الجمعة 19 إبريل 2024
اقتصاد

عمر الكتاني: لا يمكن أن ننتظر من حكومة رجال الأعمال اعتماد سياسة اجتماعية

عمر الكتاني: لا يمكن أن ننتظر من حكومة رجال الأعمال اعتماد سياسة اجتماعية عمر الكتاني
على هامش التداعيات الخطيرة للتضخم، استضافت قناة "بيجيدي تي في" عمر الكتاني، خبير اقتصادي، الذي قال بأن الحكومة عليها أن تسائل نفسها عن دورها في إشعال فتيل التضخم. واقترح الكتاني حلولا  لكبح التضخم والحد من غلاء الأسعار حتى لا ينحرف مسار المغرب إلى مسار دول عربية شهدت اضطرابات وقلاقل اجتماعية.
"
أنفاس بريس" تنشر نص الحوار مع عمر الكتاني:

قرر بنك المغرب من جديد رفع نسبة الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة، مادوافع ومصوغات هذا الإجراء؟
هذا القرار الذي اتخذه بنك المغرب هو إجراء اضطراري بالنظر إلى ارتفاع مستوى التضخم إلى أكثر من 10 في المائة، وهذا مستوى خطير جدا بالنسبة للقدرة الاستهلاكية بالمغرب مما تسبب في تضرر فئات واسعة من المجتمع سواء الفئات الفقيرة التي تعاني من ضعف الإمكانيات المادية تجاه غلاء الأسعار، أو الطبقة الوسطى التي كانت تحرك الاقتصاد المغربي ومهددة باندثار ما تبقى منها والالتحاق بالطبقة الفقيرة.
ورفع سعر الفائدة الرئيسي هو نوع من امتصاص جزء من القروض إما قروض استهلاكية أو قروض استثمارية، وبالتالي سيؤدي إلى نقص في السيولة وتراجع في الاستهلاك، وهذا سيؤدي إلى ضغط على الأجور.
هل يعتبر هذا حلا كافيا؟
هناك توجه اقتصادي يعارض هذا الحل، وكأنك تصب الزيت على النار، لكن في آن واحد هو حل استعجالي. لهذا فالحلول البنيوية المطروحة تتجلى في الرفع من الإنتاج وتوفير مناصب الشغل، مثلا عبر توفير 300 ألف أو 500 ألف منصب شغل لكل 1 مليون أسرة فقيرة في المغرب، لأن توفير منصب شغل واحد لأسرة فقيرة يعد لها دعما حقيقيا عوض تقديم قفة أو معونة مادية ، وهذا هو الحل الحقيقي، مع الأسف هذا الحل لم يتم اختياره لحد الآن.
ماهو انعكاس ذلك على الاستثمار والأفراد؟
في الوقت الراهن سينعكس رفع سعر الفائدة الرئيسي من طرف بنك المغرب تلقائيا على الأبناك التي سترفع سعر الفائدة إلى حوالي 4.5 أو 5 في المائة مما سيؤثر على الاستهلاك والمقاولات والبناء وقطاعات مختلفة.
وكما قلت سابقا فسنة 2023 هي سنة تضخم في المغرب إذ أن أخطر عنصر على الاقتصاد هو التضخم، لأن التضخم يدفع في آن واحد الدولة من أجل الحفاظ على توازناتها المالية إلى القروض والضرائب، لكن يساهم في آن واحد إلى مزيد من التضخم، في حين تصرح الحكومة في أكثر من مناسبة بأن التضخم مستورد من الخارج. ولكن لماذا ظل الاستيراد في نسب عالية منذ الاستقلال إلى الآن ولم يتم تحقيق  الاكتفاء الذاتي في الحبوب مثلا.
ماهي الإجراءات التي يمكن اعتمادها لكبح التضخم؟
على الحكومة أن تسائل نفسها بخصوص مسؤوليتها  التضخم في إذكاء والمحافظة عليه. إذ، منذ أزمة كورونا والجفاف وحرب أوكرانيا، كان على الحكومة أن تقوم بأقل خطوة، ألا وهي التضامن مع المواطنين واعتماد سياسة التقشف للحفاظ على ميزانية الدولة والتوازنات المالية، ونجحت في ذلك على حساب كبح التضخم، إذ رفعت الحكومة الضرائب في قانون المالية 2023 (التضخم على المدى المتوسط) كما دخلت الآن في مسلسل من القروض، (التضخم على المدى المتوسط والطويل)، وهذا خطير على الاقتصاد الوطني ويرهن مستقبل البلاد.
لماذا لم تعتمد الحكومة على سياسة التقشف مادام هو حل من الحلول؟
استهداف الأجور العليا والامتيازات الممنوحة لكبار الموظفين جزء من الحل، إذ لا تريد الحكومة حذف أكثرمن 100 امتياز للموظفين الكبار في المغرب، وتنقص الأجور العليا للموظفين الكبار على الأقل ب15 أو 20 في المائة. فالموظف الصغير في المغرب حين يعاني من التضخم فبسبب امتيازات الاستهلاك ونمط عيش فئة للموظفين الكبار. إذن كيف يمكن أن نطلب من الدولة أن تساهم في مقاومة التضخم وهي تساهم فيه بالحفاظ على هذا المستوى من بحبوحة عيش الموظفين الكبار..لماذا تزود الوزارات بسيارات مستوردة من الخارج  في حين يقوم المغرب بصناعة السيارات، لماذا لا يتم وضع قانون يمنع الوزارات والإدارات العمومية من استيراد السيارات من الخارج؟ أين وعود الحكومة وشعارات الحكومة التي رفعتها بتنزيل  توجهات الدولة الاجتماعية في البرنامج الحكومي وحتى توصيات النموذج التنموي..
 لهذا لا يمكن أن ننتظر من حكومة رجال الأعمال أن تقوم بسياسة اجتماعية..كذلك السياسة الاجتماعية تتطلب صندوقا اجتماعيا متكاملا، في المغرب إذ أحصيت إمكانية تجميع 21 مصدرا للتمويل الاجتماعي، منها 16 مصادر موجودة و5 مصادر يمكن إنشاؤها.
ماذا تقصد بالسياسات الاجتماعية؟
يجب الاستثمار في القطاعات الاجتماعية بالمناطق القروية، لأن الفقر مصدره البادية وليس المدن. وقلنا مرارا بأن الفقر تنتجه البادية، لأن الدولة لم تحارب الأمية منذ الاستقلال إلى الآن بالقرى، ونعلم بأن سكان المناطق القروية يمثلون 40 في المائة من السكان، ومستوى عيش هؤلاء مرتبط بتساقط الأمطار و الشغل في القطاع الفلاحي، ففي كل سنة وبسبب فقدان الشغل بالبادية وتوالي سنوات الجفاف، نشهد هجرة مابين 100 ألف و150 ألف فرد من البادية إلى المدينة، وهذه الهجرة لها كلفة باهظة، في تكاثر البناء العشوائي ولجوء الدولة إلى إعادة إسكان قاطني البراريك، علما أن كلفة السكن بالمدينة هي 4 مرات كلفة السكن بالبادية.
هل يهدد التضخم القدرة الشرائية للمواطن وجودة العيش وكل ماهو اجتماعي؟
ارتفاع مستوى التضخم له انعكاس على توازن الأسرة، إذ علينا أن نتساءل هل التلاميذ والطلبة يحصلون على تغذية جيدة من أجل تحصيل التعليم الجيد، فالتغذية الجيدة تساهم في الاستيعاب والتحصيل الجيد في التعليم، وهذا ما لاحظناه  من تراجع طاقة الاستيعاب للطلبة سنة بعد أخرى وارتفاع معدل السقوط مقارنة مع طلبة بدول أوروبية الذين يتناولون حصصا غذائية جيدة بمواد أساسية وبأسعار متوفرة ومناسبة. 
في المغرب يتم تصدير السمك علما أن سواحل المغرب تمتد على طول 3400 كلم، مما يرفع من الضغط على طلب اللحوم الحمراء، ونقوم باستيراد الشعير والقمح كعلف للبهائم، عوض توجيه استهلاكها للمواطنين، كما أن وجبة السمك في المتوسط لا يقل 80 أو 100 درهم بالمغرب، في حين بدول أخرى تتوفر على سواحل كماليزيا لا تتجاوز وجبة غذاء سمك متكاملة 30 درهم.
بعد رفع نسبة الفائدة، هل سيؤثر ذاك على ثمن السكن الاقتصادي والخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم؟
هناك استعداد الآن لرفع ثمن السكن الاقتصادي بحجة غلاء مواد  البناء، إذ سيتم اقتناؤه ب30 مليون عوض 25 مليون، وكنا نشتكي من قبل أن كلفة السكن الاقتصادي مرتفعة بسبب احتكار 3 شركات للبناء في المغرب.
فأسرة المتزوجين الجدد سيتأثر مستوى عيشها مع ارتفاع كلفة القروض البنكية والاستهلاكية، ناهيك عن غلاء الأسعار والمصاريف التي تتقل كاهل الأسر الجديدة من أجل تأمين مستوى عيش جيد للأطفال.
على مستوى القطاع الصحي، نلاحظ توغل الشركات في الاستحواذ على مصحات خاصة، مما يهدد القطاع بالاحتكار وغياب منافسة شريفة مع القطاع العام الذي تدنت جودة خدماته الصحية. ةما نقوله على القطاع الصحي يستقيم على تغول المدارس الخاصة بقطاع التعليم.
وبالتالي فإن مسلسل تفويت القطاع الاجتماعي للقطاع الخاص، يطرح سؤالا كبيرا حول مستقبل وتأمين الخدمات الاجتماعية للمواطن المغربي.
وختاما، نأمل التعجيل بإصلاحات عاجلة وهيكلية حتى لا يعيش المغرب ماعاشته دول عربية من اضطرابات اجتماعية.