الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

بن يونس المرزوقي: تعديل القوانين التنظيمية.. ثغرة دستورية أم ممارسة خاطئة؟

بن يونس المرزوقي: تعديل القوانين التنظيمية.. ثغرة دستورية أم ممارسة خاطئة؟ الباحث بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق وجدة
أصدرت المحكمة الدستورية يوم الثلاثاء 21 فبراير 2023 قرارا يقضي بعدم دستورية الإجراءات المتبعة لإقرار القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين، مساندة في ذلك على غياب موافقة المجلس الوزاري على عملية ملاءمة النص مع قرار سابق للمحكمة الدستورية كان يقضي بعدم دستورية مقتضيات عديدة منه.
وبهذه المناسبة اتصلت
"أنفاس بريس"، بالباحث بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق وجدة، الذي سبق له أن تطرق الى جوانب مسطرية عديدة بهذا الخصوص، خاصة من خلال مداخلته التي ألقاها بتاريخ 16 فبراير2023 بصفحته على الفيسبوك.
وفيما يلي التوضيحات التي قدمها بن يونس المرزوقي لـ
"أنفاس بريس"، بهذا الخصوص:
 
 
بتاريخ 16 فبراير 2023، ألقيت مداخلة على صفحتي في الفايسبوك تحت عنوان "مدى دستورية مسطرة تعديل القوانين التنظيمية"، ونزولا عند طلب العديد من الباحثين والباحثات، أقدمها لهم في صيغة مكتوبة حتى تعم الفائدة.
إن الهدف من المداخلة كان هو إثارة الانتباه مع محاولة الإجابة عن التساؤل التالي: هل يُمكن للممارسة الخاطئة تعديل مقتضى دستوري أو مخالفة المبادئ العامة للقانون؟
ومناسبة هذا التساؤل، هي المسطرة المتبعة أمام البرلمان لإقرار القوانين التنظيمية. فالقانون التنظيمي يتميز عن القانون العادي من زاويتين:
فمن حيث الشكل له مسطرته الخاصة التي هي أقل تشددا من الدستور، وأكثر من القانون العادي؛
ومن حيث المضمون فإنه بصفة إجمالية نص مكمل للدستور يدخل ضمن الكتلة الدستورية.
ولهذه الأسباب، فإن دستور 2011 (على غرار الدساتير السابقة) خص القانون التنظيمي بمقتضيات خاصة تتمثل أساس في مقتضيات الفصلين 85 و86.
فالفصل 85 وضع أربعة قواعد:

1- عدم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه؛
2- المصادقة النهائية تكون بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، باستثناء إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب؛
3- إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، يجب أن يتم باتفاق بين مجلسي البرلمان، على نص موحد؛
4- عدم إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور.
أما الفصل 86، فيَهُم أساسا الفترة التي ينبغي أن يتم خلالها إيداع مشاريع القوانين التنظيمية. 
إن هذا التميز هو أساس التساؤلات التي طرحتها قصد البحث عن إجابات أو على الأقل عن أفكار أولية تُساعد على تعميق فهمنا للمسطرة التشريعية.
فقبل دستور 2011، كانت مسطرة ما قبل إحالة النصوص التشريعية على البرلمان مسطرة موحدة:

- التداول في مجلس الحكومة تحت رئاسة الوزير الأول؛
- البت في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك.
لذلك، كان الطبيعي جدا أن هذه المسطرة الموحدة لم تثر أي نقاش ما دام أن التميز لا يبدأ إلا عند الإحالة للبرلمان، حيث يتم الشروع في تطبيق المسطرة الخاصة بالقانون التنظيمي والمتميزة عن مسطرة القوانين العادية.
لكن مع دستور 2011 اختلف الوضع إذ أصبح لدينا مسطرتان لمرحلة ما قبل الإحالة للبرلمان:

 
أولا، مسطرة للقوانين العادية التي يتم التداول بشأنها في مجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة، ثم تتم إحالتها مباشرة على البرلمان، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات الواردة بالفصل 49 من الدستور والمتمثلة في كل من: مشاريع القوانين-الإطار، مشروع قانون العفو العام، مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، وإعلان حالة الحصار.
 
ثانيا، مسطرة للقوانين التنظيمية التي تُعرض على المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك قبل إحالتها على البرلمان.
ولذلك، بما أنه أصبح لدينا مسطرتان، فمن الضروري أن نتساءل بشأنها: هل ينبغي أن يُؤدي هذا التحول إلى تغير في المساطر الواجب اتباعها بعد الإحالة على البرلمان؟
مناسبة هذا السؤال هو أنه بالنسبة للحكومة، فهي ممثلة بشكل دائم في البرلمان عن طريق السلطة الحكومية المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، لذلك فإن التعديلات التي تقدمها الفرق والمجموعات النيابية يتم التنسيق بخصوصها غالبا في إطار مسطرة حكومية داخلية، عادة ما تكون بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحكومة والقطاع الوزاري المعني والوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان.
أما بخصوص التعديلات التي يتم تقديمها بخصوص القوانين التنظيمية، فينبغي أن نتساءل بشأنها:

 
أولا، هل هي جزء من القانون التنظيمي من الناحية الشكلية؟
طبعا بما أن الجواب سيكون إيجابيا، فإنه ينبغي أن يتم تطبيق المسطرة الخاصة بالقوانين التنظيمية، مثلا عدم مناقشة التعديلات قبل مرور عشرة أيام على الإيداع، بل إنني أقترح أن يتم هذا الإيداع أنمام مكتب مجلس النوب وليس أمام اللجنة المعنية؛
وإذا كان الجواب سلبيا، فما الجدوى حتى بالنسبة للمشروع الأصلي من عدم الشروع في مناقشته إلا بعد مرور عشرة أيام. فرغم أن هذه القاعدة دستورية إلا أنه، عمليا، فقدت أهميتها في الوقت الحالي أمام تطور وسائل الإعلام التي أصبحت تسمح باطلاع العموم على مضمونها بسرعة فائقة.

 
ثانيا، من حيث المضمون هل ينبغي البت في التعديلات مباشرة أمام اللجنة البرلمانية المعنية (أو الجلسة العامة)، أم ينبغي إعادة عرض مشاريع التعديلات على نفس الجهة التي بتت في المشروع؟
وبكلمة أوضح، ما دام أن النص تم اعتماده في المجلس الوزاري؛
وما دام أنه ليس لدينا جهة مكلفة بالعلاقات بين البرلمان والمجلس الوزاري؛ فإنه من الضروري عرض مشاريع التعديلات على المجلس الوزاري قصد البت فيها، وذلك تطبيقا لقاعدة الموازاة في الاختصاص والموازاة في الشكل.
لقد تبين من خلال الممارسة داخل المجالس الوزارية، والمستنبطة من البيانات المنشورة في الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة وجود الصيغ التالية:

- إما عدم عرض التعديلات على المجلس الوزاري؛ 
- أو الاستماع فقط لعرض يُقدمه الوزير المعني؛
- أو المصادقة على التعديلات والإشارة لذلك بشكل صريح في البيان الوزاري.

وأعتقد أن هناك ثغرة ينبغي العمل على سدها وفق عدة أساليب، وذلك من خلال استحضار بعض الممارسات الإيجابية التي ينبغي المحافظة عليها:

 
أولا، ليس من الضروري عقد مجلس وزاري بكامل أعضائه، بل يُمكن اعتماد صيغة "جلسة عمل" يرأسها الملك، ويحضرها كل من رئيس الحكومة، والوزير المعني، والأمين العام للحكومة، وحتى الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان إذا دعت الضرورة؛
 
ثانيا، التمييز بين التعديلات الجوهرية والتعديلات البسيطة، حيث يلزم عرض الأولى على المجلس الوزاري للمصادقة عليها، مع إمكانية تجاوز الثانية ما دامت تتعلق بتجويد النص فقط وليس إدخال تعديل يُغير مضمون النص الأصلي.
لكل ذلك، فإنني حينما أتحدث عن "ثغرة" دستورية أقصد بذلك أنه لا يُمكن عمليا لهيئة أن تصادق على نص دون المصادقة على التعديلات المراد إدخالها عليه.  وقد وصلت لخلاصة مؤداها أن "ملاءمة النص مع قرار المحكمة الدستورية يتطلب العودة من جديد للمجلس الدستوري".