لكن أي مشروع و غاية واضحة تتطلب إستقرار وصبر و متابعة مؤشرات النجاح تدريجيا وتخطيط من متخصصين لأن الرياضة لم تعد كلاسيكية، وتسيير نوادي أصبح مختبرات علمية تحترم كل نقطة في النادي و تعاون من اجل غاية واحدة و هي ابراز اسم النادي و راحة كل المكونات السالف ذكرها .
إذ أن المدرب الحلقة القريبة من الاعبين والجمهور وتصديه لكل النقد والعتاب في حالة الفشل و الخسارة نفسيا. كل النادي يتأثر و الغاية المنشودة تتلاشى، على الجمهور مؤازرة النادي واللاعبين و الصبر في السراء قبل الضراء .. لكن نأمل خيرا خاصة وأن نماذج فرق تطورت و إيمانها المطلق بالتغيير اصبحت رائدة نأخد مثال الفتح الرباطي ؛نهضة بركان ؛ الفتح الرباطي.. عودة الجيش الملكي، أولمبيك آسفي أي أن المستقبل مشرق يلزن فقط التعاون والإلتزام لكل المكونات..
نعود للنقطة الأخيرة وهي التواصل الإيجابي الفعال والشفاف دون لغة خشب بين الإدارة والطاقم التقني واللاعبين وضرورة بناء مشروع واضح الملامح بضمانات وليس وعود كاذبة أو فقط تفكير في فترة مؤقتة وانتظار المعجزات أو عصى سحرية تحرك القافلة نحو النتائج، علما أن النوادي الكبيرة المرموقة تعاني كذللك، وخير دليل مؤخرا بعد أزمة كورونا وتداعياتها الإقتصادية الكبرى، فهي تعاني من ضائقة مالية ضخمة متوازية مع حجم تداولتها في البورصة الرياضية العالمية وكذللك مشاكل في مواكبة النجاحات و عدم القدرة على توفير متطلبات المدربين من لاعبين كبار .. كبرشلونة  والأندية الإيطالية التي لم تستطيع المسايرة رغم النتائج و تخلي عن لاعبين كبار للربح ومساعدة النادي ومدربين كبار رحلوا رغم النتائج الكبيرة لعدم وضوح المشروع والإمكانيات.
إذن نستنتج أنه رغم عموم ظاهرة الإقالات والانتقالات السريعة للمدربين في العالم إلى أنه في المغرب الاشكال ليس مرتبط بالأساس بأزمة كورونا الإقتصادية أو غيرها بالعكس، منذ زمن ونحن نتخبط في نفس الإشكال و نتوه في من يتحمل المسؤولية وكيف الحل للاستقرار التقني والاقتصادي والتسيري..
د.ضياء الدين الطرشاوي، باحث في علوم الرياضة الحديثة والتدبير والتسيير الرياضي